من صلى بلا رخصة فلا صلاة له
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ٣١ اغسطس ٢٠١٧
ما بالهم منزعجون، إن عجزوا عن بناء كنيسة، رخصتها حاضرة فى جيوبهم، ممهورة بخاتم النسر، ويمنعهم من البناء مانع، ويعوقهم عن إنشائها رهط من الرعاع والدهماء، خلفهم وفى ركابهم كتيبة من أصحاب اللحى المخضبة فى الحناء، خارجة من صلاتها دون حجر أو منع. ما بالهم غاضبون من قرار إدارى يغلق كنائس لهم منذ أعوام مضت، بلا سبب، دون أن يفك كربها مفرج الكروب أو الهموم، أو يصلح أمرها أصحاب الحل والعقد.
ما بالهم مهمومون وهم لا يقيمون صلاتهم فى بيوت لا يؤذّن لهم فيها بصلاة، وعزّت عليهم الصلاة فى كنائسهم، دون رخصة رسمية، صادرة من الحى، مغلفة بالبلاستيك المزركش باللون الأزرق، وتوقيع رئيس الحى باللون الأحمر، يضعونها فى مكان بارز على مداخل الغرف، وسلالم البيت، فيصلّون مطمئنين على قبولها.
الصلاة بلا رخصة تبطل الصلاة، ولا صلاة لمن لا رخصة له، ولا دعاء لمن كانت رخصته مرفوعة بين يديه إلى السماء. الصلاة برخصة يا قوم طهارة للمكان، وبراءة من نجاسة المصلّين، ولا صلاة إلا بطهور وتطهير. والرخصة نية المصلين الصادقة فى الصلاة، وباطلة لكل من أساء النية، وكذب وضلل، وغشّنا وصلّى بلا رخصة. والرخصة ركن أصيل من أركان الصلاة، لا تستقيم صفوف المصلين إلا بها، فالصف الأعوج، رخصته بالية، وخطوطها ممسوحة فانية. والرخصة منتهية الصلاحية، تفسد المكان، وتلوث الهواء، وتأسن الماء، فلا يحتمل المصلون مكانها، وينفرون منها ويفرون كنفرة الدابة من الراعية.
والرخصة بوصلة المصلين وإمامهم، فهى تشكر الرب عن المصلين إن عجزوا، وتسأله غفران الخطايا عن المكسوفين إن خجلوا، وترفع عن الضعفاء والكسالى توسلاتهم وتضرعاتهم إلى رب العالمين إن سقموا وهزلوا. والرخصة تقوى إيمان المصلين، وترفع مقام اليقين، وتعلى منزلة التصديق والتسليم والرضا والقبول عند المترددين، وتطمئن بها قلوب الخاشعين، وترضى وتعتصم بها نفوس الخاضعين، وبغيرها يصبح الإنسان فريسة سهلة للشياطين.
أرأيتم أنهم على الحق سائرون، وعلى مصالح العباد قائمون وحريصون، وأن الخير لكم يا قوم ألا تصلوا بغيرها، وإذا جاءتكم يوماً بلا موعد سترفع عنكم ما فات من الصلوات، وتؤجرون أضعاف من تحايل وصلى بغيرها، أو زوّر فى المستندات. ما بالهم يتضايقون إذا طبقت الأجهزة الرسمية فى بلادى القانون على دور عبادة، وتترك الأخرى حرة طليقة، يفترشون الشوارع والميادين والأزقة والحارات، وطرقات المصالح الحكومية من صلاة الفجر حتى العشاء، يرفعون الأذان على آلاف المآذن، ويفتحون المساجد لعشرات المصلين، يصلون ويدعون ربهم دون قيد أو شرط، ويرفعون الأصوات إلى عنان السماء حتى يسمع من فى القبور، مهما علت الأصوات وارتفعت الحناجر وأزعجت المرضى أو الأطفال أو عطلت مصالح العباد. ما بالهم مستاؤون إذا رأوا الدولة أسداً يزمجر ويكشر ويكشف عن أنيابه، وتهرس مجنزراته ودباباته الشوارع إذا اقترب منها إرهابى، وتكون كالفراشة أو النعامة الودودة التى تدفن رأسها فى الرمال، إذا حجروا ومنعوا مظلوماً من صلاته.
ما بالكم مذعورون وفزعون على بلادكم من هذه الاستهانة، وهذا الاستهتار بالعقول وبالمصائر، وهذا الاستخفاف بنظرة العالم إلى دولة تمنع فيها الصلاة، ويحال فيها بين العبد وربه، ويأخذ المسلمون نصيبهم فى بلادهم دون شرط أو قيد أو رخصة، حتى لو وقفوا على رؤوس الأشهاد، فلا يمنعهم قس أو راهب أو متحجر. ما بالكم تتعجبون ودولتكم قوية فتية تحارب الإرهاب فى سيناء والدلتا وعلى الحدود الشرقية بطول البلاد وعرضها، تتعقبه ليل نهار فى الوديان وعلى شواهق الجبال، وتحت أراضيها فى الخنادق والأنفاق، وتقف ضعيفة خجلى أمام العشرات من الإرهابيين الصغار، يمنعون الصلاة فى الكنائس، ويصدون الناس عن عبادتهم، ويحولون بينهم وبين طقوسهم الدينية، ولا يؤرق مضجعها هذا الخلل وهذا الصدع وهذه الثغرة. ما بالكم يا قوم ترون ما لا يرونه، وتحسبون ما لا يحسبونه، وتتوقعون ما لا يقدرون عليه، أتظنون بالناس ظن السوء، أفلا يرون أن الإرهاب ينمو ويترعرع ويتكاثر فى هذه البيئة بلا حاجز أو مانع؟ وأن التهاون والتكاسل معه جريمة لا يغفرها تاريخ أو ضمير، وأن القضاء عليه فى مهده، ووأد للفتنة فى مولدها، حتى لا يتكاثر ويهدد سلامة الجميع؛ مسلمين ومسيحيين، هو الخلاص والنجاة للبلاد وللعباد. أفلا يعلمون أن تنفيذ القانون على الجميع دون مجاملة أو مداهنة أو مسايسة هو إرساء لقيم العدل والمواطنة والاستقرار والأمن؟ من قال إنهم لا يعلمون أن الاستقرار وأمن المواطن وحريته فى ممارسة عقيدته وشعائره، هو ميزان الناس للسياحة والاستثمار وجلب رؤوس الأموال. هل تظنون أنهم لا يعلمون؟ إن رخصة الصلاة من رخصة المصانع، من كان قادراً على الأولى كان قادراً على الثانية، ومن عجز فقد عجز عن كليهما؟ بل يعلمون علم اليقين، ويقدرون، نعم هم قادرون إذا رغبوا وأرادوا..
نقلا عن الوطن