الأقباط متحدون - العيد والنفق وموظف الشاطئ
  • ٠٦:٤١
  • الخميس , ٣١ اغسطس ٢٠١٧
English version

العيد والنفق وموظف الشاطئ

مقالات مختارة | بقلم سوزان حرفي

٤٩: ٠٤ م +02:00 EET

الخميس ٣١ اغسطس ٢٠١٧

سوزان حرفي
سوزان حرفي

هجر النوم عيوني، تعلمت مؤخرا ألا أضيع وقتي في استجدائه، تركت الفراش وخرجت من الغرفة، جلست على كرسي من البامبو، كان ضوء القمر قد انحرف بعيدا عن سفحة الماء، وغابت معه جزيرة الفضة التي صنعها على جزء من البحر أمام الشاليه، فبدأت أتابع آخر الأخبار على مواقع التواصل عبر الهاتف.

لم يمر وقت وصدح أذان الفجر، إنه يوم التروية، كثير من الرسائل أتت تحض على الذكر والتكبير، سعدت بالسهد الذي جعلني أعيش هذه اللحظة ومنحني فرصة ترقب الشروق، اتجهت ناحية الشاطئ سرت بمحاذاة البحر باتجاه الشرق، سجلت دقائق اختراق ضوء الشمس لظلام الليل بعيني وبكاميرا هاتفي، لم يخب ظني كان الجمال فوق أي وصف وأجمل من كل الكلمات.

إنها حقا (أحلى شمس وأحلى رمل وأحلى ميه) تغنى بها «عبدالحليم حافظ» وكتبها «مرسي جميل عزيز» خطأً للإسكندرية، فهو قطعا لم تتح له فرصة زيارة شواطئ سيناء الساحرة، فإذا كانت الأولى عروس البحر المتوسط، فالثانية قطعة من الفردوس تسللت ونزلت إلى الأرض.
في السابعة صباحا جاء عامل الشاطئ، سألته لماذا تأخر وكيف أضاع على نفسه الاستمتاع بلحظة الشروق، فأجاب بأنه حضر في موعد عمله، وتساءل مبتسما ماذا سيضيف له مشهد الشمس، فهو يعمل لساعة متأخرة ويحتاج لكل دقيقة لينام ويرتاح فيها.

أدركت مدى بلاهة سؤالي، فها أنا أنضم دون قصد للقلة التي تشكو الضجر وتهرب للهدوء وجمال الطبيعة لشحن ما تسميه بطاريتها، مَن تستغل إجازات العيد وتسعى للاستمتاع بعيدا عن العوام من أهلنا الطيبين، فهناك حاجز يعلو بينهم وبين ما يقرب من 40 مليون مواطن لا يملك قوت يومه.
فأنا وهذا الموظف تجسيد لتاريخ البلد وواقعه، فميلاد اليوم الجديد الذي ينتظره عِلية القوم ليخلدوا للنوم، لا يعني لهذا الشاب إلا بداية ساعات من التعب والعناء ليسد رمقه وأسرته، وذلك في أحسن الأحوال.

إنه التناقض بين مَن يجتاز متأففاً من بطء وطول إجراءات المرور بنفق الشيهد «أحمد حمدي»، الرابط بين ضفتي القناة بسيارته الفارهة وبين عشرات الآلاف من الفلاحين الذين حفروا المجرى المائي بأياديهم خدمة لكبار تجار العالم، وهو الفارق نفسه بين آلاف الشهداء الذين نزفوا الدم لتعود الأرض المقدسة لمصر، وبين من يأتيها طلبا للاستجمام والراحة.

إنه منطق الواقع الذي يقول إن هناك من يزرع وآخر يحصد، ومَّن يحارب وغيره يفوز بأكاليل النصر، لكنه قطعا ليس «واقع المنطق» الذي يؤكد أن لكل إنسان دور لا يمكن الاستغناء عنه إذا تم توظيفه، ولكل شخص أسطورته الذاتية التي يسعى لتحقيقها، وعنده ما يميزه ولديه ما يفخر به.
نعم مصر ليست البلد الوحيد الذي يسكنه فقراء، لكنها من أكثر البلدان الذي يسرق آداميتهم، فهي تقهرهم أمام باب كل مسؤول وأي موظف، وتهينهم في أروقة أقسام الشرطة وداخل عنابر المستشفيات، وتطحن نفوسهم في وسائل المواصلات وعند الحصول على الخدمات الأساسية.

بلد لا يتعامل مع فقرائه أساسا كبشر، ثم نطلب منهم أن يكونوا ذو مشاعر مرهفة، ونفوس تدرك الجمال وتعرف كيف تتعامل معه، إننا نتعجب كيف اختفت فرحة العيد بين الناس، ونتجاهل أننا بلد ترك بسطاءه ليقتسموا أعباء المناسبة.

تركهم ليتشاركوا ضحكات ممزوجة بالشقى، وتهاني تعرقلها عيون كساها الحزن، بلد سرق كل فرحة عندما انقسم بين قلة مترفة تملك كل شيء بلا عناء، وبسطاء تمت سرقة أرزاقهم وأقدارهم على مدار عقود، فبأي عين بعد ذلك نقول لهم «عيدكم سعيد»!!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع