العفو الرئاسى عن الشيخ ميزو
مقالات مختارة | بقلم : حمدي رزق
٣٧:
١١
ص +02:00 EET
الخميس ٣١ اغسطس ٢٠١٧
أتمنى على الرئيس أن ينظر بعين العفو للشيخ محمد عبدالله نصر، (الشهير بميزو)، المسجون بتهمة ازدراء الأديان ببلاغ من محام تخصص «حسبة»، من «المحتسبين الجدد» الذين يجولون فى الفضائيات، يتلمظون للقاصية.
لا نعلق على حكم أصدرته محكمة، «الحكم عنوان الحقيقة»، والقاضى حكم بما تقدم من أوراق وسيديهات، ووفق مادة الازدراء الرهيبة، ولكن ما تأخر هو التدهور الحاد فى صحة الشيخ عبدالله، الشاب المُعَمَّم سقط مريضاً، وقبلها سقط من حالق فى بئر الازدراء السحيقة، ولم يتحسب لخطوة أو لكلمة، هناك مَن يعد عليه الأنفاس.
وكما كان الرئيس عطوفاً وأفرج عن الباحث الشاب «إسلام بحيرى» ورَدّ عليه حريته، نلتمس عطفة رئاسية طيبة لإطلاق الشيخ عبدالله، الذى لم يخرج علينا شاهرا سيفه قتلاً وتخريباً كما خرج الإخوان، ولم يكفّرنا كما استحلّنا السلفيون، ولم يسرق مالاً عاماً وتصالَح كبارونات المال العام، ولم يقتل عمداً مع سبق الإصرار والترصد وطلب العفو الصحى، الشيخ عبدالله رجل قال ربى الله، ثم اجتهد، اجتهد ولم يصب فله أجر وليس السجن.
الشيخ عبدالله نصر لم ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، ولم يدْعُ إلى دين جديد، ولم يجدف فيما هو ثابت، ولم يزْدَرِ ديناً، ولم يحط على طائفة، وإن كان قد زعم أنه «المهدى المنتظر» فتلك كانت حيلة معلنة للحَضّ على التفكير لا التكفير، وما صدر عنه فى بيان كان كافياً لإيضاح ما غمّ على الناس من قوله فضائياً.
قضية الشيخ عبدالله أن المجتمع صار صدره ضيقاً حرجاً، ماذا لو قال عبدالله نصر مثلاً: «لماذا أنا ملحد؟!»، كما قالها إسماعيل أدهم فى الثلاثينيات من القرن الماضى، لكان قد صُلب فى ميدان التحرير لتأكل من رأسه الطير، الشيخ عبدالله ضرب مثلاً على نفسه، أو بالأحرى سجن نفسه.
كما كان سجن الشيخ عبدالله فى صالح المحتسبين الجدد، فإن بقاءه فى السجن استمرارية لغلبة هؤلاء المتقفين، يُطمّعهم فى المزيد من لحوم المجتهدين، المحتسبون الجدد يكسبون كل يوم أرضاً، يتمددون فى الأرض البراح التى تتيحها الفقرة «واو» من المادة 98 من الأحكام الواردة فى القانون رقم 58 لسنة 1937.
المادة العجيبة- التى أغفل مجلس النواب مقترحاً للنائبة المحترمة الدكتورة آمنة نصير بإلغائها- تتعارض مع فلسفة وأحكام الدستور المصرى الصادر فى 2014، وبالأخص فى مواده أرقام 64، 65، 67، 71، 92، 95.
الفقرة «واو» فقرة عنكبوتية تلتف حول أعناق كل مَن يفكر أو يشرع فى التفكير، أو يجتهد أو حتى يُعمل عقله، فقرة استثنائية فى تاريخ البشرية جمعاء، تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى صادقت عليها الدولة المصرية والتى كفلت الحق فى حرية العقيدة والتعبير، واعتبرتها من بين الحقوق الأساسية والحريات العامة للإنسان، وعلى رأسها العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبالأخص المادتان 18 و19 منه.
المادة التى سجنت الشيخ عبدالله هى نفس المادة التى حاكمت نجيب محفوظ ونصر أبوزيد وإسلام بحيرى وفاطمة ناعوت وأحمد ناجى وغيرهم الكثير، وتتسع لتلقف جميع الأفكار والاجتهادات من مختلف الاتجاهات، مادة محصنة تحصيناً عجيباً، هناك مَن يرعى بقاء هذه المادة سيفاً مسلطاً على رقاب العباد.
طالما استمرت هذه المادة حية تسعى سيبقى السيف على الرقاب، هذه المادة توفر للمحتسبين الجدد ملاحقات قانونية عقورة، وتصدر على هدى من حروفها أحكام مجتمعية شكلت فى مجملها تضييقا على حريات كفلها وصانها الدستور، وأبرزها حرية الاعتقاد، وحرية الفكر والرأى والتفكير.
نقلا المصرى اليوم