فخ «الرشوة»
مقالات مختارة | بقلم : د. محمود خليل
٠١:
١١
م +02:00 EET
الاثنين ٢٨ اغسطس ٢٠١٧
القبض على نائبة محافظ الإسكندرية بسبب فسادها وتلقيها رشاوى مالية وعينية (قيمتها مليون جنيه) مقابل تسهيل البناء بالمخالفة للقانون وإهدار 10 ملايين جنيه على الدولة. ومن قبل كانت قضية «قاضى الزقازيق» المتهم بالحصول على رشوة (قيمتها 300 ألف جنيه) مقابل تخفيف حكم بالإعدام على متهم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وكان الطرف الآخر للقضية نائب سابق بمجلس الشعب. ثمة سؤال على هامش هاتين الواقعتين، هو: هل يعانى المجتمع من تفشى الرشوة هذه الأيام بصفة خاصة، أم أن ثمة جهداً مختلفاً تقوم به هيئة الرقابة الإدارية من أجل كشف الفساد؟
واقع الحال أن الرشوة جزء من حياة المصريين، هكذا كانت ولم تزل.. أحياناً ما تأخذ شكل الرشاوى الصغيرة، وأحياناً ما تتضخم إلى حد التورم، تبعاً للأمر الذى يهدف الراشى إلى تمريره، وهى لا تقف عند عتبة الرشوة المالية أو العينية، بل أحياناً ما تتجاوزها إلى ما هو أحط. يمارس المصريون الرشوة (منحاً وأخذاً) وكأنها طقس يومى من طقوس حياتهم، فى استخراج الأوراق، وتمرير الاحتياجات، وحل المشكلات. الرشوة بالنسبة للكثيرين جزء من فلسفة الحياة بمنطق «الفهلوة»، فلا يهم أن تبذل جهداً حتى تحقق أحلامك أو أهدافك فى الحياة، وهو منطق يحكم كلاً من الراشى والمرتشى والرائش، والمقصود بـ«الرائش» الوسيط الذى يصل بين الطرفين. قيمة الجهد والعمل تراجعت كثيراً أمام قيم أخرى خلال العقود الأخيرة، وأصبح المال يعلو على ما عداه من قيمة. وجدان الناس تسمم لأسباب عديدة فجعلته عاجزاً عن التفرقة بين الأخلاقى وغير الأخلاقى، بصورة هزت هذا المجتمع بعنف، وعقّدت حياة أهله بصورة غير مسبوقة.
عوامل كثيرة أسهمت فى جعل الرشوة جزءاً لا يتجزأ من حياة كثيرين. أسباب يتعلق بعضها بالرغبة فى الخروج على القانون، ويتعلق بعضها الآخر بالشغف بالتربح من طرق سهلة لا تتطلب بذل جهد، وبسبب حالة الشيوع التى أصبحت تتمتع بها الرشوة فى حياة الناس، أمسى البعض ينظر إليها كفعل أو سلوك طبيعى، لا يجدون تناقضاً بين إتيانه أو الوقوع فيه والقيام بطقوس دينهم. قاضى الزقازيق المرتشى كان فى طريقه إلى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج بعد قبض الرشوة بيومين!
الرشوة فى هذا المجتمع قديمة، الجديد هذه الأيام هو الجهود المحسوسة لجهاز الرقابة الإدارية، فقد نجح فى الكشف عن العديد من قضايا الفساد التى دار أغلبها فى فلك الرشوة. وهى جهود تطمئن إلى وجود اتجاه رسمى ممنهج للتعامل مع الفساد، من الوارد جداً أن يمتد ممن يدور فسادهم حول (الرقم مليون) إلى من يحلق فسادهم حول (الرقم مليار). بجانب الجهود التى يبذلها جهاز الرقابة لا بد من وجود جهود أخرى من الواجب أن تبذلها جهات متنوعة. الرشوة ليست مسألة قانونية فقط، بل هى قبل ذلك مشكلة ثقافية. البعد الثقافى لهذه الآفة لا بد أن تتعامل معه المؤسسة الدينية والإعلامية والتعليمية. التعامل الجاد مع المشكلات لا بد أن يمتاز بنوع من الشمولية ومحاولة المحاصرة من جميع الجوانب حتى نضمن التخلص منها.
نقلا عن الوطن