مصر ليست في حاجة إلي تعديل دستورها!!
يوسف سيدهم
الأحد ٢٧ اغسطس ٢٠١٧
يوسف سيدهم
في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها مصر ووسط انغماسها في مسار مقاومة الفساد وإصلاح النظام التعليمي والصحي والثقافي وتطوير البنية الأساسية علاوة علي ما يقتضيه العمل المضني نحو رفع مستوي معيشة الطبقات المطحونة وتشجيع الاستثمار لتوفير فرص العمل والقضاء علي البطالة… وغير ذلك الكثير مما تنوء به أجندة العمل الوطني, يباغتنا نواب برلمانيون بعزمهم التقدم في دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب بطلب تعديل الدستور لزيادة فترة رئاسة الجمهورية من أربع سنوات إلي ست سنوات!!!… وكأن مصر أدركت استقرارها في جميع المجالات وتم استيفاء جميع متطلبات الدستور فيما يخص تأسيس الدولة المدنية الحديثة والتنمية والتقدم حتي نمتلك ترف التفرغ لتقييم الأثر التراكمي لدستور 2014 ونخطو نحو الحاجة إلي تطويره للأفضل بناء علي ما أظهرته تجربة تطبيقه!!!
ليكن معلوما للكافة أن مصر اجتازت محنة صياغة دستور جديد بعد أن أنقذتها العناية الإلهية من محنة حكم الإخوان, وخاضت تجربة تاريخية علي يد نخبة من خيرة أبنائها الوطنيين المخلصين لصياغة دستور يرسخ مبادئ الدولة المدنية الحديثة ويكفل الحريات والحقوق والضمانات للمواطنين المصريين ويحدد أطر الفصل بين السلطات في الدولة ويرسم بدقة صلاحيات كل سلطة حتي لا تتغول وتستبد, وذلك حماية للمسار الديمقراطي وضمانا للتداول السلمي للسلطة… فإذا كان المصريون قد استشعروا خطورة ما حاق بمصر عامي 2012, 2013 ولم يحتملوا انتظار مجئ انتخابات رئاسية قادمة فنزلوا إلي الشارع في يونية 2013 بغية إنقاذ مصر, لا يمكن أن نعول علي تكرار ذلك النموذج كلما ألمت بمصر ظروف سياسية تخالف إرادة المصريين وتطلعاتهم التي ارتضوها في دستور بلادهم… وهنا تبرز حتمية وأهمية دستور 2014 وما تضمنه من مواد تكبح جماح تغول السلطة واستبداد الحكم وتتيح الآلية السلمية لتغيير السلطة إذا ضلت السبيل.
إذا يجب أن نعي جميعا أن ما نص عليه الدستور من تحديد لمدد وفترات رئاسة الدولة -أربع سنوات ولا تجدد إلا لفترة ثانية فقط- هو ترسيخ لضوابط تحمي البلاد من أي سلطة يتطلب الأمر تغييرها سلميا… فلم تكتب الدساتير لتكريم ومكافأة الحكام الوطنيين الصالحين المخلصين, إنما لحماية الشعب من جموح الحكام المستبدين المارقين إذا وصلوا إلي سدة الحكم… وبالتالي لا يستقيم في أول تطبيق لدستور 2014- الذي يعتبر دون مبالغة أفضل الدساتير المصرية علي الإطلاق منذ أول دستور مصري صدر عام 1924- أن نتعرض لاندفاع تشريعي ينادي بتعديل الدستور لإطالة مدة الرئاسة لمجرد أن الرئيس الحالي الجالس في السلطة يتمتع بقدر كبير من حب وتقدير المصريين ويمتلك إنجازات ملفتة في رصيد العمل الوطني والإصلاح والتنمية وتنشيط العلاقات الدولية لمصر.
إن الرئيس السيسي يتمتع بكل ذلك وله رصيد متنام من التقدير المحلي والدولي, علاوة علي أنه دستوريا من حقه إعادة ترشيح نفسه العام المقبل 2018 لفترة رئاسة تالية أثق أنه يستحقها وسوف يحصل علي تأييد شعبي جارف ليدركها, أي أنه بلاشك- وطبقا لما يتيحه الدستور- يمكن أن يستمر في قيادة البلاد أربع سنوات أخري تنتهي في عام 2022… لماذا القلق إذا علي مصر؟… ولماذا المبالغة الانفعالية في السعي إلي تعديل الدستور لضمان وإتاحة ما يتجاوز ذلك؟… ولماذا استمراء فتح باب التعديلات الدستورية التي بالقطع سوف تشغل الأمة وتستنزف قدراتها السياسية والاقتصادية في إطار معارك وخلافات وانشقاق لا طائل من ورائها سوي عرقلة وتعويق مسارات الإصلاح والتنمية وتأصيل الديمقراطية؟
أعرف أن هناك فصيلا من السياسيين والبرلمانيين الذين يتوجسون من قدرة الخريطة الحزبية الحالية علي إفراز الكوادر والعناصر الواعدة المستحقة للتقدم إلي المصريين بغية الترشح لتسلم السلطة.. وأعرف تماما أن تشرذم الأحزاب وتهرؤها وضعفها لا يطمئن المصريين إزاء قدرتها علي المنافسة علي منصب الرئاسة… وأعرف أكثر أن هناك قناعة مكتومة -ومسكوتا عنها- مؤداها أن أمان واستقرار مصر يعتمد بدرجة كبيرة علي التناغم والانضباط والعمل الدؤوب الذي يتأتي من ارتباط مؤسسة الحكم بالمؤسسة العسكرية… لكني أعرف أيضا أن تلك التوازنات إنما هي نتيجة ترك الخريطة الحزبية ضعيفة عليلة, وذلك هو الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه.
فمع قناعتي وتسليمي بأن الرئيس السيسي يستحق بجدارة الترشح لفترة رئاسة ثانية -بموجب الدستور وبدون تعديله- أحلم بأن يكرس السيسي تلك الفترة الثانية في تفعيل برنامج وطني حتمي لإصلاح المنظومة الحزبية السياسية في مصر لتأهيلها للنضج الديمقراطي وللانخراط في المنافسة علي السلطة واستحقاق شغل كرسي الحكم بما يقتضيه ذلك من إدراك خطورة نتائج المراهقة السياسية أو العبث بالأمن القومي أو المخاطرة بعلاقة مؤسسات الدولة ببعضها البعض.
لقد عبر الرئيس السيسي عن ذلك الحلم خلال حديثه لرؤساء تحرير الصحف القومية في مايو الماضي عندما قال: دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قوي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة, وأتمني أن نري الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتشابهة تسعي نحو التنسيق فيما بينها تمهيدا للاندماج…
هذا ما صرح به الرئيس منذ ثلاثة شهور, لكن في مواجهة الاندفاع لتعديل الدستور للتغطية علي تقاعس الأحزاب في هذا الإطار مازلت أحلم بأن يكون هذا هو برنامج الرئيس السيسي في فترة رئاسته الثانية… وليكن معلوما للكافة أن السيسي أنجز الكثير والكثير لأجل مصر, لكن لو نجح في تأهيل الخريطة الحزبية لإدراك النضج السياسي والديمقراطي وتداول السلطة سيكون ذلك أعظم إنجازاته علي الإطلاق التي ستذكرها له مصر بكل العرفان والتقدير أكثر كثيرا من تعديل الدستور لتمكينه من البقاء في السلطة.