من بعيد.. نظرة إلى طه حسين

 

وفى الحقيقة يجذبنى بصورة كبيرة كتابه "من بعيد" لأسباب عديدة أهمها: أن طه حسين يتطرق في هذا الكتاب إلى كثير من الإشكاليات المهمة من بينها قضية العلم والدين وقضية الأصالة والمعاصرة وقضية كيفية الاستفادة من التقدم العلمى في الغرب مع الاحتفاظ بالهوية المصرية، بل أجده في هذا الكتاب مدافعًا شرسًا عن مفهوم التنوير وعن الفنون والآداب بأنواعها التقليدية والحديثة فقد أدرك الرجل بنظرة ثاقبة أن الأوطان لن تتقدم إلا بالعلم وبالأخلاق وبالآداب والفنون والثقافة الراقية المعبرة تعبيرا حقيقيا عن الإنسانية.

 

"من بعيد" كتاب به المنهج النقدى التحليلى العقلى وما أحوجنا في هذا العصر الذي نعيشه أن ننتهج التفكير والتحليل الموضوعى لتجاوز تحديات وتهديدات كثيرة تقابل الوطن، ففى هذا الكتاب نجد أفكارا منفتحة تقوم على إعمال العقل والتفكير الموضوعى، فقد ربط طه حسين بين ثنايات أفكاره بين التنوير والتقدم الحضارى، وتحدث عن القضايا الثقافية وعن الهموم الفكرية وعن مستقبل مصر الثقافى، بل تطرق في هذا الكتاب إلى قضية الإلحاد وقضية الإيمان بصورة أكثر عقلانية وأكثر فهما، وتجد في عباراته عزيزى القارىء نزعة شكية ولكنها تهدف إلى البناء وليس الهدم من خلال منهجه النقدى، فهو ينطلق من النقد إلى البناء الموضوعى في أي قضية يطرحها.. 

 

وفى الحقيقة أجد ذلك منهجا مهما لتربية العقل على التمييز بين الصالح والطالح، منهجا يبنى وطنا بعكس ما نجد الآن من حملات التشويه ضد أي إنجاز حقيقى وعندما تتساءل عزيزى القارىء لماذا هذا الهجوم وهذا التشويه؟ يرد أصحابها بأنه نقد وهذا الرد ينم عن الجهل وعن عدم الوعى وعن الغوغائية، فالتفكير النقدى الصحيح هو تفكير من أجل البناء وليس تشويهت ولذا نحتاج إلى منهج طه حسين في كتابه "من بعيد" لإعادة الفهم لقضايا دينية وعلمية وثقافية.

 

فهو انطلاق لنزعة تنويرية لاحترام كل ما هو حضارى وإنساني إذ يدافع عن العلم ويدافع عن العقل ويعطى منظورًا جديدا لفهم الدين، كتاب "من بعيد" تركه طه حسين للمكتبة المصرية والعربية به العديد من الدروس المستفادة ادعوك عزيزى القارىء للاطلاع عليه.