دموع على طريق الغرباء
عزيز الحافظ
السبت ٢٩ يوليو ٢٠١٧
عزيز الحافظ
من أين أبدأ عزف موسيقى الاحزان... فانا غير ضليع بنوتاتها....ولااعرف آلاتها التي تبعث حزنا شجيا ساحرا للنفس,، أكثر من غيرها.... لتسحق في ذاتي صبر إنتظار الاشجن حزائنيا لتسرق الدمعة من كل جفن عنوة...
السيد ضرغام.....غاب غيابا أبديا....شاب في مقتبل العمر وعنفوانه..... فاليوم في العراق يموت الشباب فقط ....حتى بالدراسات المجتمعية مظلومين ومنسيون...او منسيين لاتهمني القواعد اللغوية قدر انها تقضم كل خلية في جسدي شبعت من دم الحزن والشجن.....هناك حرب ضروس سحقت كل شبابنا فلاالجدران ولاالمقابر اخذت تستوعب غيابهم اليومي....ولاامتلئت نفوسنا التي عايشت الحزن منذ وجود البعث الزنيم لليوم،من قوارب وبواخر الاحزان وهي تمخر في الشطآن والغدير والانهار وبحار الالم...
واليوم أيضا يسرق الموت منا شابا التهبت كل صفحات الفيس بووك لوداعه التراجيدي..وعندما تأملت وتألمت عن سبب موته إجده صعقة كهربائية في وقت يشكو الشعب كله من غيابها!!! ولكن السيد ضرغام غاب للابد وعانقه التراب لان التربة العراقية لوتحدثت للفظت شبابنا منها!!!
ولكن التربة ايضا حزينة على إستقبالهم وصامتة لان ذراتها قلّبت مع الاحياء مواجع الموت الرخيص....
ومن الصدف الغريبة في الحياة أن هذا الشاب الذي غادر الحياة بتراجيديا هيكيلية التنوع الهندسي للشجى والشجن....كان لنا معه صلة قرابة!! وصلات القرابة المجتمعية في العراق تقتضي التزاور ومواساة عائلة الفقيد.... توجه قلبي الملكوم لاجسدي الفاقد بوصلة الفرح والسعادة لمقر الفاتحة....كانت خطواتي كلها لفظة دمع صامتة في الاجفان...ولجت مقر الفاتحة... وهناك بعد قراءة الفاتحة ... تمنيت أن أكون بليدا..
تمنيت ان لاتفترس عيوني دموع العطاء الحنون في عيون اغلب الحاضرين... ولان الحزن يعرف سحنتي ويعرف شحنتي ويعرف سفينتي ويعرف يراعي ويعرف روعي ويعرف اختياراتي وجدت نفسي قريبا من اهل الفقيد... وانا لست مخرجا ولاكاتبا للسيناريو.....ولكن المشهد نفسه سحق كل توافق في جوارحي وانا اشاهد جموع الشباب الذين كانوا يعرفونه يبكون مع اخوته..... مع ان العراقيين قليل منهم من يبكي في مراسيم الفاتحة لاسباب اجتماعية....
لم أقو على الصمت!! أنهمرت دموعي بقساوة.... هاهو السيد ضرغام يدور مع موزعي الماء يتسامر مع اصدقائه فردا فردا..... ويلوم اخوته على الدموع!! واذا برجل ينهض من جنبي يحمل هاتفه النقال.... واذا انا امام صورة في حائط المطان للفقيد الشاب المبتهج ببسمته التي شراعها دموع مغادرة....التقط الرجل عدة صور للفقيد ولم يكن يعلم ان عيوني التقطت مليون صورة للمشهد كلها تسحق المحاجر والمدامع والاجفان....
لن اكتب النهاية فقد تركت المكان لاني عاجز عن فعل الاحزن موقفا.... اين التفاؤل المستقبلي؟ اين سيذهب فراش السيد ضرغام وملابسه واحلامه وطموحه ... وبسمته وحبه المكنون؟ كم ستصبر امه؟ المنسية دموعها عن الترقيم في لوحات السيد حمورابي.... فمسلته حملت احزاننا منذ بدء الخليقة..
اي كلمة اكتبها للختام......دائما تضحك الاحزان على كل العراقيين.... لانها تبتدع كل صور الموت لهم!!! وبرسومات لم يفكر بها عباقرة الفكر السريالي ! وكل خيال في هوليوود كان هنا الحزن يبتدع صورا للموت لم تمرّ على كل خاطر.... يملك خيالا خصبا..
الصمت سيد الاحزان....