بقلم :نسيم مجلى
لقد أفاض فقهاء القانون الدستورى فى ذكر الأسباب التى توجب علينا رفض هذه التعديلات لأنها تعود بنا إلى الوراء ،فقد أبقت التعديلات على جميع المواد التى تعطى أى رئيس جديد سلطات مطلقة بلا حدود والتى تكفى لتحويل أى إنسان وديع ألى ديكتاتورفالسلطة المطلقة فساد مطلق. وبهذا نعود إلى الوراء وتضيع ثمار ثورة الشباب التى أعلنوها فى ميدان التحرير وهى إقامة مجتمع مدنى ودولة ديموقراطية. ودون خوض فى تفاصيل هذه التعديلات والاعتراضات عليها، فإننى أكتفى بالقول أنها لا تتمشى مع روح ثورة الشباب ولا روح العصر الذى نعيشه فى القرن الواحد والعشرين، عصر العولمة والانترنيت. ومن ثم وضعت العراقيل أمام الكفاءات العظيمة النادرة التى يمكنها أن تقود عجلة التقدم العلمى والرقى الحضارى بحجج عفى عليها الزمن.
فقد اشترطت التعديلات " فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون قد حصل أو أى من والديه على جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجا من غير مصرية ، وألا يقل سنه عن أربعين سنة ميلادية .". وبوضوح شديد نقول إن هذا التعديل قد قصد به سد الطريق أساسا أمام الدكتورأحمد زويل العالم المصرى الحاصل على جائزة نوبل وكذلك على العلماء الآخرين أمثال الدكتور فاروق الباز والدكتور مجدى يعقوب وغيرهم ممن يتألقون فى الغرب والشرق على السواء، ويتحدث العالم عن منجزاتهم ويفخربها.
هذه نماذج أثبتت انتماءها الوطنى بدرجة لاينكرها أحد. فأحمد زويل يحمل مشروعا للتعليم والبحث العلمى، وفاروق الباز لديه مشروع تنمية بالغ الأهمية لزراعة ملايين الأفدنة فى الصحراء الغربية على مخزون المياه الجوفية، ومؤسسة مجدى يعقوب الطبية وانجازاتها فى جنوب مصر يشهد بأهميتها الجميع إضافة ألى زياراته المستمرة لعمل الجراحات الحرجة فى قلوب أطفال مصر وإنقاذ حياة الألاف منهم، هذا وإن كنت أظن أنه لا يفكر أبدا فى هذا المنصب . لكن الدكتور أحمد زويل أعلن أنه يفكر فى ترشيح نفسه . وهذه فرصة ذهبية كان يجب أن يغتنمها الذين وضعوا التعديلات الدستورية وأن يتيحوا له الفرصة وأظن أنه سيكون مكسبا عظيما لمصر فى هذه المرحلة.
لكنهم وضعوا أمامه العراقيل لأنه يحمل جنسية أخرى غير مصرية ومتزوج من سورية ولو حسنت النوايا لتحفظواعلى الشرط الأول بإضافة عبارة تقول " وعلي من يحمل جنسية دولة أخرى أن يتخلى عنها فى حالة ترشحه لهذا المنصب " أما عدم وضع هذه الإضافة فيمثل عوارا يشين هذه التعديلات ويصمها بالتحيز والانغلاق. وهذا واضح فى تشديد القيد بالنص على " ألا يكون قد حصل أو أى من والديه على جنسية دولة أخرى" كما أن التعديلات خلت من النص على وجوب عرضها للمناقشة الشعبية أوجواز الطعن عليها أمام القضاء الإدارى قبل عرضها للاسفتاء كما هو المنطق عادة فى مثل هذه الصياغات القانونية.
وكان الأجدى أن يتعلم هؤلاء من تجربة دولة إسرائيل عند قيامها إذ عرض زعماء اليهود رئاسة الدولة الوليدة على عالم الفيزياء اليهودى الألمانى الجنسية إينشتين. كان المفروض أن يعى ألجميع أن مصر فى حاجة ماسة إلى شخصيات على هذا المستوى وبالذات الذين تربوا فى بيئة المجتمعات الديموقراطية الغربية وتربو على احترام كرامة الانسان.نريد هذه الشتلات الصالحة لنطعم بها شجرة حياتنا التى نخر فيها السوس والفساد بفعل نظام استبدادى استمر خمسين عاما .
لإن الحرية يصنعها الأحرار والديموقراطية لا يبنيها إلا ديوقراطيون عاشوا فى بيئة ديموقراطية وتشربوا قيم الحرية الفكرية واحترام الرأى الآخروحققوا نجاحاتهم فى تلك البيئة ، وهذا مؤكدة فيمن ذكرتهم من العلماء الذين عاشوا فى الغرب وتربوا على المناهج العلمية وحصلوا على جنسية هذه البلاد .
أما اتخاذ مسألة الجنسية ذريعة لاستبعادهم يعود بنا ألى زمن الحرب العالمية الثانية حين كانت النازية تروج لفكرة نقاء الدم الألمانى وتفوق الجنس الألمانى ، وهى أفكار شوفونية عفى عليها الزمن. ومن أجل هذا قلت إن لجنة التعديلات لم تستوح روح العصر ولا روح ثورة الشباب المصرى ونسيت أن العقل المصرى تعرض على مدى ثلاثين عاما لهجمة تتارية تعادى العلم والقيم الانسانية كان من نتائجها إنهيار التعليم والبحث العلمى والتخلف الادارى وماتبعه من التدهور فى الصناعة والزراعة حتى أصبحنا عاجزين عن انتاج ما يكفينا من الخبز. وأصبحنا جميعا فى حاجة ماسة إلى رائد يقودنا للخروج من هذا المأزق التاريخى حتى تعود مصر إلى مكانتها كرائدة للتقدم والتحرر والديموقراطية.
كذلك فإن حكاية الزوجة الأجنبية لم تعد شرطا يعتدد به فيمن يتولى الرئاسة فى بلاد عديدة فى الشرق والغرب ، وإذا عدنا ألى من تزوجوا بأجنبيات من المصريين نجد طه حسين وحسين فوزى ويحيى حقى والدكتور محمدِ أبو الغار والدكتور عبد القادر القط وآخرين فى الماضى والحاضر ممن قدموا ومازالوا يقدمون الكثيرمن الخير لمصر وللعالم أجمع . وهذا يدحض كل حجج هذه اللجنة الموقرة التى لم تقدم من التعديلات مايكفى لإزالة الشكوك فى عودة الماضى ، ولهذا فأنا أدعو إلى رفض هذه التعديلات وأطالب بدستور جديد يليق بمصر الحديثة ، مصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير .
ويبقى التأكيد على إن وجود عالم مثل زويل على قمة السلطة فى مصر لديه رؤية ومشروع جاهز ثبتت جدارته فى بلاد أخرى فضلا عن امتلاكه شخصية كاريزمية لها حضور قوى وجاذبية كبيرة بين الجماهير تضمن له القبول والتأييد وتمكنه من تحقيق التوافق الوطنى على كثير من المشروعات الكبرى التى تحتاجها عملية التنمية .
كان يجب على أعضاء اللجنة أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال: مالذى نحتاجه الآن ومن يستطيع أن يقود سفينة الوطن فى أمن وسلام لتحقيق ذلك ؟ لو فعلوا هذا لدفعهم الاجتهاد إلى فتح الأبواب وتذليل الصعاب أمام هذه الطاقات الخلاقة من الذين صنعوا أمجادهم فى بلاد المهجر بالنظرألى واقع يحتاج علمهم وخبرتهم واقع الثورة الشبابية التى بعثت الروح المصرية الأصيلة التى تؤمن بالعدل والسلام وتتطلع ألى عهد جديد من الحرية والعدالة والرخاء .