- الشيخ أسامة القوصي: الأخوان يبثون الكراهية ضد كل ما هو مسيحي
- شتيوي عبد الله: الإخوان استغلوا كُره المجتمع في النظام وحبه لهم
- الأنبا مرقس: المسلم لا يعرف الدين المسيحي والإنسان عدو ما يجهله
- نيابة الصف تحصل على CD بهدم وحرق كنيسة صول.. ورمزى يكشف: فرد بأمن الدولة كسر الصليب
- إصابة بعض الأقباط المتظاهرين أمام ماسبيرو احتجاجًا على تعدى الشرطة العسكرية على الأقباط
دور أقباط المهجر بعد "ماسبيرو"
بقلم: منير بشاي
شهد شارع ماسبيرو في الأيام الماضية، ثورة قبطية تحمل بصماتهم المميَّزة. كانت هذه واحدة من المرات النادرة التي أعلن فيها الأقباط غضبهم وثاروا، رأينا القبطي الوديع، على غير عادته، يتحوَّل إلى ضيغم (أسد) حسب تعبير قداسة البابا "شنودة" في قصيدته. كان كأس الغضب القبطي يمتلىء تدريجيًا، ثم جاءت القطرة التي فاض بها الكأس.. كانت الأحمال تتكدَّس فوق ظهر البعير ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير.
لقد عانى الأقباط في خلال الشهور القليلة الماضية خسائر فادحة في الأرواح في أماكن كثيرة، مثل "نجع حمادي" و"العمرانية" و"الإسكندرية" و"سمالوط"، وغيرها. ولكن شرارة الثورة بدأت من قرية "صول" مركز "أفطيح".
ما حدث في قرية "صول" كان نقطة تحوُّل في التفكير القبطي. كان العنف في هذه الحادثة يختلف عن ما سبق، فقد كان ممزوجًا بالإهانة. كعادتهم، جاء الغوغاء لينتقموا من أقباط قرية "صول" بعد ترويج شائعة، وتسبَّب الاعتداء في قتل وجرح الكثيرين، ثم بعد ذلك إتَّجهوا إلى حرق الكنيسة وحرق المنازل المملوكة للأقباط، وطرد أصحاب البيوت من القرية!! ولكن الإهانة وصلت لذروتها عندما جاء من ارتكبوا جريمة حرق الكنيسة ليصلوا على أرضها، معلنين عزمهم على تحويلها إلى جامع! ولكي يبرِّروا تصرفهم، جاء شيخهم ليدَّعي أن الكنيسة تمارس السحر والشعوذة، ويتعاطون فيها الخمور، وتخزَّن فيها الملابس النسائية! وهو إدعاء مزيَّف سخيف، على غرار قولهم أن الكنائس توجد بها مخازن لتكديس السلاح.
ولكن الأمر المفزع حقًا كان مسايرة السلطات لرغبات الغوغاء بقبولهم أن يُعاد بناء الكنيسة في غير موقعها على أرض خارج القرية، وأن يتم تهجير المسيحيين المطرودين من قريتهم إلى أماكن أخرى. وابتدأوا يساومون الأقباط على ذلك، وأحس أقباط القرية أن الأمر أبشع من مجرد حرق كنيسة أو هدم بيوت، وأشنع من قتل وجرح عددًا منهم.
كان الأمر بمثابة محاولة لإشعال النار في كرامتهم واغتيال كبريائهم. كانت الإهانة لا يقبلها إنسان حر، وكان شعور كل قبطي هناك أنهم أمام امتحان لوجودهم كآدميين، وأن الخيار أمامهم إما أن يكونوا أو لا يكونوا.
وخرج عشرات الآلاف من الأقباط، ومعهم بعض إخوتهم المسلمين، إلى مقر مبنى الإذاعة والتليفزيون في "ماسبيرو". وعلى مدى تسعة أيام قاموا بثورتهم القبطية وبطريقتهم القبطية الخاصة. لم يخرِّبوا عقارًا، ولم يهينوا إنسانًا، ولم يبتزوا أحدًا. كانت مطالبهم هي المواطنة الكاملة بين كل المصريين، وعبَّروا عنها في هتافاتهم: "مينا ومحمد مصري واحد التحرير أكبر شاهد"، و"وطن واحد شعب واحد"، و"أنا مصري"، و"هدم كنايس هدم بيوت.. صوت القبطي مش هيموت"، و"دولة مدنية"، و"لا للطائفية". وتعدت مطالبهم ما حدث في "صول" وشملت قضايا قبطية كثيرة.. طالبوا ببناء كنيسة "صول" في نفس المكان، وإرجاع الأقباط المطرودين من القرية إلى بيوتهم، والإفراج عن القس "متاؤس وهبة"، وبناء مبنى مطرانية "مغاغة" المعطَّل، وفتح عدد من الكنائس المغلقة. ولم يفضوا اعتصامهم إلا بعد أن أخذوا الوعود باستجابة الدولة لكل مطالبهم.
كان ما حدث في "ماسبيرو" ثورة شعبية قبطية بكل المقاييس، وعلامة مميَّزة على طريق كفاحهم الطويل. لأول مرة في تاريخهم الحديث يكتشف الأقباط صوتهم ويجبروا السلطة على أن تستمع إلى ما يقولون. لأجيال طويلة كان الشعب القبطي المصري يأخذ دور الضحية العاجزة التي تستعطف وتطلب من ينقذها فلا تجده، والآن تحوَّل الأقباط إلى قوة وطنية قادرة فاعلة يُعتد بها ويُعمل لها ألف حساب.
وما حدث في "ماسبيرو" فرض حتمية النظر في الأدوار التي تقوم بها القوى القبطية المختلفة بالنسبة لأقباط الداخل، وضرورة مراجعة هذه الأدوار وإعادة توصيفها. كان لابد من هذا بعد أن رأينا أقباط الداخل يأخذون دور الممسك بعجلة القيادة في المطالبة بحقوقهم وانتزاعها عنوة من السلطات. وفي المقابل كان لابد من تراجع الأدوار الأخرى إلى أن تنحصر في مجرد التأييد والمساندة.
وبالذات كان لابد من إعادة توصيف دور أقباط المهجر، هذا الدور الذي لم يكن في تقديري يخرج يومًا عن أن يكون دور المساند. وجاءت ثورة "ماسبيرو" لتؤكِّد هذا المفهوم. ولم يكن هذا رأيًا جديدًا، فقد عبرت عنه في مقال كتبته منذ ثلاث سنوات، حيث قلت: "أقباط المهجر ليسوا أوصياء على أقباط الداخل وليسوا أولياء أمورهم. كما أن أقباط المهجر ليسوا ممثليهم القانونيين، فأقباط الداخل لم ينتخبوا أحدًا منا للتفاوض باسمهم. نحن نمثِّل أنفسنا فقط والمنظمات التي ننتمي لها، ونحن متطوِّعون للدفاع عن إخوتنا. ولكن أي تسوية للقضية القبطية يجب أن يقرها الشعب القبطي في "مصر" لأنهم وحدهم المعنيون بهذا وليس غيرهم."
عندما كان الصوت القبطي داخل "مصر" يعاني القمع والكبت، كان لابد لصوت أقباط المهجر أن يعلو، معبرًا عن ما يجوز فيه إخوتهم في الداخل. ولأقباط المهجر أن يفخروا بإسهاماتهم في مساعدة إخوتهم، مستخدمين مناخ الحرية الذي يعيشون فيه، ومستخدمين وسائل الإتصالات الحديثة المتاحة لهم، والتي لم تكن متوفِّرة بنفس الدرجة لأقباط الداخل. وقد قدَّم أقباط الخارج للقضية القبطية أعمالًا هامة دفعت بقضيتهم إلى الأمام، ومنها المظاهرات التي غطَّت معظم عواصم العالم، وقدَّموا لهم أيضًا المواقع الإليكترونية الرائدة التي وضعت القضية القبطية في دائرة النور، وقدَّموا القنوات الفضائية التي استطاعت نقل الحدث من "مصر" إلى الملايين حول العالم في نفس لحظة وقوعه، وقدَّم أقباط الخارج الضغوط على قيادات العالم من ذوي النفوذ؛ حتى يأخذوا موقفًا في تأييد الحقوق المشروعة لأقباط "مصر".
ولكن بعد "ماسبيرو" رأينا أقباط الداخل يمسكون بعجلة القيادة ويديرونها بحكمة وكفاءة. ومن هنا كان يجب أن يأخذ أقباط الخارج مكانهم في المقاعد الخلفية، ويتركوا لأقباط الداخل أن يمارسوا حقهم المشروع في التفاوض وإتخاذ القرار بالنسبة للقضايا التي تهمهم بالدرجة الأولى. ولكن سيستمر دور أقباط الخارج هو تأييد أقباط الداخل فيما يريدون بالإمكانيات المتوفِّرة لهم.
وستظل أمنيتي، والتي أعتقد أنها أمنية كل قبطي يعيش خارج "مصر"، أن يأتي الوقت الذي يأخذ أقباط الداخل حقوق المواطنة كاملة، وبذلك ينتهي دور أقباط الخارج في الدفاع السياسي عن أقباط الداخل. وبعدها يمكننا أن نتفرَّغ لرسالة أهم وأعظم، وهي أن نكون دعاة خير لـ"مصر" لتعريف العالم بمكانة "مصر" كدولة مدنية متحضِّرة، تضارع طموحاتها الحديثة تاريخها المجيد.
أنا متأكِّد أن "مصر" وشعبها العظيم قادرون على تحقيق المعجزة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :