الأقباط متحدون - خمسة وستين سنة مرار
  • ١٩:٣٦
  • السبت , ٢٢ يوليو ٢٠١٧
English version

خمسة وستين سنة مرار

محمد حسين يونس

مساحة رأي

١٠: ١٢ م +02:00 EET

السبت ٢٢ يوليو ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

محمد حسين يونس
بالامس قرأت إعلانا نشره مكان ما بالغردقة يبشر زبائنه بأنه قد توصل لاتفاق مع أجهزة الامن علي إستثناء محله من قرار محافظ البحر الاحمر بمنع دخول ((((المصريين)))) إلي الاماكن السياحية و انه يمكن (للمصرى) المعتاد علي إرتياد المكان عمل كارنية عضوية يسمح له بالتواجد بعد تحريهم عنه .

وبالامس قرأت في جريدة الوطن أنه قد صدر قانونا بإلحاق الرقابة الادارية علي رئاسة الجمهورية مباشرة لتفعيل صلاحياتها لمكافحة الفساد( بين سبعة ملايين موظف حكومي ) و كشف وضبط ومنع جرائمه قبل حدوثها .. و أنه سيتم إنشاء مركزا متخصصا بالهيئة يسمي الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لتعليم كوادر الجهاز ويمنحهم الماجيستر و الدكتورا .

وبالامس تم منع مذيعات (ماسبيرو ) من نشر صورهن بالمايوة أو الملابس القصيرة أو العارية علي وسائل الاتصال الاجتماعي فيس بوك أو تويتر .
وهكذا أصبح الامن أخيرا كحلم الثوار منذ اليوم الاول يتحكم في تحركات و حياة المصريين بعد 65 سنه من تولي عبد الناصر وزارة الداخلية في زمن محمد نجيب.

عندما تحركت الوحدات العسكريه المصرية مساء ليلة صيفية حاره من ليالي شهر يوليو1952 في اتجاة كوبرى القبة حيث يجتمع قادة الجيش لم يكن يتصور يوسف صديق اليسارى أو اى من ضباطه و جنوده ان تاريخ مصر يتوقف ليتخذ مسارا جديدا بعيدا عن النظام الملكي ، الاستعمار الانجليزى الرابض بجنوده علي ضفاف القناة ، و الوفد الذى يسيطر علي الشارع يتحرك خلف زعاماته حتي النهاية ..يتولي فيه الضباط الحكم لقرن تال .

لقد كانت الحرب العالمية الثانيه قد انتهت بعد ان قضت علي ملايين الضحايا و خربت عشرات المدن استقبلت اثنين منها قنابل نووية .. و كانت الامم المتحدة قد تم ولادتها خلفا لعصبة الامم و مواثيق حقوق الانسان نبراسا يشع من العالم الجديد .. و الشيوعية تلق بثقلها لتحوز علي نصف اوروبا مع مساحات واسعه من اسيا .. و كان الاستعمار القديم الاوروبي قد انهك و استنفذت طاقته فسلم الرايه لامريكا لتبدأ بفرض حمايتها علي كل من اسرائيل و تركيا و ايران .. و تسعي لاستكمال سلسلة احلاف تحاصر بها المعسكر الاشتراكي( الناتو) في اوروبا وفي اسيا( السياتو ) و بينها فراغ ايزنهاور يضم منطقة الشرق الاوسط التي تطمع امريكا في وصلها من خلال حلف بغداد

كان المصريون لا يتجاوزعددهم الثمانية عشر مليونا .. رعايا مولانا الملك المعظم فاروق الاول ملك مصر و السودان علمهم أخضر يتوسطه هلال و ثلاثة نجوم يقال انها ترمز للديانات الابراهيمية الثلاث التي كانت تزاول طقوسها بحرية في جوامع و كنائس و دور عبادة يهودية ويعيش اهلها في سلام و تجانس و ترابط لا يميز مواطن عن اخر بدينه او لونه او جنسه ... حتي خاضت الجيوش العربية حرب ضد العصابات الصهيونية في فلسطين فأصبح اليهود( كلاب العرب )و احيت جماعات الفاشيست الدينيه و القومية دعاية النازى عنهم و مع ذلك كان افضل تجار الصاغة و المنيفاتورة يهودا و كانت المحلات الكبرى ودور العرض ملكا لليهود

الاقتصاد المصرى كان يحركه الاجانب .. كل البنوك عدا بنك مصر .. كل محطات توليد الكهرباء و توزيع غاز الاستصباح ..المواصلات داخل المدن و بين المحافظات .. و كانت مرافق الدوله يديرها اجانب و في الاغلب انجليز .. السكة الحديد، التليفونات، وزارة الرى .. لقد كانت مصر فقيرة بكوادرها الفنيه فجامعات فؤاد و فاروق و ابراهيم غير قادرة علي تخريج الاعداد الكافية من الفنيين لادارة دولة .. و كانت قناة السويس دولة داخل الدولة يديرها اطقم من جميع اجناس العالم لهم مميزات خاصة و اماكن تواجد غير مطروقة الا لهم

عندما انقلب العسكر كان الشارع المصرى يغلي فمليشيات الاخوان قامت باغتيالات و تفجيرات و انتهت الي حرق القاهرة و الجيش الانجليزى يدمر مراكز البوليس التي لم يكن يملك جنودها ذخيرة او حتي بنادق مناسبه و الملك يغير الحكومات بسرعه غير معهودة و في ازمان متقاربة .. و الجيش يداوى جروح هزيمة قاسية في فلسطين و تنتشر الاشاعات ان السبب هو ذخيرة فاسدة وردتها حاشية مولانا

عندما انقلب العسكر كان الرجال يضعون الطربوش علي رؤوسهم و يرتدون الاسموكينج و الفراك في الحفلات و كانت سيدات الطبقة المتوسطه في اغلبهن سافرات و يرتدين ملابس سهرة قادمة من باريس في حفلات ام كلثوم و كان الجنيه المصرى محترما و يزيد قليلا عن الاسترليني و يكاد يوازى الجنيه الذهب .. و كانت هناك عمله اسمها تعريفه اى خمسة مليمات اخذها كل صباح كمصروف يد لي و انا ذاهب الي مدرسة فاروق الاول الثانوية.

مدرستي كان بها ملعب كرة قدم و حمام سباحة و عشرات من ملاعب التنس و الفولي و الباسكيت و صالة للشيش و صالة اسكواتش و مطعم نتناول فيه وجبة الغذاء ارز و خضروات و لحم و فاكهه و نتعلم كيف نستخدم ادوات المائدة وكيف نوزع بين الزملاء الوجبة بالعدل .. لقد كانت مدرسه جميله رغم ان مصاريفها كانت جنيهات محدودة يمكن للناظر احمد بك ذكي ان يعفي المجتهد منها .

في يوليو 52 كانت ليلي مراد ( اليهوديه ) نجمة الشباك و كان عبد الوهاب يغني أجمل اغانيه عن الفنون و حاميها الملك المعظم و كان سلامة موسي و خالد محمد خالد و لويس عوض وطه حسين ، و توفيق الحكيم و عبد الرحمن بدوى و نجيب محفوظ علامات في الادب والفلسفة و كانت روز اليوسف و اخوان تكلا و اصحاب دار الهلال ابناء زيدان كلهم من الشام و هاجروا الي مصر مع بشارة وكيم و نجيب الريحاني و فريد الاطرش و بيرم التونسي يشكلون ضمير مصر و قلبها الذى يشع تحضرا و ارتقاء و معاصرة . و كان علي الجانب الاخر مرشد الاخوان المستشار الهضيبي يعلن انهاء التنظيم الذى شارك في اغتيال احمد ماهر و النقراشي و ينشيء سرا تنظيما اخر يهدد به رجال الانقلاب ان لم يسلموا له الراية.

علاقة الاخوان و الشيوعيون و المخابرات الامريكيه و السفير البريطاني بالضباط الذين انقلبوا علي الشرعيه لازالت غامضة و اخشي ما كنت اخشاة عندما حكم المرشد مصر ان يجيء اليوم الذى يدرس فية للاطفال في المدارس ان قائد ثورة 23 يوليو 1952 كان سيد قطب الذى اوكل للبكباشي عبد الناصر ان ينفذ مخططات الجماعة.!!

شباب الضباط الذين فوجئوا بتخلي الملك عن الحكم بسهولة و استسلام الوفد و عدم تحرك الانجليز أصبحوا في مواجهه تجربة لم يعدوا انفسهم لها .. لقد كان عليهم أن(( يحكموا مصر)) المستعمرة عسكريا.. التي يسيطرعلي ارضها نصف بالمائة من كبار الملاك وعلي صناعاتها و مرافقها وقناة سويسها و بنوكها و اقتصادها و بورصتها و سوق قطنها اجانب.. فترى ماذا يفعلون!! ..

لقد كان امامهم ثلاثة نماذج .. النموذج الستاليني الشيوعي (البرياوى )الذى دحر النازى و كان السبب في هزيمتهم و نموذج هتلر القومي الفاشيستي الذى صعد بالمانيا في سنوات محدودة الي قمة العالم .. و المعسكر الديموقراطي الذى تبشر به الولايات المتحدة رافعة حقوق الانسان و المواثيق الدولية .

لقد اختارت الكابات الطريق الثالث و في اول احتفال باعياد الثورة في نادي الجلاء بالزمالك .. اغلق عبد الناصر الميكرفونات و ابعد الصحفيين و اسر للضباط ان امريكا وافقت علي تزويدهم بعدد من الدبابات .

و لاننا لم نكن في يوم ما من يصنع سياسته و لاننا تخلفنا عن ركب الحضارة و لاننا ونعيش في عالم يحكمه غيرنا .. لم نستكمل ابدا مسيرة الديموقراطيه و الحريه و اسرعنا نستنسخ نظامي هتلر و موسيليني.. يدمر الضباط بعضهم بعضا ..

أوضح من تم أسرهم و تدميرهم و إستبعادهم كان القائد محمد نجيب و عضو مجلس الوصاية (علي الملك) رشاد مهنا .. وقائد أول تحرك يوسف الصديق .. ثم لحق بهم باقي العصبة واحدا خلف الاخر مبتدئيبن بخالد محي الدين .

الان ونحن يطل علينا يوليو الخامس و الستين .. هل نقول له وداعا لقد احالك رجال العهد الجديد الي المعاش .. وأصبحت ذكرى نحتفل بها ...ام نقول لا لم ينتصر الاعداء بعد فلازالت مصر حبلي بالثورة لم يجهضها أصحاب الكابات.

عندما انقلب العسكر كان عمرى اثني عشر سنة ..و كنت متحمسا للثوار و كنت ابنا من ابناء يوليو .. و عشت مراحل الثورة المختلفة .. المرحلة الناصرية الشمولية و المرحلة المباركية الفوضوية .. و الفترة الانتقالية التي أنهي فيها السادات علي الناصرية و أسس للكومباردورية المفقرة .. أثناء صعود و سقوط الناصرية و صعود و سقوط السادتيه و ركود و نوام المباركيه كنت و في كل الاحوال لا اتصور ابدا ان يكون رئيسي واحدا منهم .. لقد توقفت عن الثقة بهم أو سماع أحاديثهم أو الامل في وعودهم و كان خطاب تنحي عبد الناصر إخر عهدى بسماع أكاذيبهم .

يناير 2011 جموع الشعب تطالب باسقاط النظام معارك شوارع مع الامن المركزى يغتال فيها ما يقارب الالف شاب و متظاهر.. المصريون يكتشفون المستنقع الذى يعيشون فيه وعصابات البلطجة و الفساد المستشرى... فيرتفع سقف المطالب ليسقط راس النظام وعائلته .

السلفيون و الاخوان يدينون الخروج علي طاعة الحاكم .. ( الذى هو) امن الدولة و معتقلاتها التي تسيرهم طبقا لرغبته .

راس النظام يتنحي و يترك ادارة شئون البلد للجيش و الامن ..الاخوان يغيرون جلدهم و السلفيون يعلو صوتهم مطالبين برجوع الرق و تفعيل شرائع بداية الاسلام الذى تغيرت قراءاته عبر الف سنة.

الاسلامجية كأنهم خارجون من كهف الزمن يتصرفون كما لو كان الوضع لم يتغير عن ايام صحابة رسول الله..الجيش لا يظهر ولا يحدد إنحيازة و يترك لهم الحبل علي الغارب

يتشتت جهد المنتفضون في مناقشات بيزنطية عن الفرخة اولا ام البيضة و تضيع فرصة ان تخطو مصر نحو مستقبل عصرى جديد.

انقلاب قاع المجتمع الذى حدث بعد فبراير2011 ..أطاح بعقلاء الامة ومن ثار من اجل اعلاء كلمة الحق و العدالة الاجتماعيه .. لترمي لنا ( الامواج المتقلبه)علي السطح أطباء أصابهم خبل النكوص يهذون بكلمات عن مفاهيم ركدت و اسنت من طول كمرها في سراديب أمن الدولة ، و بمهندسين تحولوا الي كائنات شرهه للسلطة يؤججون في سبيلها نار الحقد و الكراهية و يروجون لبضاعة بائرة منفرة ، و لرجال قانون نسوا ما تعلموة في مقابل استيلاء جماعتهم علي نفوذ مطعون في جدواه . وضباط يحكمون و يتحكمون .. و يخططون للبقاء إلي أن يتموا قرنا منذ 23 يوليو 1952

يناير 2011 كشفت الستار عن سوءات يوليو 52.. و أظهرت أنه لم يحكم مصر منذ إستقلالها من حاول مجرد محاولة صيانة هذا الاستقلال .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع