الأقباط متحدون - تعقيب على مقال السيد بهاء الدين نوري عن ثورة 14 تموز*
  • ٢٢:٠٤
  • الثلاثاء , ١٨ يوليو ٢٠١٧
English version

تعقيب على مقال السيد بهاء الدين نوري عن ثورة 14 تموز*

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

١٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٨ يوليو ٢٠١٧

ثورة 14 تموز
ثورة 14 تموز
د. عبدالخالق حسين
 
نشر السياسي الشيوعي المخضرم، الأستاذ بهاء الدين نوري، في صحيفة (الحوار المتمدن) الإلكترونية، يوم 13/7/2017، مقالاً عن ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة، بمناسبة ذكراها التاسعة والخمسين*، ذكر فيه الكثير من الحقائق عن الثورة وأسبابها ومنجزاتها، وأخيراً أسباب إغتيالها، إلا إنه وكغيره من بعض الكتاب، أنحى باللائمة على الزعيم عبدالكريم قاسم، و"دكتاتوريته"، في اغتيالها بالإنقلاب الدموي يوم 8 شباط 1958 الأسود، بقيادة حزب البعث، وبمساعدة نحو أربعين جهة أخرى تآمرت على هذه الثورة الوطنية، من المرجع الديني الشيعي السيد محسن الحكيم، ومروراً بجمال عبدالناصر، وكميل شمعون، والملا مصطفى البارزاني، وعشرات الجهات والحكومات الأخرى، إلى الاستخبارات الأمريكية  والبريطانية.
 
في البداية ما كان في نيتي أن أكتب هذا المقال، بل أكتفي بتعليق قصير أنشره في قسم التعليقات على مقال السيد بهاء الدين نوري، إلا إني رأيت مساحة التعليق ضيقة خاصة وأن الغرض الأساسي من تعليقي كان نقل شهادة السيد مسعود بارزاني بحق الزعيم، وهي شهادة منصفة، على الضد من شهادة السيد بهاء الذي أقترح عليه قراءتها ليعرف من الذي انحرف عن الثورة، ومن خذل من.
 
أجل، لم يكن السيد بهاء منصفاً بحق الزعيم، فألقى عليه اللوم في كل ما حصل من اضطرابات وأعمال عنف وغيرها، ناسياً أن هكذا ثورة عظيمة غيرت موازين الصراع بين الغرب والشرق، في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين، الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا، كانت على أشدها، وفي مثل هذه الأوضاع لا بد وأن ترافق هكذا ثورة أعمال عنف وتآمر من قبل الجهات المتضررة منها.
 
وتلافياً للإطالة، لا أريد مناقشة كل ما ذكره السيد بهاء في مقاله، بل أكتفي بالإشارة إلى بعض اتهاماته للزعيم قاسم، وردي عليها باختصار شديد:
أولاً، موضوع عدم إشراك الحزب الشيوعي في الحكومة 
لقد اتهم أعداء الثورة أنها ثورة شيوعية وحتى بدون إشراك الشيوعيين في الحكومة، فكيف لو شارك فيها شيوعيون معروفون بانتمائهم للحزب الشيوعي؟ فلو كان الحزب قد شارك بالسلطة، أو استلمها عنوة، لحصل في العراق في الخمسينات ما حصل في أفغانستان في نهاية السبعينات وما بعدها. لذلك وكما سمعت من بعض الشيوعيين المنصفين، أنه كان من حسن حظ الحزب الشيوعي العراقي أنه لم يستلم السلطة أو يشارك فيها، بل كان على الشيوعيين الالتزام بنصيحة الاتحاد السوفيتي لهم، وذلك بدعم الثورة، وبدون المطالبة بالشراكة فيها إطلاقاً، لكي لا يستفزوا الدول الإقليمية والغربية وتقدم لهم المبرر لغزو العراق يوم ذاك. راجع مقالنا الموسوم: (الثورة والحزب الشيوعي العراقي)، وهو فصل من كتابنا (ثورة وزعيم)
 
ثانياً، تهمة دكتاتورية قاسم وقضية الديمقراطية
أما تهمة الدكتاتورية وعداء الزعيم قاسم للديمقراطية، فأكتفي هنا بشهادة الراحل محمد حديد الذي قال في مذكراته، أن عبدالكريم قاسم كان أكثر ديمقراطياً من معظم السياسيين المدنيين الذين ادعو الديمقراطية في ذلك الزمان. ففي السنة الأخيرة من حكمه شكل الزعيم لجنة برئاسة الراحل حسين جميل لكتابة الدستور الدائم، ومهَّد لإجراء انتخابات برلمانية في حزيران 1963، وافتتاح البرلمان في الذكرى الخامسة للثورة، أي في يوم 14 تموز 1963. لذلك عاجله أعداءه بالانقلاب البعثي القومي، لأن القوميين كانوا يعرفون جيداً أن لا نصيب لهم بالفوز في النظام الديمقراطي. راجع مقالنا الموسوم: ( ثورة 14 تموز وموضوعة الديمقراطية).
 
ثالثاً، تهمة محاربة قاسم للحركة الكردية
لقد أثبتت البحوث الأكاديمية عن الثورة، ومنها رسالة ماجستير للدكتور ليث عبدالحسن الزبيدي، أن ما سمي بثورة أيلول الكردية عام 1961، قام بها الأغوات، أي شيوخ الإقطاع وعلى رأسهم حسين المنكوري، وبدفع ودعم من شاه إيران لكي لا تصل عدوى قانون الإصلاح الزراعي إلى إيران. و قد انضم إليها الملا مصطفي البارزاني فيما بعد، وبتأثير من المخابرات الأمريكية والبريطانية. وهناك شهادات كثيرة من قادة الحركة الكردية تؤكد مدى حب قاسم للشعب الكردي وإخلاصه له، وما قدم لهذا الشعب، ومنهم السياسي الكردي د. محمود عثمان، وغيره، وقد تطرقتُ لهذا الموضوع بالتفصيل في نفس الكتاب وهذا هو رابط المقال (الثورة والقضية الكردية).
 
رابعاً، شهادة مسعود بارزاني بحق الزعيم عبدالكريم قاسم
ولكن أهم شهادة منصفة من قيادة الحركة الكردية بحق الزعيم عبدالكريم قاسم، جاءت من السيد مسعود بارزاني الذي رغم مساوئه الكثيرة بحق العراق ما بعد 2003، إلا إنه أنصف الزعيم بشهادة له وردت في كتابه الموسوم: (البارزاني والحركة التحررية الكردية)، أنقلها أدناه مع الاعتذار عن طول الاقتباس، لأن هذه الشهادة مهمة جداً، وهي الغرض الرئيسي من مداخلتي هذه، وأرجو من السيد بهاء الدين نوري الاطلاع عليها ليعرف أن الحقيقة لا يمكن حجبها بغربال، كما يقول المثل. 
 
قال السيد مسعود بارزاني ما يلي: 
«كنت في قرارة ضميري أتمنى أن لا تنشب ثورة أيلول في عهد عبد الكريم قاسم، وأنه إذا قُدر لها أن تنشب فلتكن قبل عهده أو بعده، وربَّما عَذرني القارئ عن خيالي هذا حين يدرك أنه نابع عن الإحساس بالفضل العظيم الذي نُدين به لهذه الشخصية التاريخية، وأنا أقصد الشعب الكُردي عموماً، والعشيرة البارزانية بنوع خاص... 
 
«إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة، عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. . يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية.
 
« ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين، وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم، ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى. إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو)، لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن. »- مسعود البارزاني
 
وإذا لم يكتف السيد بهاء الدين نوري بهذه الشهادة من السيد مسعود بارزاني، فليشاهد الفيديو القصير لشهادة العدو اللدود لعبدالكريم قاسم والشعب العراقي، ألا وهو صدام حسين الذي ساهم في محاولة اغتيال الزعيم، فيديو حصري ونادر: ماذا قال صدام حسين عن عبدالكريم قاسم في اجتماع للقيادة القطرية سنة 1995،وماذا قال عن عبد السلام عارف، وجمال عبدالناصر؟ يرجى الضغط على الرابط

 
وللمزيد من الشهادات من شخصيات فكرية وسياسية معروفة، بحق الزعيم قاسم، يرجى فتح الرابط التالي: قالوا عن الزعيم عبدالكريم قاسم 
 
هل الثورات حتمية؟
وأخيراً أود أن أقول لأولئك الذين ينشطون هذه الأيام ويتهكمون من تعبير (حتمية الثورة) ويحمِّلون ثورة 14 تموز وقائدها الزعيم عبدالكريم قاسم كل ما حصل للعراق من مآسي، ابتداءً من جريمة 8 شباط 1963 وإلى الآن. أقول لهم أن بذور ثورة 14 تموز قد نمت في رحم العهد الملكي نفسه، وأن الثورات أشبه بالكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والعواصف والأعاصير، لا يمكن تفجيرها "حسب الطلب"، أو بفرمان من أحد، وإنما هي نتيجة حتمية لانفجار تراكمات مظالم ومتطلبات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وعندما تنتفي الوسائل السلمية الديمقراطية لتحقيق هذه التحولات المطلوبة، وتتوافر لها الظروف الموضوعية، والعوامل الذاتية أي القيادة والتنظيمات، عندئذِ يحصل التغيير بالعنف الدموي، وما يرافق ذلك من هزات عنيفة واضطرابات خطيرة في المجتمع. 
 
وأفضل وصف لظاهرة الثورات جاء في كتاب (عصر القطيعة مع الماضي)، للمفكر الأمريكي بيتر ف دركر (Peter F. Drucker) الذي قال: "أن الثورة لا تقع ولا تصاغ ولكنها (تحدث)، عندما تطرأ تغييرات جذرية في الأسس الاجتماعية تستدعي (إحداث) تغييرات في البنية الاجتماعية الفوقية تتماشى مع (التغييرات) التي حدثت في أسس البنية المجتمعية، فإن لم يُستَبقْ إلى هذه الأحداث تنخلق حالة من التناقض بين القواعد التي تتغير، وبين البنية الفوقية التي جمدت على حالة اللاتغيير. هذا التناقض هو الذي يؤدي إلى الفوضى الاجتماعية التي تقود بدورها إلى حدوث الثورة التي لا ضمانة على أنها ستكون عملاً عقلانياً ستثمر أوضاعاً إنسانية إيجابية".
 
ولقراءة المزيد عن أسباب الثورة، يرجى مراجعة مقالنا في حلقتين:
(أسباب ثورة 14 تموز 1958 (1-2) 
 
أسباب ثورة 14 تموز 1958(2-2)
 
رابط النسخة الإلكترونية لكتابنا (ثورة وزعيم)
ـــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــ
رابط ذو صلة
* بهاء الدين نوري: ثورة 14 تموز 1958 كما يراها سياسي معاصر لها 
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع