كشفت التحقيقات مع الخلية الإرهابية التى أوقفتها الأجهزة الأمنية المصرية قبيل عيد الفطر، وهى مكونة من شخصيات مصرية تربت على أرض مصر، وعاشت وتعيش بيننا، عن حالة متقدمة للغاية من الإجرام والرغبة فى القتل والتدمير لا تحدها حدود، فقد كشفت التحقيقات عن الإعداد لثلاث موجات من التفجيرات الانتحارية، الموجة الأولى جرى التخطيط لها بحيث تكون داخل كنيسة بمدينة الإسكندرية، أو أمامها مباشرة، بحيث توقع أكبر عدد من الضحايا من المواطنين المصريين المسيحيين، والموجة الثانية ستحدث بعد مجىء قوات الأمن وعربات الإسعاف التى ستتولى نقل الضحايا والمصابين، بحيث يسقط أكبر عدد من الضحايا من بين المصابين ورجال الأمن والإسعاف، وكل من يتجمع لمتابعة الجريمة، وهنا سيكون الضحايا مزيجاً من المسيحيين والمسلمين، أما الموجة الثالثة فقد خططت الخلية الإرهابية لها لتكون أثناء تشييع جثامين الضحايا، أو أثناء العزاء الذى سيقام للضحايا، بحيث يتم إيقاع أكبر عدد من المعزين.
تكشف هذه العملية المركبة عن عقلية إجرامية تفوق الخيال بالفعل، فالعملية تستهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا المصريين من مسيحيين ومسلمين، والهدف الحقيقى هنا هو إحداث حالة من الفوضى فى البلاد وإشاعة أجواء الخوف، ومن ثم ضرب الشعور بالأمن والاستقرار الذى بدأ المصريون يشعرون به لأول مرة منذ سنوات. هذا الإجرام لا يمكن أن يكون وليد فكر محلى، بمعنى أن هذا التفكير ينتمى إلى فكر إقليمى تكرر فى العراق بالأساس، فتفجير النفس فى التجمعات وتفجير سرادقات العزاء هو فكر داعشى ظهر فى العراق بالأساس، ومن ثم فالتخطيط والترتيب لكل هذه الجرائم وراءه فكر داعشى مجرم لا ينتمى للإنسانية بصلة، فكر متوحش ينتمى إلى مراحل ما قبل التحضر. لكن ما علينا إدراكه والتعامل معه أن أدوات التنفيذ مصرية بالكامل، فالذين كانوا سيفجرون أنفسهم، مصريون تربوا بيننا ويعيشون على الأراضى المصرية، صحيح بعضهم قد يكون تلقى تدريبات على أيدى دواعش فى سوريا والعراق، إلا أن الصحيح أيضاً أنهم مصريون ماتت قلوبهم وتحجرت عقولهم بفعل غرس فكر داعشى متطرف من قبل عناصر سلفية تعيش بيننا أيضاً، وقد شهدنا وجوههم خلال عام حكم المرشد والجماعة، فقد ملأوا الشاشات حضوراً، وكانوا يعبرون عن قناعاتهم الفكرية ومعتقداتهم الأيديولوجية المعادية لكل ما ينتمى للإنسانية والحضارة الحديثة، فهذه النوعية من البشر تحمل فكراً معاكساً لكل ما هو إنسانى. لديها شهوة غير طبيعية لرؤية الدماء والأشلاء، ونزعة دموية تفوق ما لدى الحيوانات المتوحشة فى البرارى، ففى عالم الحيوان رحمة لا تتوافر لدى هؤلاء، فقد نقلت القنوات التى تغطى الحياة البرية مشاهد متنوعة لحيوانات مفترسة، مثل الأسود والنمور تحجم عن التهام فريسة لصغر عمرها، كم من مرة أحجم أسد ونمر عن التهام غزال وعجل لمجرد أنهما حديثا الولادة، وتحول الحيوان الكاسر فى لحظة إلى أليف يداعب ويلاطف الفريسة الصغيرة، بل ويحميها من هجمات أقرانه الذين أرادوا التهام الضحية الصغيرة. هذه المشاعر التى توافرت فى قلوب حيوانات متوحشة كاسرة، لم تتوافر فى قلوب الدواعش وأمثالهم من المتطرفين الدمويين الذين يفجرون أنفسهم وسط بشر دون التوقف أمام نوع وعمر الضحايا، بل منهم من قام بأكل أكباد الضحايا فى سوريا.
نحن أمام ظاهرة إجرام غير طبيعى يتجاوز حالة التطرف والتشدد، ومن ثم لا بد من مواجهة هذه الظاهرة بتفعيل القانون، واختزال الإجراءات وتطبيق الأحكام فوراً لتحقيق أهداف القانون، ومن بينها الزجر والردع، أو الحد من هذه الظاهرة المخيفة، التى بدأت تنتشر فى مجتمعنا.
نقلا عن الوطن