يارب اجعل أيام المصريين كلها أعياداً
مقالات مختارة | سليمان شفيق
الثلاثاء ٢٧ يونيو ٢٠١٧
كل عيد فطر ومصر والأمة المصرية بخير يلتحم صيام الرسل للمواطنين المصريين المسيحيين بعيد الفطر المبارك للمواطنين المصريين المسلمين، شهر كامل نعمنا فيه بروحانية ورغبة فى السلام رغم ما دفعنا فيه من شهداء فى طريق دير الأنبا صموائيل أو سيناء والقاهرة، دموع ودماء وشهداء، أهازيج وفلكلور، وأساطير وقصص حقيقية على دروب الشهداء، من البكاء على الشهيد تنفتح أبواب السماء فخرا لذويه، وبطولات وكرامات مزج فيها المصريين بين الصيام والصلاة والمقاومة السلمية بين حربة تعذيب مار جرجس وتعذيب الحسين، لقد امتزج كل ذلك بالطبيعة المصرية الروحية الإنسانية، فصارت جزءا من مكونات الشخصية المصرية والجماعة الوطنية ككل، فنحن حين نتعرض لمظالم وتحديات نحتاج إلى ضرب من الإعجاز، نصوم ونصلى ونعتكف، ونبتهل لله، ونعتبر أن هذا هو المشهد الحقيقى للانتصار، فالنصرة على الذات تسبق مواجهة الظالم، أغلب انتصاراتنا حدثت فى أوقات الصيام وبتلك المكونات، من الانتصار على التتار والمغول إلى الانتصار على الصليبيين وصولا للعاشر من رمضان.
فى رحاب الله شهدائنا نبتهل ونتقوى بالله وفى القلب تقوى المصريين تفيض مع النيل مثلما فاض من دموع إيزيس على أوزوريس، وتكتمل الأسطورة من عضهم على جروحهم بحثا عن الفرح، المصريون أكثر الأمم عشقا للحزن وخوفا من الفرح رغم أنهم أيضا أكثر الأمم احتفالا بالأعياد، وهم يخشون الفرح، ويقولون فى أمثالهم «اللهم أجعل عاقبة الفرحة خيرا!»، لكنهم يتوقون للفرح ويبحثون عنه قدر عشقهم للحزن، وتراهم يضحكون حتى البكاء ويسخرون من أحزانهم ضحكا، ولا يباريهم أحد فيما يسمى دموع الفرح يبحثون عن الفرحة من قلب الحزن، ومن رحم أحزانهم تولد أفراحهم، لديهم «33 عيدا سنويا، أهمها الأعياد الدينية مثل: «رأس السنة الهجرية، عاشوراء، المولد النبوى الشريف، عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الميلاد المجيد، عيد الغطاس، عيد دخول المسيح مصر، عيد دخول المسيح القدس، ذكرى وفاة وصعود العذراء مريم، عيد العنصره حلول الروح القدس، عيد الصعود، إضافة للأعياد التى يحتفل بها كل المصريين مثل: «عيد الأم، عيد الحب، وفاء النيل، شم النسيم»، والأعياد الوطنية مثل: «عيد الشرطة، تحرير طابا، تحرير سيناء، 23 يوليو، 6 أكتوبر، 25 يناير و30 يونيو»، كما توجد مناسبات اجتماعية وعادات مصرية ترقى إلى درجة الأعياد مثل: «السبوع وهو احتفال بالمولود عند بلوغه سبعة أيام من تاريخ ولادته، وليلة الحنة: احتفال يتم للعروسين فى بيت الاهل فى الليلة السابقة للزواج، ويتم فيها نقش الحنة على يدى ورجلى العروسين، إضافة للطهور للأطفال «الختان» وأعياد الميلاد.
الأعياد فرصة للمصريين من أجل الاحتفال بالله والرسل والأنبياء والأولياء والقديسيين، وفى مصر أكثر من مائة مولد سنويا، يتم فيها زيارة الضريح أو التبرك برفاة القديس أو القديسة، الذكر أو التسبيح للولى أو للقديس، الموكب، أهم العادات التى ترتبط بالموالد «النذور»، والنذر هو التزام، القيام به لازم من الشرع فى الإسلام، كأن يقول لله على صوم كذا، ولله أصلى كذا، والنذر عبادة من العبادات فى المسيحية والإسلام على السواء.
كل ذلك مزيج من التداخل المصرى الإنسانى مع رقائق الحضارة القديمة والحديثة شرقا وغربا، والمصريون رغم أنهم من أهل السنة يحتفلون بيوم عاشوراء «10» من محرم حزنا على استشهاد الحسين، حبا فى آل البيت، وتضامنا مع المظلوم، والطريف أنه بعد أن دخل صلاح الدين مصر وانهارت الدولة الفاطمية الشيعية كان المصريون يقضون اليوم صوما حزنا على الحسين فى قلوبهم، ويوزعون الحلوى علنا إتقاء لشر الأسرة الأيوبية، والأقباط المصريون يتماهون مع الحزن فى الحشا المصرى الإسلامى بصوم الجمعة الحزينة، تذكارا لصلب السيد المسيح، ويشربون الخل، لكنهم فى سبت النور يعيشون الفرح ويوزعون الحلوى.
تستهلك أعياد المصريين وموالدهم أكثر من ستة شهور من العام، ووفقا للإحصائيات فإن الأعياد والموالد والأعياد الاجتماعية تستهلك 25% من ميزانية الأسرة المصرية، لشراء الملابس الجديدة، أو «العيدية» فى الأعياد الدينية، وفى أعياد مثل الفطر وعيد ميلاد المسيح تصنع الأسر المصرية الكعك والحلويات، وتسمى الأعياد الصغرى، أما الأعياد الكبرى مثل الأضحى والقيامة فيتم ذبح الذبائح وإطعام الفقراء، وعرف المصريين عادة الكعك والحلويات من الدولة الفاطمية، أما الثقافة «اللحمية»، فقد جأت من العثمانين، وتعود الأعياد إلى قدماء المصريين حتى إن مؤرخا يونانيا مثل «بلوتاخ» يذكر أنه من كثرة أعياد المصريين لم يكن يفرق بين العيد والأخر سوى أيام معدودات، فما إن ينتهى عيد فى مدينة حتى يبدأ عيد فى مدينة أخرى، فكانت هناك أعياد دينية مثل عيد ميلاد حورس، وكان أيضا قدماء المصريين يحتفلون بأعياد وطنية مثل عيد انتصار أحمس على الهكسوس، إضافة لأعياد ارتبطت بالزراعة مثل عيد الفيضان وعيد الحصاد، وأعياد ميلاد مثل عيد ميلاد الفرعون وفيه كان الفرعون يقدم هدية للشعب، وغيرها من الأعياد وفى الأعياد كان قدماء المصريون يرتدون الملابس الجديدة وأزهى الثياب ويوزعون «العيدية» على الأطفال، ويأكلون ويمرحون ويخرجون للتنزه ومن شابه أجداده ما ظلم، وكل عيد فطر وأنتم طيبون.
نقلا عن اليوم السابع