الأقباط متحدون - قراءة متأنية ... فى حقائق تاريخية
  • ١٨:٠٠
  • الاثنين , ٢٦ يونيو ٢٠١٧
English version

قراءة متأنية ... فى حقائق تاريخية

د. مجدي شحاته

مساحة رأي

٥٣: ٠٤ م +02:00 EET

الاثنين ٢٦ يونيو ٢٠١٧

تعبيرية
تعبيرية

 بقلم: د. مجدى شحاته

 
 رحب الاقباط شأنهم شأن الشعب المصرى بقيام ثورة 23 يوليو 1952  ، رغم أن تنظيم الضباط الاحرار لم يضم سوى قبطى واحد ينتمى الى الصف الثانى فى حركة الجيش ، وهو اللواء أنور عبد الله . فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر لم يختفى التمييز الدينى ، ولكنه تقلص بصورة واضحة، اذا ما قورن عن سابقه أو بعده . لم يكن الرئيس عبد الناصر " أيديولوجيا " مضطرا الى ان يلعب بورقة الفتنة الطائفية أو يستخدم ورقة الدين فى تحقيق أهدافه ومآربه ، واثقا من شعبيته الجارفة وحب الجماهير له. ويمكن  لنا ان نقرر أنه طوال السنوات الاولى من ثورة 52 لم يحدث تصادم مع السلطة والكنيسة القبطية وكذلك طوال سنوات الستينات ، حيث لم يكن للأقباطاى تكتل دينى أو طرح سياسى ، علىعكس الحال من تيارات اخرى كانت مناهضة للثورةكان لها النصيب الاكبر من الاعتقالات .
 
وفى مرحلة أخرى من تاريخ مصر ، سعى الرئيس الراحل انور السادات بعد ان تولى تقاليد الحكم بعد وفاة الزعيم عبد الناصر ، الى ضرورة تكوين جبهة تناصره وتحافظ على المعادلة السياسية امام تنامى التيارين اليسارى و الناصرى ، واعادة صياغة المجتمع والتوازن السياسى . وكان هذا التحرك أثر المظاهرات الصاخبة التى قام بها طلاب الجامعة احتجاجا على بعض سياسات الحكومة ( وقتها كنت معيدا بكلية الزراعة جامعة الاسكندرية وعاصرت الاحدث عن كثب ) . كانت آليات هذا التغيير، من خلال تنمية التيار الدينى وتكوين الجماعات الاسلامية فى الجامعات ، وذلك عام 1972 وهو التيار الذى بدأ يتنامى عقب هزيمة يونيو 1967 . وربما لم يحسب الرئيس السادات حسابه ، ان التيار الدينى سلاح ذى حدين ، يمكن ان يفيد مرحليا ، ثم ينقلب على من كونه ، حيث أن أصحاب العقائد الدينية بصفة عامة ، لا يذوبوا أو ينخرطوا فى أية أيديولوجيات اخرى .وتكونت جبهات معارضة مناهضةللرئيس السادات ، وانتهى الحال بأغتياله فى ذكرى نصر أكتوبر 1981 وهو النصر الذى خطط له الرئيس السادات باجتهاد وعزيمة قوية ليحرر الارض ويسترد الكرامة العربية . الصدام بين الرئيس السادات والبابا شنودة لم ياتى مبكرا، حيث كان الرئيس السادات يسعى جاهدا لعدم اتساع رقعة الخلافات بينه وبين الشعب ، حيث كان يعد لحرب حتمية فرضت عليه بعد هزيمة يونيو 67 . وجاء نصر اكتوبر العظيم ، وشعر السادات بمزيد من الثقة فاتخذ قراره الخطير،  باطلاق يد الجماعات والتيار الدينى المتشدد وبعدها تزايدت وتيرة الانتهكات فى حق الاقباط، خاصة فى صعيد مصر . وبدأت هوة الخلاف بين الرئيس السادات وقداسة البابا شنودة الثالثتتسع بتوالى الاحداث . أهمها حينما سجل البابا رفضه لاتفاقية السلام مع اسرائيل. كذلك منع البابا الاقباط من السفر الى القدس الابعد تحرير القدس . بالاضافة لاحداث ضبابية اخرى زادت من تأزم المواقف بين الرئيس السادات والبابا شنوده. فى نفس لوقت ، وعلى الجانب الآخر كان هناك مزيدا من تراجع 
 
للاقباط ولجوئهم الى الكنيسة التى باتت الملجئ والملاذ المناسب يمارسون فيه شعائرهم الدينية، بجانب أنشطتهم الاجتماعية الاخرى مثل الرحلات والندوات الروحية و المسابقات الرياضية والاجتماعية ، وكلها أنشطة داخل أسوار الكنيسة . كان مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث هو الواجهه الاساسية لتمثيل الاقباط أمام الدولة والتعبير عن مطالبهم ورغباتهم وشرح وعرض مشاكلهم دون ظهور أى نخبة مدنية قبطية تمثل الاقباط أمام الحكومة . وأستمر تهميش الاقباط سياسيا ومجتمعيا مع زيادة فى تقلص دور العلمانيين ، وكثرت مواقف التصادم بين الدولة وقداسة البابا شنوده الثالثوالتى وصلت ذروتها فى 5 سبتمبر 1981عندما اعلن الرئيس السادات قرارات سبتمبر، وكان من بينها الغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنة 1971 بتعيين الانبا شنوده الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وتشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من خمسة اساقفة .
تولى الرئيس السابق حسنى مبارك مقاليد الحكم بعد الرئيس الراحل السادات فى 14 اكتوبر 1981 ،وأمر بالافراج عن كل الموقفين فى قرارات سبتمبر ،وظل البابا شنوده متحفظا عليه فى الديرأربعة سنوات اخرى حتى 13 يناير 1985.الامر الذى اعطى انطباعا بان قضايا الاقباط ليس لها الاولوية فى نظام الرئيس مبارك . ثم جاء القرار الجمهورى بعودة البابا شنودة لممارسة مهام منصبه أمام الدولة ، بناء على أقتراح وزير الداخلية وهو ما أعطى انطباعا اخر،ان الشأن الكنسى و الوحدة الوطنية ، ماهى الا ملف أمنى ضمن ملفات الامن فى أرشيف وزارة الداخلية وليس أمر وطنى قومى .( كنسيا .. ظل البابا شنودة  هو  بابا الاسكندرية وبكريرك الكنيسة المرقسية طوال مدة التحفظ ). لم يبذل نظام الرئيس السابق مبارك الجهد الكافى لحماية الاقباط او تحسين أحوالهم وحل مشاكلهم وتلبية مطالبهم ، بالرغم من ترحيب الاقباط الشديد لوصول مبارك للحكم فى ذلك الوقت ، بل لم يكن هناك نية خالصة لازالة مرحلة السادات الطائفية ودعم الوحدة الوطنية . بل كثيرا ما سخرت قوى مبهمة ، التيارات المتشددة كفزاعة للاقباط والضغط عليهم ليظلوا قابعين خلف اسوار الكنيسة التى باتت الملاذ الآمن و اهم وأحب  حصن يحتمون داخله من تيارات الشارع المصرى المتقلبة .
 
اشتد المرض على قداسة البابا شنودة الثالث فى السنوات الاخيرة ، بالرغم من ذلك ظل يمارس كافة خدماته الروحية المتعددة ، ورئاسته للكنيسة ، لاخر يوم من عمره وهو الذى حاول بكل الجهد والامانة الدفاع عن حقوق الاقباط والتفانى فى خدمة الوطن ، فهو مواطن مصرى صميم حتى النخاع بشهادة الجميع . بدأت سيطرة الكنيسة على الشباب القبطى تضعف وتتراجع ، حتي كانت جريمة نجع حمادىليلة عيد الميلاد عام 2010 لتكون بمثابة نقطة الانطلاق للشباب القبطى الى خارج اسوار الكنيسةلأول مرة ، ثم تأتى جريمة تفجير كنيسة القديسين بحى سيدى بشر بالاسكندرية ليلة رأس السنة . ليخرج الشباب بأكثر قوة ويتظاهر بأعداد غفيرة أمام مؤسسات الدولة مطالبا بحقوق المواطنة الكاملة . ولابد من تسجيل تلك الاحداث التى تمثل مرحلة مفصلية لتحرك الشباب القبطى بدون وصايا من الكنيسة ، وكان تحركهم  من منطلق وطنى كأبناء لمصر وبطريقة حضارية دون التطاول على رموز الدولة أو الكنيسة . وكانت مظاهرات العمرانية بمثابة الضوء الاخضر ل25 يناير
 
يوم  السبت الموافق 16 مارس 2012  وسط ارتباك الشارع المصرى بعد 25 يناير، كان يوما حزينا فى حياة الاقباط  ، حيث أعلن الانبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس عن نياحة قداسة البابا شنودة الثالث عن عملا يناهز 89 عاما . وتم تشييع جثمانه الطاهر فى جنازة شعبية حاشدة شارك فيها كافة أطياف الشعب المصرى .رحل البابا شنودة ومصر تمر بفترة حرجة فى ظل انفلات أمنى كبير بعد ثورة 25 ينلير 2011 . تولى رئاسة الكنيسة فى المرحلة الانتقالية نيافة الانبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ،لحين انتخاب البابا الجديد .ويشهد التاريخ بحكمة وحسن الادارة التى أدار فيها الانبا باخوميوس النائب البابوى الكنيسة القبطية فى مرحلة صعبة  للغاية وتمكن بحكمة واقتدار وسلام ، اتمام الانتخابات البابوية بطريقة ديمقراطية حضارية سلسة ومنظمة  للغاية و مثاليةأشادبها كل المصريين والعالم  . تم الانتخاب واجراء القرعة الهيكلية ليصبح نيافة الانبا تاوضروس الثانى ، البابا الجديد ، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية خلفا لمثلث الرحمات البابا شنودة الثالث . اعتلى البابا تاوضروس الكرسى البابوى والبلاد تمر بظروف صعبة للغاية وانفلات أمنى فى كافة أنحاء البلاد التى مزقتها أزمنة من التخلف والارهاب والطائفية وفتاوى الكراهية تنتشر لحرق الوطن وكل من فيه . وتوالت الجرائم الطائفية فى ظل مظاهرات و انفلات أمنى فىكافة أنحاء البلاد ،  وتم حصار الكاتدرائية والمقر البابوى لأول مرة فىتاريخ مصر الحديث ، بعدها ألتف الشباب القبطى حول البابا بعد أن عبر عن غضبه للأحداث المؤسفة التى تتعرض لها الكنيسة واستياء الشعب القبطى المسالم . بعد وصول التيار الدينى الى الحكم ، استمرت المحاولات على اختزال دور الاقباط داخل الكنيسة مرة اخرى ، ولكن لم يستكن الاقباط بل شاركوا بقوة مع كل المصريين بالتواجد فى الشارع المصرى ، باسلوب وطنى وحكمة وعقلانية  فى ثورة الشعب الذى خرج بالملايين يوم 30 يونيه ، لينهى الشباب القبطى حالة الاغتراب والاعتكاف والتهميش التى دامت عقود طويلة .وتحمل الاقباط بشجاعة نادرة وطول أناة وايمان قوى ، آلام ومرارة  المرحلة الانتقالية الحرجة بعد 30 يونيو، و التى شهدت حرق وتدمير عشرات الكنائس والمنشئات والممتلكات القبطية ، بهدف خلق نزاع طائفي ونشوب حرب أهلية تكسر ارادة الشعب الصابر المثابر الاصيل ، وتشريد المصريين وتدمير الوطن على غرار ما حدث فى دول مجاورة . وقام البابا تاوضروس بدورا  قياديا حكيما ، حيث استطاع بقوة ومعونة الهية من امتصاص غضب وآلام وحزن ملايين الاقباط الذى حرقت ودمرت كنائسهم ، فى مشهد لم يحدث فى مصر فى تاريخها المعاصر ، وتصدى البابا تاوضروس الثانى لكل التحديات بقوة احتمال عجيبة ، وقال مقولته التى أزهلت الناس فى ارجاء العالم ، وحالت دون حدوث حرب طائفية كانت محققة  لتحرق الاخضر واليابس : " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن " . و تمكن البابا من احتضان النخبة من الشباب القبطى وضبط سلوكياتهموالسيطرة على الكنيسة فى ظروف قاسية مريرة ، يصعب فيها أى انسان عادى أن يحتملها وان يضبط نفسه ومشاعرة وأعصابه  ، ان لم يكن مسنودا  بقوة الألهيهمن السماء . أكد البابا تاوضروس ان الكنيسة القبطية كنيسة وطنية ، لها دور ايجابى واساسى فى القرارات المصيرية للوطن ، معبرا عن شجاعة وأصالة الاقباط عندما وافق وشارك مع قيادات ثورة 30 يونيو،مؤكدا على ثوابت راسخة وباديهيات جلية ، أن الاقباط شركاء وأصحاب وطن وليسوا مواطنون " كومبارس" من الدرجة الثانية . وكان لهذا الدور الايجابى رد فعل واضح وقوى،  تبلور فى زيارة الرئيس عبد الفتاح 
 
السيسسيالكاتدرائية المرقسية فى قداس عيد الميلاد المجيد عام 2015 فى سابقة شجاعة ، لم تحدث من قبل كان يخشاها من سبقوه ، فهى السابقة الاولى من نوعها فى تاريخ مصر ، جاءت لتكسر حاجزمن التهميش و التعصب والجفاء . وتكررت الزيارات وتعددت  .  

 كان للحراك الثورى للأقباط أثره فى الشارع السياسي ، أدى الى وصول 24 قبطيا وقبطية على قوائم مجلس النواب بالاضافة لنجاح 15آخرون فى الانتخابات الفردية ، ليصل عدد الاقباط فى مجلس النواب 39 عضوا وهو أكبر عدد من الاقباط يصل بالانتخاب الحر تحت قبة البرلمان منذ ثورة 1952 ، بعد ان كان يمن رئيس الجمهورية بتعيين عدد من الاقباط لايتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة بقرار جمهورى فى مشهد مهين للحياة الديمقراطية !!نظرا لنجاح عضو واحد او عضوين بالأكثر عن طريق الانتخاب الحر . !! واليوم للأقباط 39 عضوا دخلوا البرلمان بالانتخاب ، تقدم كبير!
 
نحن حتى الان لا نريد أن نصدق أننا نواجه حربا فعلية ، حرب بكل ما تحمله الكلمة من معان .بل هى فى الحقيقة أكثر ضراوة وشراسة من الحروب العسكرية النظامية التقليدية . لأننا لا نرى العدو بوضوح ، من هو؟  اين يكمن؟  متى يتحرك ؟ كيف يهاجم ؟الارهاب يستهدف الأمة كلها ، ومواجهته لن تكون مسئولية منفردة ، لجهة أمنية او عسكرية، انما هى مسئولية مجتمعية متكاملة . نؤمن بقضيتنا العادلة ، نبتعد عن موقع التواصل الاجتماعى المغرضة التى ابتلانا بها هذا الزمن . والكل يدرك تماما أن الكنيسة مؤسسة دينية لا تحاربوليس فيها من يحمل سلاحا ، سلاحها الايمان والحق . الكنيسة الوطنية تمر بمرحلة صعبة  وفاصلة و حرجة للغاية ، تلزم الكل ،وبدون استثناء ، ان يسلك بالروح ووحدانية القلب ،رافعا عينيه للسماء ، راجيا رب المجد يسوع أن يهب الحكمة والقوة والثبات لقداسة البابا تاوضروس الثانىوالمجمع المقدس والآباء الاجلاء والشعب المبارك . وان يظل الجميع صفا واحدا ، وعلى قلب رجل واحد ... اليست كنيستنا واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية بفعل الروح القدس ؟ نعم أيها الاحباء هذه الوحدة نحتاج أن نتمسك بها برغبتنا لتنمو وتستمر وتنشط .. " ليكون الجميع واحدا ، كما أنك أيها الآب فىّ و أنا فيك ، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا " ( يو 17 : 20 - 22 ) .ان أردنا أن يكون لنا النصرة ، فليراجع كل واحد نفسه ... هل أنا أجمع مع المسيح أم أفرق ؟ هل أنا خاضع للكنيسة بالحب والطاعة  والايمان ؟.. اساهم فى لم الشمل والوحدة .. أم أسير فى تيار معاكس تزيد هوه الخلاف والانشقاق وضياع قصد المسيح فينا ؟؟هل أختبرت المسيح وانت وسط العاصفة والأضرابات ؟ أدخل الى أعماقك وأيقظه قائلا : يارب أما يهمك أمرنا اننا نهلك ؟ اذهب وأيقظه فى داخلك  فستجد الهدوء والسلام والطمأنينة قد سادت حياتك .