الأقباط متحدون - الإرهاب والإرهاب المضاد، والعواقب غير المقصودة
  • ٠٨:٢٣
  • الاربعاء , ٢١ يونيو ٢٠١٧
English version

الإرهاب والإرهاب المضاد، والعواقب غير المقصودة

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٤٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢١ يونيو ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

  د.عبدالخالق حسين

من البديهي أن العقول الشريرة تبتكر أفكاراً وطرقاً شريرة، ولهذا نرى الإرهابيين، وهم جميعاً بالطبع أصحاب العقول الشريرة، يبتكرون بين حين وآخر طرقاً جديدة في تنفيذ إرهابهم حسب ما تتطلبه ظروف البلاد التي يقيمون فيها، لإلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى والضرر بالأبرياء، وتحقيق أوسع دعاية لهم. فبالإضافة إلى استخدامهم الأسلحة التقليدية، ابتكروا التفجيرات الانتحارية. 

وفي الأماكن التي يصعب عليهم الحصول على المتفجرات وغيرها من الأسلحة التقليدية، اخترعوا أخيراً طريقة شريرة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي استخدام الشاحنات في الأماكن المزدحمة لدهس المارة الأبرياء في المدن الأوربية. والجدير بالذكر أن أول عملية إرهابية من هذا النوع، حصلت في مدينة نيس الفرنسية عام 2016 التي قُتِل فيها 84 شخصاً، وأصيب نحو 100 شخص. ثم صارت هذه الطريقة الإجرامية تقليداً، تبناها الإرهابيون الدواعش في ألمانيا ولندن هذا العام. 
 
تفيد القاعدة الفيزيائية أن "لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه". هذا القانون نجده في العلوم الاجتماعية أيضاً. فالإرهاب الوهابي التكفيري لا بد وأن يؤدي إلى ردود أفعال مضادة، يحترق فيها الأبرياء. 

فإثارة الأحقاد الطائفية والعنصرية تنتج ذات المشاعر لدى الأطراف الأخرى. فسلاح مشايخ الإرهاب الإسلامي الوهابي هو إثارة العداوة والكراهية ضد غير المسلمين، وحتى ضد المسلمين من أتباع المذاهب غير الوهابية السلفية، وإقناع أتباعهم من منفذي الإرهاب المغرر بهم، أن أعداءهم هم أعداء الله، و دون مستوى البشر، لذا لا يستحقون الرحمة والحياة، وإرهاب هؤلاء وقتلهم يقرب المنفذين إلى الله. 

لذلك نرى خطباء المساجد يصرخون ليل نهار (اللهم اهلك اليهود والنصارى)، وأضاف شيوخ الوهابية إليهم الشيعة أيضاً، ويعتمدون في ذلك على النصوص الدينية من الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، تُرهِبون به عدوّ الله وعدوّكم." 
 
ومن علامات رد الفعل هنا، هو ما نلاحظه بعد كل عملية إرهابية في المدن الأوربية، تتصاعد موجات الكراهية ضد الجاليات الإسلامية، ومعها وقوع اعتداءات على المساجد، وعلى الناس من ذوي الملامح العربية والإسلامية. 
 
وهذا ما حصل بعد منتصف ليلة 18/19 حزيران الجاري. إذ أفادت الأنباء أن شاحنة صغيرة "van" دهست عددا من المارة ما أسفر عن مقتل شخص واحد، وجرح 9 آخرين بالقرب من مسجد في منطقة فينسبري بارك، شمال لندن، حيث صعدت الشاحنة على الرصيف وصدمت مجموعة من الناس، ويُعتقد أن معظم الضحايا من المسلمين الذين كانوا يؤدون صلاة التراويح في المسجد. 

ومجلس مسلمي بريطانيا يقول إن الشاحنة دهست مصلين "عمدا"، واعتقلت الشرطة مشتبها به، 48 عاماً، وهو رجل أبيض.(1 و2).
 
وهذا يعني أن المشتبه به هو من السكان الأصليين، قام بهذه العملية الإرهابية انتقاماً لضحيا العمليات المماثلة (استخدام الشاحنات)، التي قام بها الدواعش وقتلوا أبرياء من غير المسلمين.

هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية وغيرها كثير، هي (نتائج غير مقصودة لأعمال مقصودة)، حسب تعبير آدم سميث.
 
و بتعبير ماركس: "يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم وبوعي، ولكن النتائج غالباً تأتي على غير ما يرغبون." 
فلو تأملنا مصدر الإرهاب وأسبابه، لوجدنا سلسلة من الأحداث والأعمال و الأعمال المضادة، أشبه بسلسلة التفاعلات النووية (chain reactions)، والتي قام بها القادة السياسيون المتنفذون ومشايخ الوهابية في الشرق والغرب... نوجزها بالشكل التالي:
قام عسكريون أفغان بإنقلاب عسكري على الملك محمد ظاهر شاه في أفغانستان عام 1978. 

و من ثمَّ قام الشيوعيون بالانقلاب على الانقلاب الأول، و اعلنوا الحكم الشيوعي في بلد مازال يعيش في مرحلة الرعي والإقطاع، لذلك واجه حركة عصيان مسلح من قبل الإقطاعيين، والقبائل، ورجال الدين، مما اضطر النظام الشيوعي إلى الاستعانة بالسوفيت لحمايته، فحصل الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي دفع أمريكا وبريطانيا، وبدعم من باكستان والسعودية والدول الخليجية الأخرى، إلى تشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية بما فيها القاعدة وطالبان ومدها بالمال والسلاح، وشحنها بالعقيدة الوهابية التكفيرية. 

وبعد الانسحاب السوفيتي عام 1989، وتفككه عام 1991، وسقوط الحكم الشيوعي في أفغانستان عام 1992، وأخيراً سيطرت طالبان على الحكم، وعاد المجاهدون "الأفغان العرب" بمن فيهم الأوربيون، إلى بلدانهم ليمارسوا إرهابهم فيها. 

ولم يسلم من هذا الإرهاب حتى البلدان الخليجية التي أسست و مولت هذه التنظيمات. 

ولعل أخطر وأكبر ما حصل هو كارثة 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا. 
 
والآن الإرهاب الذي أسسته أمريكا وبريطانيا لمحاربة الشيوعية في أفغانستان راح يهدد أمن وسلامة الشعوب في كل مكان. وهذه هي "العواقب غير المقصودة لأعمال مقصودة". 

لا شك أن هذا المد الإرهابي لا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، بل سيستغرق أجيالاً، لأنه مثل فرانكنشتاين الذي خرج عن سيطرة خالقه وانقلب ضده.
 
لقد حاول المسؤولون الغربيون وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تجنب الربط بين الإرهاب والإسلام كدين، مجاملة واحتراماً لمشاعر المسلمين.

ولكن لهذا الصبر حدود، فبعد العملية الإرهابية الأخيرة، قالت السيدة تريزا مي، رئيسة الحكومة البريطانية: (Enough is enough)، أي كفاية. 

وهذا تحذير، ودعوة لأئمة المساجد وقادة الجاليات الإسلامية في الغرب، ما لم يقوموا بواجبهم في وقف نشر التطرف الديني الذي أدى إلى هذا الإرهاب، فستكون العواقب وخيمة عليهم وعلى الجميع. و غني عن القول، أن تفشي الإرهاب الإسلامي، وموجات اللاجئين، هما من أهم أسباب تصاعد الأحزاب اليمينية في أوربا وعلى سبيل المثال، فقد ارتفعت نسبة الأصوات لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة إلى 33.9% في الجولة الثانية. 

وهذا يعني دق ناقوس الخطر.
 
ولذلك حذرت في ختام مداخلتي في مؤتمر روما "لإصلاح الإسلام" عام 2012، بالتالي:
"إذا ترك الوضع على هذه الحالة ولم نتخذ، نحن من خلفيات إسلامية، إجراءات لوقف هذا الجنون، فصبر الغرب محدود، وربما سيؤدي في المستقبل إلى انفجار الوضع، وظهور أحزاب نازية وفاشية تستلم السلطة مثلما حصل في النصف الأول من القرن العشرين، ويحصل لنا تماماً كما حصل ليهود أوربا، وفي هذه المرة سيكون العرب والمسلمون المقيمون في الغرب هم حطباً لمحارق الهولوكوست القادمة."(3) 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع