جميلة خلعت النقاب
مقالات مختارة | خالد منتصر
الثلاثاء ١٣ يونيو ٢٠١٧
«جميلة» التى تجسّد دورها الفنانة «نيللى كريم» فى مسلسل «لأعلى سعر» صارت علاقتها مع «هشام» هى حديث كل بيت مصرى، فضحت طريقة حوارات البيوت المصرية حول المسلسل، وبوستات المحبين والمحبات والأزواج والزوجات عنه كمّ الهشاشة الاجتماعية التى نؤسس عليها بيوتنا، أساسات من جيلى الخرس الإنسانى لا من خرسانة الدفء العاطفى، كشفت الحوارات عن تفسخ اجتماعى وعدم وضوح رؤية وتشوش فى رادارات رصد الحب وتوهان فى اتجاهات بوصلة التواصل، هشام اللى غلطان، لأ جميلة هى اللى مذنبة!، فين العيلة؟،
مش عيب كل واحد يدور على مصلحته!، جميلة هى اللى أهملته، هشام هو اللى ندل... إلى آخر تلك الاشتباكات التى خلقت حالة من الجدل، لكن الأهم أنها كشفت عن عورات تحت الجلد وأسفل الملابس كنا نداريها ونداويها بالصمت الفردى حيناً، والتواطؤ المشترك أحياناً، هذا الجدل أثبت أن مشكلتنا ثقافية اجتماعية وليست سياسية، مَن لا يستطيع أن يحب بصدق لا يستطيع أن ينتخب بشفافية، مَن يفشل فى اختيار معشوقته سيفشل حتماً فى انتخاب مرشحه!، مَن تدفن جسدها حية فى كفن أسود سميك من المؤكد أنها ستدفن أفكارها وطموحاتها وحبها مع ذلك الجسد وتحت نفس النقاب، مَن كانت عدوانية تجاه جسدها ستصير بالقطع عدوانية تجاه نفسها وحياتها وحتى مَن كانت تحبهم، وهذا ما حدث مع «جميلة»، ارتدت النقاب ووضعت حاجزاً سميكاً غليظاً جافاً أسود بينها وبين الناس تحت شعار الالتزام الدينى والتقرب إلى الله، انتقمت من ذلك الجسد بأن شوّهته بالبدانة والإهمال والترهل، علاقتها بالآخرين حتى أقرب الأقربين علاقة ميكانيكية جافة مشحونة بالجفوة،
أوهمها المجتمع أن الزواج والحصول على رضا الزوج الشهريار هو قمة الأمانى والطموحات، تحولت إلى سلعة فى سوق النخاسة، انطفأت طاقة الجسد المشع المتوهج حياة وبهجة على المسرح، تحول إلى رماد أعضاء ورفات أشلاء، راقصة الباليه مشدودة الأعصاب منتفضة العضلات منتصبة البدن متوهجة العينين، بخصرها النحيل وأصابعها الرشيقة، تتحول فجأة إلى شبح أسود متحرك، بعد أن كانت ترسل إشارات المتعة والفن والسحر إلى جمهور المسرح، اختبأت فى صندوقها الأسود الأخرس مثقوب العينين، صادرت الجسد والمسرح والحياة، لذلك كان مشهد خلع «جميلة» للنقاب، الذى كتبه د. مدحت العدل بكل عذوبة وذكاء، وأدّته وجسّدته نيللى كريم بكل تعايش واندماج وفهم، مشهد الـ«ماستر سين» فى الدراما الرمضانية لهذا العام، إنه ليس خلعاً لرداء كاتم للروح، ولكنه خلع وكنس لكل تراب وعكارة تلك الروح، والرجوع لنبعها الصافى الرائق، هو تصالح مع الجسد كطاقة إبداع، والخصام معه كمصدر إغواء، تصالح مع الجسد نافذة الروح والحياة، والخصام معه كقفص للكبت والقمع، عقد على بياض مع انطلاقة الجسد المتحرر الراقص، الجسد الحل لا المشكلة، الجسد النابض لا الميت، «جميلة» عادت من رحلة موحشة كانت فيها لا تمتلك جسداً بل كانت تمتلك جثة،
المشهد صادم للمزاج السلفى المصرى، لكنها صدمة مطلوبة بل هى فرض عين الآن، «جميلة» عندما مزقت كفنها الأسود كانت ترد وتجيب عن أسئلة معلقة فى أذهاننا، منها على سبيل المثال: لماذا نحن فى ذيل الأمم علمياً ورياضياً؟ جزء من الإجابة هو أننا قوم نحتقر أجسادنا، فكيف تنزل بنت إلى حمام السباحة وتسابق وتنتصر وهى تحس أنها كتلة لحم نجسة؟ وما نوعية مخ لاعب الكرة الذى يعتبر ركبته عورة؟! «جميلة» عندما خلعت نقابها خلعنا معها أفكاراً منتهية الصلاحية، وآمل أن نكون قد حررنا عقولاً كانت قد تحنّطت، وأجساداً كانت قد تخشّبت، وعواطف كانت قد تصحّرت.
نقلا عن الوطن