قطر والسعودية، نزاع بين شرين
د. عبد الخالق حسين
٤٥:
٠٩
ص +02:00 EET
الاثنين ١٢ يونيو ٢٠١٧
د.عبدالخالق حسين
النزاع الذي انفجر مؤخراً بين قطر والسعودية بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية مباشرة، لم يكن الأول، ولا الأخير من نوعه. فالصراع هو تاريخي قديم بين الحكومتين، على المصالح الاقتصادية، والحدودية، ومنافسة شرسة بينهما على زعامة المنطقة وخلق القلاقل فيها، رغم أنهما من نفس القومية والدين، بل وحتى المذهب، فكلتا الدولتين تدينان بالعقيدة الوهابية التكفيرية التي توصف بالفاشية الدينية لموقفها المعادي للبشرية، ليس لغير المسلمين فحسب، بل وحتى لأتباع بقية المذاهب الإسلامية (سنة وشيعة)، الذين لا يوافقون الوهابية على إنحرافها.
والسبب المعلن من قبل السعودية في هذا الصراع الأخير هو تحالف قطر مع إيران، كما تدعي. بينما الحقيقة هي أن قطر ليست حليفة لإيران، ولا يمكن أن تكون، وإنما طالبت بعدم تصعيد العداء ضد إيران نظراً لما للأخيرة من أهمية حضارية، وقوة عسكرية، ودور كبير في استقرار المنطقة. هذا الموقف القطري أغضب الأخ الأكبر السعودي.
لم تكتف السعودية بتأويل السبب إلى تقارب قطر من إيران، بل أعلنت أن قطر تدعم الإرهاب، وجماعة الأخوان المسلمين، وحماس، وحزب الله اللبناني، وبذلك تهدد الأمن و الاستقرار لدول المنطقة. وهددت أنه لا يمكن إعادة العلاقة الطبيعية معها إلا إذا غيرت قطر علاقتها مع هذه الجهات، وتبنت الموقف السعودي منها. فمن يسمع هذا التبرير يعتقد أن السعودية هي حمامة السلام. بينما الواقع يؤكد أن السعودية وقطر كلتاهما تدعمان الإرهاب، وتساهمان بنشر التطرف الديني في العالم. بل والسعودية تفوق قطر في هذا المجال، بحكم مساحتها وسكانها ومواردها المالية التي تفوق قطر بعشرات المرات. فالدولتان تملكان المال الوفير، وبعقلية البداوة السائدة على النظامين في الحكم، أي النظام البدوي القبلي المستبد. وكلتاهما ساهمتا في دعم الإرهاب، ولهما تنظيمات إرهابية قامت بتدمير العراق وسوريا، كما قامت السعودية بشن حرب مباشرة على الشعب اليمني الفقير، وأعادته إلى ما قبل الثورة الصناعية.
و وقفت كل من الكويت وسلطنة عمان، في ظل هذه الأزمة، موقف الحياد، وتقومان بدور الوساطة لتخفيف التوتر بين الأطراف، فيما تبنت البحرين والإمارات ومصر الموقف السعودي، بينما أعلنت الأردن وجيبوتي ومالديف وموريتانيا خفض تمثيلها الدبلوماسي مع الدوحة. كذلك، أنهت رابطة العالم الإسلامي عضوية يوسف القرضاوي المقيم في قطر، في مجمع الفقه الإسلامي إثر تصنيفه على قوائم الإرهاب الصادرة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر.(1)، حيث أعلنت هذه الدول تصنيف (59) فردا و(12) كيانا في قوائم الإرهاب المحظورة لديها وأغلبها في قطر.(2)
لا شك أن تصنيف هؤلاء الأفراد والكيانات من قبل حكومات ومؤسسات سنية هو عمل جيد ومن فوائد وحسنات هذه الأزمة، فلو كان هذا التصنيف قد صدر من جهات شيعية لقالوا أنها بدوافع طائفية.
أما اتخاذ قطر موقفاً ودياً من إيران، فهذا لا يعني أنها تبنت سياسة عقلانية تريد تحقيق الاستقرار في المنطقة كما تدعي، بل بغضاً للسعودية، فقطر تعارض السعودية في كل شيء. وكما السعودية، سخرت قطر إمكانياتها المالية الضخمة في رعاية الإرهاب، وشذت عنها في إيواء حزب الأخوان المسلمين الذي تخرجت من عباءته جميع التنظيمات الإرهابية والتشدد الديني الوهابي. كذلك تقوم قطر بتضليل وتشويه الرأي العام العربي من خلال فضائيتها قناة (الجزيرة)، ذات النفوذ الإعلامي الواسع، إضافة إلى استضافتها المؤتمرات الدولية للجماعات الإرهابية التي تخطط لتدمير العراق مثل فلول البعث الصدامي المنحل. ولا ننسى أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة التي غرضها الرئيسي المعلن هو حماية الدول الخليجية من إيران، كما يدعون. في الحقيقة إن جميع الدول الخليجية عبارة عن محميات أمريكية، ولذلك طالب ترامب خلال حملته الانتخابية هذه الدول بدفع ترليونات الدولارات لأمريكا مقابل حماية الأخيرة لها. وكان أول خطوة في تنفيذ هذا الطلب الأمريكي هو الصفقة التجارية التي بلغت 460 مليار دولار مع السعودية.
وقد بلغ العداء السعودي وحليفاتها ضد قطر إلى حد محاصرتها اقتصادياً، في البر والبحر والجو، الأمر الذي أثار ذعر وهلع الشعب القطري من خطر المجاعة والعطش، لذلك هرع الناس لخزن المواد الغذائية، ومياه الشرب، مما دفع إيران إلى المبادرة في تقديم الدعم الغذائي وجلب المياه إليها.
إن انفجار الأزمة بين السعودية وقطر يقدم لنا دليلاً قاطعاً آخر، لما أكدنا عليه مراراً، وهو إن سبب عداء السعودية وحليفاتها لإيران والشيعة، ليس بسبب الاختلاف المذهبي (سني- شيعي)، بل لأسباب سياسية واقتصادية، وعلى رأسها موقف إيران من أمريكا وإسرائيل. إذ نعيد القول مرة أخرى أن العلاقة بين إيران والسعودية كانت حميمة جداً في عهد الشاه الذي كان صديقاً لإسرائيل وأمريكا، ولكنها تحولت إلى عداء شديد مع ولادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأن الأخيرة تبنت موقفاً معادياً من أمريكا وإسرائيل. فلو كان الاختلاف المذهبي هو السبب، فلماذا تعادي السعودية إمارة قطر وهي من نفس المذهب الوهابي الذي يدين به النظام السعودي أيضاً؟ وهذا يؤكد لنا أن الاختلافات الدينية والمذهبية هي ليست السبب الرئيسي في العداء والصراعات كما يبدو على السطح، بل يتم توظيفها لتجييش الجماهير خدمة للأغراض السياسية.
ولهذا السبب قال الملك السعودي سلمان في كلمته في القمة الإسلامية التي حضرها الرئيس الأمريكي ترامب في الرياض: (إن "النظام الإيراني يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم"، وأضاف: "إننا في هذه الدولة منذ 300 عام لم نعرف إرهاباً أو تطرفا حتى أطلت ثورة الخميني برأسها عام 1979".(3)
يقول المثل (رمتني بدائها وانسلت). لا نريد هنا الدفاع عن إيران، ولكن ليس من الإنصاف السكوت عن الحقيقة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. نعم تزامن الإرهاب مع الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكن هذا لا يعني أن إيران هي وراء الإرهاب والتطرف الديني، إذ تزامن هذا الإرهاب أيضاً مع قيام الحكم الشيوعي في أفغانستان والدعم السوفيتي له، لذلك قامت السعودية والدول الخليجية، وبأوامر ودعم من أمريكا وبريطانيا، بتشكيل التنظيمات الجهادية الإسلامية، التي من بينها القاعدة وطالبان ضد النظام الشيوعي ووجود الجيش السوفيتي في أفغانستان، والتي بعد إسقاط ذلك النظام وعودة "المجاهدين" الذين أطلق عليهم بـ"الأفغان العرب"، قاموا بالإرهاب ضد شعوب وحكومات بلدانهم كما حصل في الجزائر وغيرها. فالسعودية هي التي بادرت بتأسيس التنظيمات الإرهابية، ودفعت صدام حسين إلى شن حرب طاحنة على إيران الإسلامية دامت ثمان سنوات، أهلكت الحرث والنسل في البلدين.
الإرهاب من جوهر الوهابية منذ ولادتها قبل 300 عام، فغزواتها للنجف وكربلاء، ونهب الثورات وكنوز أضرحة أئمة الشيعة، وقتل الألوف من السكان، كلها جرائم معروفة في التاريخ المعاصر، بل وحتى في العشرينات من القرن الماضي كان الوهابيون يقومون بشن الغارات على العراق والإردن، وكانت القوات البريطانية تصدها. فالعقيدة الوهابية هي بالأساس إرهابية، لاسيما وأن السعودية هي وطن منظمة (القاعدة)، وزعيمها بن لادن، و15 من 19 إرهابياً الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا كانوا سعوديين ، وليسوا إيرانيين. وشهد ترامب نفسه بدور السعودية في الإرهاب خلال حملته الانتخابية، و قانون (جاستا) أيضاً يشهد بذلك، فما الذي تغير ليجعل من إيران رأس حربة الإرهاب العالمي كما يدعي الملك المخرف سلمان؟ في الحقيقة إن إيران ساعدت العراق وسوريا في محاربة الإرهاب الممول سعودياً وقطرياً.
ومما يؤكد أن السعودية، وليست إيران، هي رأس حربة الإرهاب العالمي، فقبل أيام رفض المنتخب السعودي الوقوف دقيقة حداد على ضحايا لندن، قبل انطلاق المباراة التي جمعته بمضيفه الأسترالي ضمن الجولة الثامنة من منافسات المجموعة الثانية للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى مونديال روسيا.
وهذا دليل قاطع على أن الإرهاب متكرس، ضارباً جذوره في عمق التربية السعودية والعقيدة الوهابية، بحيث حتى منتخبها الرياضي يستحرم الوقوف حداداً على ضحايا الإرهاب، مع بقية الفرق الأخرى، عملاً بالثقافة الإنسانية الكونية التي تدين الإرهاب. وهذا دليل أيضاً على أن السعودية تتعاطف مع الإرهاب الذي صار جزءً من ثقافتها وأعرافها ومعتقداتها الدينية.(4 و5).
خلاصة القول، إن السعودية وقطر دولتان تدينان بالعقيدة الوهابية التكفيرية، سخرتا عقيدتهما الفاشية لنشر التطرف الديني في العالم، وتمويل ودعم الإرهاب الذي يهدد الحضارة والبشرية في كل مكان دون استثناء. وربما الأزمة الخليجية هذه عبارة عن لعبة، وقطر هي جزء منها، بعلمها أو بغبائها، وعلى غفلة منها، يراد منها استدراج إيران، وربما العراق وحزب الله اللبناني، لدعم قطر لإيقاعهم في الفخ القطري وشن الحرب عليها. والجدير بالذكر أن أردوغان صادق على موافقة البرلمان التركي لإرسال خمسة آلاف جندي إضافي لتعزيز القاعدة التركية العسكرية في قطر. وهناك أنباء عن عزم باكستان إرسال أكثر من 20 ألف جندي إلى قطر بناءً على الاتفاقية العسكرية بين أنقرة وإسلام آباد(6). والسؤال: لماذا كل هذه التحركات العسكرية، خاصة وأن تركيا هي عضو في حلف الناتو، لا يمكن أن تحمي قطر من القوات الأمريكية أو السعودية. فهل بإمكان تركيا وباكستان إرسال قوات إلى قطر بدون موافقة أمريكا التي لها أكبر قاعدة عسكرية فيها في الخارج؟
وختاماً نقول: إن الصراع بين قطر والسعودية هو صراع بين الأشرار، وعلى العراق أن لا ينحاز لأي طرف منهما، وأن يتمثل بالأقوال المأثورة: (كيدهم في نحرهم)، و (إبعد عن الشر وغني لو)، و(نارهم تاكل حطبهم).
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- رابطة العالم الإسلامي تنهي عضوية القرضاوي بعد وضعه على قوائم الإرهاب
2- السعودية ومصر والإمارات والبحرين تصدر بيانا مشتركا بخصوص قطر
3- د. غسان نعمان ماهر الكنعاني: سلمان ينفي التهمة عن الوهابية ضمنياً يكاد المريب يقول خذوني! (1-2)
4- المنتخب السعودي يرفض الوقوف دقيقة حداد على ضحايا لندن
5- رعد الحافظ: الروح الرياضيّة تموت مع الثقافة البدويّة!
6- باكستان ترسل 20 ألف جندي إلى قطر.