بقلم: أحمد صوان
الثورة لم تندلع فجأة، وإنما كانت وليدة ثلاثة عقود من القهر.. هذه حقيقة.
والثورة ليست شعبية فقط.. فقد ساهمت القوات المسلحة بجزء كبير عندما منعت رجالها من الاقتراب من الثوار، وترك حريتهم كاملة، طالما كان الوضع سلمي.. وهو ما حدث.

والرئيس السابق لم يكن يدري فعليًا ما يحدث حوله.. فقد ظل مقربوه مستمرون في الخداع، حتى جاءت لحظة الحقيقة وترك منصبه.
وكذلك كانت ثورة بمعنى الكلمة.. فلم يستطع أحد معرفة الأحداث أو مجاراتها.

فالوضع كله كان مربكًا ومحيرًا منذ البداية، فلقد اجتهدت أجهزة الأمن والمخابرات في العالم كله – ولا سيما الأجهزة المصرية- بحثًا عن قائد لهذه الثورة.. يبحثون عنه ليعرفوه.. ليرشوه.. ليغروه.. أو حتى ليغتالوه، إلا أن عظمة الثورة المصرية أنها كانت بلا قائد، كان قائدها هو الوجدان الجمعي للمصريين الذي اختزن لديهم القهر طيلة ثلاثين عامًا، ذاقوا فيها الذل والفاقة، لينفجروا بلا مؤامرات خفية أو ترتيبات دموية، ويجبروا من امتدت جذور عرشه إلى سابع أرض على خلع نفسه من كرسيه ليتيح لهم أن يبدءوا حياة جديدة.

ولكن الثورة شعلة.. قد يضيء نورها الطريق إلى مستقبل أفضل.. وقد تحرق نارها أبنائها ليذهبوا إلى عالم النسيان
ولأن المصريون –دائمًا– يفرحون على طريقة "اللهم أجعله خير" فقد بدأت نظرية المؤامرة التي تشبع بها الشعب المصري من مشاهدته للأفلام الأميركية، فقد بدأ الحديث عن سيناريوهات الثورة المضادة، أو عودة النظام السابق إلى سدة الحكم باسم آخر، أو وجه آخر، بل وتمادى البعض في تحليلاته، ليضع سيناريو يتصور أن النظام السابق سيعود إلى الحكم عن طريق المؤسسة العسكرية، التي –هي نفسها- ساعدت على خلع الرئيس السابق.

وفي الحقيقة فإن ما ساعد على دعم هذه التصورات، هو ما يراه البعض من تباطؤ الجيش في تنفيذ المطالب الشعبية، حيث كان يرى البعض وجود الفريق "أحمد شفيق" رئيس الوزراء في منصبه كناية عن استمرار النظام السابق بشكل جديد، في حين أن الجميع لم ير الأمور من زاوية أن العسكريين –وهذه حقيقة- لا يثقون إلا في نفسهم وفي بعضهم البعض، وأنهم طالما أخذوا على أنفسهم تحمل مسئولية الفترة الانتقالية، فإنهم يديرون الأمور بطريقتهم حتى تنتهي مسئوليتهم، ويعودون بعدها لثكناتهم –التي لم يكونوا يرغبون في أن يفارقوها- فهم يريدون إدارة الأمر بالروح العسكرية، التي طالما أثارت احترام أخوانهم من الشعب المصري، حتى يتم تسليم الأمور إلى سلطة مدنية منتخبة من قبل الشعب، والتي ستقوم بإعداد دستور جديد، عن طريق جمعية تأسيسية يختار أفرادها الشعب.
أما عن السيناريو الآخر الذي يتحدث عن خروج الحزب الوطني باسم وشكل جديدين، فهو شئ طبيعي ومعروف.. فالعقلية واحدة منذ كان هناك الاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي، إلى أن صار الحزب الوطني، فالناس هم من يعطون التنظيم السياسي قوته، وهم أيضا –إذا شاءوا- ينزعون عنه كل شئ كما حدث الآن.
سواء كانت هناك ثورة مضادة أم لا، فإن الشعب الذي استطاع خلع "ديكتاتور" استمر في الحكم ثلاثين عامًا، هو نفسه الذي يستطيع إحباط أية محاولات جديدة لعودة من خلعوهم إلى الضوء.

الشعب هو من يحرك الأحداث الآن.. فلا النظام السابق ولا حتى المجلس العسكري يستطيع أن يفرض على الشعب ما لا يريده.
 فالشعب هو الذي قال كلمته وخلع الرئيس..
والشعب هو الذي قام بالثورة وحافظ عليها..
والشعب –كما يقول الدستور- هو مصدر السلطات..