بالصور | لواء طيار سمير عزيز: واجهت طائرة إسرائيلية بطبنجة.. و"رأس نصراني" رعبت العدو
أخبار مصرية | الوطن
الاثنين ٥ يونيو ٢٠١٧
أعد نفسه لقصف إسرائيل في يونيو 1967، بمعنويات بلغت عنان السماء، وفجأة هبَّت العاصفة فحجبت الرؤية، شاهد دمار الطائرات بعينيه، لكنه لم يسمح لما حدث في 5 يونيو أن يمنعه عن رد الاعتبار، حلَّق عاليًا في سماء الوطن، نسرًا ينقض على طائرات العدو، ويسقط أمهر طياري "أولاد الأفاعي" كما يحب أن يسميهم، شهد له أقرانه بالكفاءة والمهارة، إنه اللواء طيار/ سمير عزيز ميخائيل، وأجرينا معه هذا الحوار في ذكرى انتصارات العاشر من رمضان.
*النسر المصري الذي أسقط طائرة رئيس القوات الجوية الإسرائيلية
• في الخامس من يونيو 1967.. ماذا رأيت؟
كانت الأجواء تأخذنا إلى الحرب، أحمد سعيد ووسائل الإعلام الأخرى تخبرنا بأن المواجهة مع إسرائيل على الأبواب، حالة شحن غير مسبوقة، وكنت في مطار فايد أحد أقوى المطارات في هذا الوقت، فرأينا الدبابات والمدرعات والجنود يعبرون إلى سيناء قبل معركة 5 يونيو، كل الشواهد كانت تؤكد أن الحرب قادمة لا محالة، وأن النصر سيكون لنا دون نقاش لأننا كنا أقوياء جدًا، وفجأة من قمة الأمل إلى مشاهد صادمة، المطار يتعرض للقصف في التاسعة صباحا، هجمات متتالية تأكدنا وقتها أننا خسرنا الحرب.
قصة الطبنجة في مواجهة الطائرة الإسرائيلية!
• ما حقيقة مواجهتك لطائرات العدو بالطبنجة؟
رأيت طائرة "مستير" تطير على ارتفاع منخفض جدًا من فوقنا في مطار فايد، فأخرجت طبنجتي، وأطلقت عليها النار وأصيبت بالفعل، نظر إليّ قائدها واستمر بخط سيره العادي كأن شيئا لم يحدث، فما الذي يمكن أن تسببه طلقة طبنجة في طائرة مقاتلة؟!، بعدها بثوانٍ وجدت ممدوح حشمت يقول لي: "يا فندم الطيارة نازلة عليك"، فنظرت خلفي فوجدت الطائرة التي ضربتها تنزل عليّ بالضبط، فنظرت خلفي ولم أجد مكانًا أختبئ فيه، فقلت أفضل شيء هو الجري باتجاه الطائرة لأصعب عليه ضربي، شعرت أنني أجري أسرع من الفهد بسبب الخوف، فتح الطيار النيران مبكرًا لكي يلحقني، فرأيت دخان المدفع، فقلت لنفسي: "سأموت حالًا"، وبعد ثانية واحدة وجدت الطلقات إلى جانبي بالضبط، والرمال تتطاير حولي من تأثير الطلقات، فقفزت على سور كان أمامي وأصيب ذراعي بسبب الارتطام.
مهارة المقاتل المصري جعلتنا ملوك السماء في 1973
• البعض حمَّل القوات الجوية مسؤولية الهزيمة.. فما ردُك؟
نحن لم نحارب أصلًا، وبالتأكيد كان تحميل سلاح الطيران مسؤولية ما حدث في 5 يونيو ظلمًا بكل المقاييس، لأن الهزيمة كانت سياسية أولًا بسبب ما قاله الرئيس جمال عبدالناصر، بأننا سنتلقى الضربة الأولى حتى لا نكون معتدين.
مصر استردت كرامتها ومحت النكسة في الضربة الجوية يومي 14 و15 يوليو 1967
• كيف تجاوزتم هذه الاتهامات؟
تغلبنا عليها بهجومنا الجوي يومي 14 و15 يوليو 1967، التي يطلق عليها "طلعة مدكور أبوالعز"، هاجمنا العدو بقوة شديدة "ضربناهم علقة مبرحة"، ردت كرامة مصر والقوات الجوية، أي بعد 40 يومًا من الهجوم الإسرائيلي، ذهبت إلى الجزائر في 6 يونيو لأن الجزائريين لم يكونوا مستعدين، كذلك أرسل لنا السوفييت طائرات "كهنة"، استهدف هجومنا خط قناة السويس ودمرنا مخازن الذخيرة التي تركناها بسبب الانسحاب، أخبرني أحد ضباط الصف أن القوات الإسرائيلية انسحبت إلى العريش، وكان القطار القادم من الإسماعيلية مليئا بالقتلى والمصابين.
• متى استفاقت مصر من آثار هجوم 5 يونيو؟
انتفضت مصر بعد أيام من الهجوم الغادر، بداية من معركة "رأس العش"، مرورًا بالطلعة الجوية، ثم تدمير إيلات وغيرها من العمليات التي أعادت الثقة في النفوس وأزالت الآثار السلبية لما حدث، وبدأنا التمهيد لتحرير سيناء من العدو، وكانت بداية النهاية لما حدث في 5 يونيو.
• ما أول اشتباك شاركت فيه مع طيران العدو؟كان في يوم 13 أبريل 1969، طلعة استطلاع بالقوة لتصوير ممر متلا ومطار المليز، كنا 4 طائرات "سوخوي" في مواجهة 4 طائرات "ميراج" إسرائيلية، ووصل دعم جوي لنا من قاعدة المنصورة، كما وصلت طائرات أخرى للعدو، ووفقني الله واستطعت ضرب إحدى طائرات العدو، وعدت سالمًا مع باقي التشكيل، وأسهمت حرب الاستنزاف في معرفة تكتيكات العدو خلال الاشتباكات الجوية، وهو ما مكننا من اعتياد الأمر وكانت نتائجه رائعة في الضربة الجوية عام 1973.
مغامرة "رأس نصراني" قذفت في قلوب الإسرائيليين الرعب
• حدثنا عن مغامرة "رأس نصراني"
عقب الهجوم الإسرائيلي على قواتنا في خط القناة عام 1969، كنت أجلس بمفردي ومعي خريطة، وقررت القيام بمغامرة مرور سريع فوق مطار رأس نصراني "شرم الشيخ حاليًا" لكي أوجه للإسرائيليين إهانة وأجعلهم يشعرون بالذل، وأجريت حساباتي الملاحية وخط السير تجاه جزيرة شدوان، ولأن المسافة من شدوان حتى رأس محمد 45 كيلومترا تستغرق نحو 3 دقائق طيران سريعًا، وطبقًا لحساباتي إذا رصد الإسرائيليون طائرتي وأنا أحلق فوق "شدوان"، فهذا يعني أنني سأكون فوق "رأس نصراني" في اللحظة نفسها التي تقلع فيها أول طائرة معادية، وفي اليوم التالي كان مخطط لي طلعة تدريب فوق منطقة جبلية شديدة الوعورة، لا يرصدها أي رادار سواء مصري أو إسرائيلي.
وفور دخولي تلك المنطقة أطلقت لطائرتي العنان بأقصى سرعة وعلى أقل ارتفاع ممكن تجاه جزيرة شدوان، وأتذكر أن ارتفاعي لم يزد عن مترين فوق المياه، وفور مروري فوق جزيرة شدوان زدت من سرعة الطائرة إلى 1200 كيلو متر في الساعة، وهي أقصي سرعة للطائرة على ارتفاع منخفض، وبعد دقيقتين تقريبا كنت فوق منطقة رأس محمد وشاهدت جنود وحدة مدفعية مضادة للطائرات يستحمون في الماء، وقتها أدركت أن أحدًا لم يرصدني لأن الجنود هرعوا إلى مدافعهم فور مروري بسرعتي الكبيرة فوقهم، وشاهدتهم من بيرسكوب الكابينة.
ودخلت المطار بأقل ارتفاع ممكن ثم درت يمينا تجاه جزيرتي تيران وصنافير، ومررت بينهما علي أقل ارتفاع ممكن وعدت سريعًا إلى المنطقة الوعرة، وارتفعت لأظهر على شاشات الرادار المصرية، ثم عدت وهبطت بالمطار وكأن شيئًا لم يكن.
• ما رد فعل العدو على هذه المغامرة؟
في اليوم التالي هجم الإسرائيليون بنحو 24 طائرة على مطار الغردقة، لكنه كان هجومًا وهميًا فلم يكن هناك أي قذف أو اشتباك، وقاموا بعمل هجوم وهمي، أعتقد أن ما قام به طيران العدو عبارة عن رد نفسي لما فعلته بهم.
• كيف أسقطت طائرة قائد القوات الجوية الإسرائيلية؟
اشتباك "إيتان بن إلياهو" في ٢٠ يوليو 1969، كنا نقوم بطلعات قنص حر، لأن عدد الطيارين المصريين كان يتناقص، أخذنا الفكرة من أسلوب الفيتناميين في مواجهتهم للأمريكان، وباختصار هي أن تخترق إحدى الطائرات على ارتفاع منخفض ثم تدخل وسط الطائرات المعادية، إن وجدت أهدافا متاحة تقنصها وإن لم تجد تعود بسرعة، تلقيت الأوامر بالإقلاع، لأن طائرات "سكاي هوك" تقوم بهجوم على القناة وفوقها مظلة "ميراج" للحماية.
أقلعت منخفضًا وبالقرب من القناة صعدت لأعلى وسط غابة من طائرات العدو، فوجدت طائرة أمامي وعلى الفور أطلقت عليها صاروخًا، ولم أنتظر لمعرفة نتيجة القنص، وأجريت مناورة ثم عدت سريعًا إلى المطار، منذ 5 أعوام تفاجأت بأعضاء المجموعة 73 مؤرخين يخبرونني بأنهم توصلوا إلى نتيجة الصاروخ الذي أطلقته، وأن الطائرة سقطت بالفعل وكان قائدها إيتان بن إلياهو، قائد القوات الجوية الأسبق، وأحد أمهر طياري سرب 101 في إسرائيل.
• كيف كان يوم العاشر من رمضان؟
بعد وقف إطلاق النار في العام 1970، ووفاة الرئيس جمال عبدالناصر، كنا نتدرب كثيرًا استعدادًا للحرب، ووصلنا إلى مستوى عالٍ جدًا من الكفاءة، وفي يوم الحرب قمنا بمهامنا كالمعتاد وأقلعنا في طلعة تدريب وتعمدنا أن يرصدنا العدو ونحن لا نحمل أي تسليح على الطائرات، وكانت هذه الطلعة جزءًا من خطة الخداع، وهبطنا في الـ12 ظهرًا ثم أقلعنا في ساعة الصفر، وحققنا نجاحًا كبيرًا في الضربة الجوية.
• كيف سقطت طائرتك يوم 8 أكتوبر؟
يوم 8 أكتوبر أعطانا الموجه اتجاه بورسعيد، وقال إنها تقصف من طيران العدو وعندما اقترابنا من بورسعيد أمرت التشكيل بإلقاء الخزانات الإضافية تمهيدًا للاشتباك، وفوجئت أن خزانات طائرتي لم تلقى، رأيت 4 طائرات ميراج أعلى منا فارتفعنا قليلا، وبدأت الميراج في النزول إلينا، وحاولت تعمير المدفع فلم يستجب، حدث عطل في "الدي سي" الخاص بالدائرة الكهربائية المسؤولة عن التسليح، فأصبحت أطير دون تسليح يعمل أي أن طائرتي مجرد قطعة حديد طائرة لا نفع منها.
دخلت خلفي طائرتان فقمت بالمناورة لليمين فرأيت طائرتين أيضًا خلفي، أبلغت بالاسلكي أن خلفي 4 طائرات باستمرار، فقال لي الموجه إن هناك تعزيزًا قادمًا لي، استمر الاشتباك على هذا المنوال وكل طائرتين تحاولان ضربي أو وضعي في مكان جيد للطائرتين الأخريين، فاتجهت بالطائرة إلى المياه لاكتساب سرعة، حتى وصلت على ارتفاع منخفض جدًا واتجهت إلى المنصورة ، مستغلا السرعة التي اكتسبتها للفرار، وبعد نحو 4 ثوان قلت لنفسي: "هتسيب القباني وهمام لوحدهم؟"، فعدت إليهم كي أساعدهم، فارتفعت ورجعت مرة أخرى وفجأة رأيت طائرات "ميراج" على يميني وقبل أن أتجه إليها شعرت بأن شيئًا صدمني بشدة في مؤخرة الطائرة، وبدأت الطائرة تدور بلا أي تحكم أو سيطرة ونظرت خلفي فلم أجد الذيل، والنار مشتعلة والطائرة تسقط باتجاه البحر مباشرة.
قفزت من الطائرة وقمت بنفخ جاكيت النجاة لكي يضغط على الدم وأظل بوعي، وساعد على ذلك اصطدامي بالمياه حيث أفاقتني، ثم رأيت مركب صيد في البحيرات الضحلة بعصا كبيرة تقترب مني بهدوء، ورفع أحد الصيادين العصا لينزل بها على رأسي، فحركت نفسي قليلا وتفاديت الضربة، ووجهت له السباب بلهجة مصرية، شكوا أني لست إسرائيليًا وأمسكني أحدهم من خلفي وقيد حركتي، ثم أخذوا المسدس مني وبعد لحظات جاء قارب خفر السواحل ونقلني إلى المستشفى.
• ماذا عن معركة المنصورة الجوية؟
إنها ملحمة عظيمة استمرت لمدة 53 دقيقة فوق سماء الدلتا، وهي أطول معركة جوية في التاريخ بالنسبة للطائرات المقاتلة، وفي صباح 14 أكتوبر 1973 شنّت طائرات العدو هجومًا شرسًا على مطار شاوة في المنصورة، ولكن تصدى المصريون لهم بجسارة، وكانت طائرات "الفانتوم" الإسرائيلية تحلق لـ4 ساعات متصلة بينما طائرات "الميج" التي يقودها المصريون تستغرق أقل من ساعة ليشكل ذلك فارقًا زمنيًا كبيرا، ولكننا أسقطنا 18 طائرة "فانتوم" من أصل 120 مقاتلة إسرائيلية، وإجبار طائرة على الهبوط وأسر قائدها، وكانت خسارتنا 3 طائرات مصرية فقط من أصل 62 طائرة، وسميت بـ"مذبحة الفانتوم".
• ما الرسالة التي تحب أن توجهها للشباب والمصريين في هذا اليوم؟
التقيت الكثير من الشباب فوجدت منهم الوطني الذي ينتصر على "أولاد الأفاعي" رغم صعوبة الظروف وهم "المجموعة 73 مؤرخين"، والتقيت آخرين ساخطين وناقمين ويتطاولون على البلد بسبب موجة الغلاء، أتمنى أن تخلصوا لمصر وتتحملوا أزماتها ولا تلعنوها، خذوا حذركم من إسرائيل فإنهم يقدمون لكم السم في العسل عبر "السوشيال ميديا"، كل ذكرى نصر ومصر عظيمة وحرة.