الأقباط متحدون - قراءة أولية في بيان مجمع الأساقفة
  • ٠٠:٥٧
  • الأحد , ٤ يونيو ٢٠١٧
English version

قراءة أولية في بيان مجمع الأساقفة

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

١٨: ١٢ م +02:00 EET

الأحد ٤ يونيو ٢٠١٧

كمال زاخر
كمال زاخر
بقلم - كمال زاخر
عشية احتفال الكنيسة بعيد تأسيسها، عيد حلول الروح القدس، ينهى مجمع الأساقفة فى الكنيسة إجتماعه السنوى العادى، والذى يطرح ويناقش فيه القضايا "التشريعية والكهنوتية واللاهوتية" المستجدة، وما يتعلق بأمور الإيمان والخدمة، والقضايا الخلافية المثارة، ويتخذ ما يراه مناسبا من قرارات وتوصيات فى شأنها.
 
ومجمع الأساقفة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يضم الآباء مطارنة واساقفة الكنيسة ورؤساء الأديرة (بشخوصهم)، ووكيلى البطريركية بالقاهرة والأسكندرية (بصفتهما)، ويترأسه البابا البطريرك.  ويعد المجمع السلطة العليا بالكنيسة،  ولا يجوز للأسقف أن ينفرد بالقرار دون العودة إلى المجمع المقدس.
 
ويأتى انعقاد المجمع هذا العام، 2017، فى مناخ ملتبس ومرتبك، على الصعيدين الكنسى والعام، وقد شهد أحداثاً خطيرة تعرضت لها الكنيسة والأقباط سواء داخل الكنيسة أو خارجها، وتفجرت قضايا خلافية أثارت الجدل فى المجتمع الكنسى والقبطى، بشكل غير مسبوق، خاصة ونحن نعيش تداعيات ثورة الإتصالات والمعلومات، واختلاط المعلومة بالرأى، وتوظيفهما فى الصراعات البينية سواء فى دوائر المجمع أو بين التيارات المختلفة فى الشارع. 
 
ويأتى فى مقدمة القضايا التى تحتاج إلى حسم، سواء المتراكمة أو المستجدة، دور الكنيسة فى القضايا العامة، والحاجة إلى الفصل بين "الموقف الوطنى" و "الموقف السياسى"، بمحددات موضوعية واضحة وقاطعة وملزمة، وموقف الكنيسة من المرأة وتنقيته من تراث العصور الوسيطة وضبطه على معطيات الكتاب المقدس واستنارة الآباء، وإعادة فحص الموقف من ومع الكنائس الأخرى على المستوى المسكونى، فى ضوء مستجدات علوم الترجمة والدراسات الأكاديمية واللاهوتية الحديثة فى حضور دعوة المسيح أن يصير الكل فى واحد، والتى فجرتها الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس لمصر، والرحلات المكوكية لقداسة البابا تواضروس، والتواصل الدءوب الذى تشهده الكنيسة القبطية مع العديد من الكنائس سواء فى العائلة الأرثوذكسية الخلقيدونية أو الكنائس البروتستانتية المتعددة.
 
وقضية دور المدنيين ومشاركتهم فى ادارة الكنيسة، وهى ممتدة فى التاريخ المنظور إلى عام 1874، الذى شهد تشكيل أول مجلس ملى يعنى بادارة أموال الكنيسة، بقرار من الخديوى اسماعيل، وفى حبرية البابا كيرلس الخامس، وهى قضية ملتبسة وشائكة، شهدت بامتداد عمرها مصادمات عاتية وتغيرات سياسية وقانونية انتهت الى تفريغ المجلس من صلاحياته، وكان لغيابه، الفعلى، أثره فى تفجر العديد من الأزمات فى الفضائين الكنسى والعام.
وتفرض وقائع استهداف الأقباط من قِبل الإرهاب، فى صراعه وسعيه لاسقاط الوطن والقفز على السلطة مجدداً، تفرض نفسها على الكنيسة ومجمع اساقفتها، وآليات التعامل معها، خاصة مع تزايد وتيرة الأعمال الإرهابية الإجرامية التى تشهد تصعيداً نوعياً وزمنياً بامتداد ما يقرب من النصف قرن. وكيف يمكن للكنيسة إلا تقع فى دوائر رد الفعل السياسى، فتتحول الى وكيل حصرى للأقباط، بل تدرس الأمر فى نطاق دورها الروحى والرعوى. 
وتظل قضية الأحوال الشخصية مؤرقة للشارع القبطى وثيير العديد من علامات الإستفهام حول عدم حسمها حتى اللحظة، وهل مرد ذلك خلافات داخل المجمع المنوط به تقديم رؤيتها الى الحكومة توطئة لتقديم الأخيرة اقتراح بقانون للبرلمان لسنه، أم مرده تعنت الحكومة فى الموافقة على ما تقدمت به الكنيسة لأسباب عندها تتعلق بالمواءمات والتوازنات أو غير ذلك.
 
وتفرض المتغيرات التى نشهدها، فى الفضاء الإجتماعى، مناقشة قضايا علاقة الإكليروس بالرعية، والضوابط التى تحكمها، والتى تتحول بها من دائرة الشخص وصلاحياته إلى دائرة المؤسسة، وما ينتج عنها من تداعيات، واعادة النظر فى ابدية المواقع الأسقفية، وفى مراجعة الأسقف وفق ضوابط علاقات الأبوة والبنوة، وضوابط الإختيار لموقعه، وعلاج الإنتقال من مجتمعه الرهبانى المنعزل إلى مسئوليات ادارة كنيسة فى مجتمعات مفتوحة، وغير بعيد تجربة مدرسة الرهبان بحلوان التى دشنها البابا البطريرك الأنبا يوساب، ثم أغلقت فيما بعد.  
 
ومن هنا تأتى قراءتنا لما اسفر عنه إجتماع مجلس الأساقفة الأخير، والذى لم يطرح فيه العديد من القضايا المشار اليها، ربما لضغط اللحظة التى يتقدم فيها منهج التعاطى مع رد الفعل، وهو أمر لابد من مراجعة سكرتارية المجمع باعتبارها المنوط بها وضع جدول أعمال جلساته ولجانه المتعددة.
على أن الملاحظة اللافتة أن القرارات والتوصيات تكشف عن وجود خلافات عميقة فى أروقة جلسات المجمع، رغم انكار كافة الأطراف لها، الأمر الذى تكشفه الصياغة الملتبسة لبعضها، والتى اتجهت للموائمة ومحاولة ارضاء الأطراف المختلفة، فيجد كل طرف ما يرضى توجهه، على حساب الوضوح والحسم، الأمر الذى ينذر بتفاقم الإختلاف عند تطبيقها وما ينتجه هذا من آثار سلبية على اصعدة مختلفة.
 
فى القرارات :
ـ اختيار يوم 15 فبراير ليصير عيداً للشهداء الأقباط فى العصر الحديث، يكشف عن أمرين، أولهما الإنحياز لواقعة بعينها، تتسم بالإستثنائية ولا تعبر عن سياق حوادث الإستشهاد، وثانيهما تكشف عن اختلاف المجتمعين الذى يحركه سعى كل من وقعت بدائرته حادثة اسفرت عن وقوع شهداء لتكون تلك الحادثة هى تاريخ العيد المستحدث، وعينه على ما يترتب على ذلك من تداعيات مستقبلاً فى دائرة ايبارشيته.
وكان الأفضل أن يبقى احتفال الكنيسة "بعيد الشهداء" كما اقرته الكنيسة عبر تاريخها مع رأس السنة القبطية (أول توت ـ 11 سبتمبر) ويكون القرار "تكليف لجنة من المختصين بتوثيق قوائم الشهداء المحدثين ووقائع استشهادهم وضمها إلى كتاب (السنكسار) الذى يتلى بالكنيسة بشكل يومى ويرصد تاريخها وتاريخ شهدائها".
 
ـ التأكيد على "ان التعليم المسيحى يعلن وبوضوح عدم نجاسة اى انسان مؤمن إلا بالخطية. وان الانسان هو هيكل للروح القدس الذى لا يفارق الانسان إلا فى حالة الموت فى الخطية ، وعليه فإن المرأة طاهرة ومسكن للروح القدس فى كل أيام حياتها" يعد انتصاراً للجناح التنويرى، ويعيد الأمر إلى نصابه الكتابى والآبائى، ويعمق مفهوم التجسد وتداعياته، ويتخلص من شبهة التهود وعنصرية النظرة إلى المرأة.
 
لكن استكمال قراءة القرار يفرغه من مضمونه، بعبارات غير منضبطة، تفتح الباب لتجدد الجدل وتدعم التوجهات الرجعية التى حملتها لنا تعاليم العصور الوسيطة "ولكن بسبب التقوى والحرص اللائق بالتناول من الاسرار المقدسة و الالتزام بما تسلمناه بالتقليد يليق بالرجل والمرأة ان يمتنعا عن التناول فى فترات عدم الاستعداد الجسدى* الا فى حالات استثنائية بمشورة الاب الكاهن الروحى ولاسباب رعوية."
 
فما "التقوى" "والحرص اللائق"، هنا، إلا محاولة إرضاء الجناح المتشدد المحكوم برؤى متهودة والمتأثر بالثقافة السائدة المتعارضة بالأساس مع تداعيات التعليم بلاهوت التجسد والإنسان الجديد فى المسيح يسوع بحسب الكتاب والآباء.
المثير للتساؤل هو عدم الحسم فى القرار الذى أحال الفصل فى القضية إلى التقدير الشخصى لمن يتقدم للأسرار "يليق بالرجل والمرأة ان يمتنعا عن التناول فى فترات عدم الاستعداد الجسدى"، وهناك فرق بين "يليق" و "يجب"، فمن الذى يقرر الفصل بينهما؟. 
لنجد انفسنا أما صياغة مرتعشة فى مواجهة خلافات شديدة بين الأجنحة المتباينة بين المؤتمرين، وتأكيد جديد على أبعاد الأزمة التى تعيشها الكنيسة، وعلى التأرجح بين التعليم الشعبوى والتعليم الكتابى الآبائى.
 
فى التوصيات :
ـ (تثمن "لجنة الإيمان والتعليم والتشريع" جهود قداسة البابا تواضروس الثانى فى العلاقات المسكونية وتوقيع قداسته البيان المشترك مع قداسة البابا فرنسيس بابا روما.)
 
ـ (تؤكد اللجنة على انه ينبغى التمييز بين البيانات المشتركة المعتادة التى يصدرها اصحاب القداسة رؤساء الكنائس فى لقاءاتهم المسكونية وبين الاتفاقات العقائدية الرسمية التى يجب ان تعتمد من المجامع المقدسة لكنائسهم.)
 
المفارقة هنا أو المفارقات اللافتة، أن يأتى هذا الكلام فى سياق"توصيات" وكان الأولى به أن يكون ضمن "القرارات"، وأن ينسب إلى لجنة من لجان المجمع لا إلى المجمع بجملته، وأن يحمل مناقضة الترحيب بجهود البابا وبين تقزيم ما يصل إليه من اتفاقيات اثمرتها هذه الجهود، وكأنه يعمل بمفرده وبقرارات شخصية، لا تمثل المجمع الذى يترأسه، وربما نجد انفسنا أمام احتمالات صعبة بوجود من يقاوم مساعى التقارب المسكونى الجاد، بعيداً عن الاجتماعات الإحتفالية المزمنة، وأظن أن اختيار تعبير "تثمن اللجنة" يأتى كاشفاً لهذا، وإلا لكان "يؤيد المجمع"، نحن إذن أمام تنويعة على الخلافات العميقة غير المحسومة داخل المجمع.
 
ننتظر أن تدعو الكنيسة إلى إجتماع مغلق بأحد الأديرة، يضم مجمع الأساقفة والكوادر المدنية ذات الصلة والباحثين المتخصصين فى العلوم الكنسية واللاهوتية والإدارية، لطرح القضايا المثارة بموضوعية، على أمل أن ينتهى إلى حسمها على ارضية الكتاب والأباء ومعطيات اللحظة المعاشة، سعياً لتجديد الكنيسة دعماً لمسيرتها فى عالم مرتبك ومقاوم.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد