الأقباط متحدون - مدن بريطانيا الأكثر أمنا في أوروبا باتت فجأة الأكثر استهدافا من الارهاب والذئاب المنفردة
  • ١٦:٢٣
  • الأحد , ٤ يونيو ٢٠١٧
English version

مدن بريطانيا الأكثر أمنا في أوروبا باتت فجأة الأكثر استهدافا من الارهاب والذئاب المنفردة

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٢١: ١١ ص +02:00 EET

الأحد ٤ يونيو ٢٠١٧

بقلم: ميشيل الحاج
في عام 2014،  كانت معظم حوادث الاضطراب والاخلال بالأمن التي وقعت في بريطانيا، من صنع المناهضين للاتفاق المعقود مع الآر آي أيه RIA .   وفي عام 2015 أحبط رجال الأمن البريطانيون بالتعاون مع أف بي آي FBI  محاولة لتسميم المياه في مدينة ليفربول، باستخدام مادة ricin  السامة . وقام بالمحاولة الفاشلة محمد عمار علي الذ ي القي القبض عليه وأودع في السجن، قبل أن يتمكن من تنفيذ ما عزم على تنفيذه. 
 
وفي السابع من تموز 2015 احبطت أيضا أجهزة الأمن البريطانية محاولة ارهابية أخرى، وحكم بالسجن على محمد الرحمن وسناء احمد خان، لحيازتهما مواد متفجرة كانا ينويان استخدامها في تفجير ما. 
 
وفي الخامس من كانون اول 2015 نفذ العمل الارهابي الأول خلال عام 2015، عندما   قام احدهم مزودا بمدية، بطعن ثلاثة مسافرين في احد انفاق لندن. وقام بذلك ليعلن عن احتجاجه على اقدام بريطانيا على المشاركة في الاغارة لأول مرة على الدولة السورية. وكان يصرخ اثناء الهجوم   "هذا من اجل سوريا". وكان اولئك الثلاثة الذين جرحوا هم الوحيدون الذي عانوا في عام 2015 من عمليات ارهابية ناجحة، أو من عمليات نفذتها الذئاب المنفردة في بريطانيا.
 
ولكن في شهر آب عام 2016 قام أحدهم، مسلحا بما يشبه المدية او السيف، بطعن سيدة مسنة حتى الموت،  كما طعن ستة آخرين وأصابهم بجراح. وكان أولئك الضحايا، هم الوحيدون الذين سقطوا في بريطانيا ضحايا للارهاب في عام 2016. وكان قد سبقه حادث قتل سياسي آخر وقع في شهر حزيران، حيث قام "توماس مايير" بقتل مواطن بريطاني في "يوركشاير". ولكن القاتل كان من المنتمين لحركة  تؤيد التمييز العنصري في جنوب افريقيا، ووجدت في منزله أدلة تؤكد تأييده للأفكار النازية.
 
وهذا العدد القليل من الضحايا الذين سقطوا في بريطانيا خلال عامي 2015 و 2016 لا يقارن مع عدد الضحايا الذين سقطوا في مدن أوروبية أخرى خلال العامين المذكورين، وخصوصا اولئك الين سقطوا في بلجيكا والمانيا وخصوصا في فرنسا سواء في حوادث شارلي أبيدو في 2015، أو العمليات الثلاثة المنفذة في نهايات 2015 والتي كان ابرزها تلك المنفذة في مسرح الباتيكلان حيث سقط اكثر من مائة قتيل، أو عملية الدهس في نيس في ذكرى الثورة الفرنسية في عام 2016،  حيث سقط 85 قتيلا على الأقل وعشرات الجرحى.
 
وهكذا بدا من المفاجىء تماما أن ينشط الارهابيون او الذئاب المنفردة فجأة في بريطانيا، رغم قدرات اجهزة الأمن البريطانية كاسكتلاند يارد و  MI5 , MI6 التي احبطت في السابق عدة عمليات ارهابية قبل تنفيذها، جاعلة من المدن البريطانية المدن الأكثر أمنا بين الدول الأوروبية.
 
فما الذي حدث فجأة لتنفذ في بريطانيا ثلاث عمليات ارهابية  خلال مدة قصيرة لم تتجاوز العشرة أسابيع.  وكانت الأولى في شهر آذار 2017، وقد شكلت عملية دهس على جسر وستمينيستر  حيبث دهس اربعون ضحية وقتل شرطي طعنا بخنجر كما قتل  المهاجم. وبعد ذلك بشهرين، وقع تفجير في حفل غنائي  في مدينة مانشستر، حيث وقع عشرات الضحايا من الشباب والصبايا المراهقين الأبرياء الذين جاؤا فحسب للاستماع لبعض الاغاني التي يعشقونها، ولم يتوقع اي منهم ان الموت كان بانتظار بعضهم.
 
ثم جاءت حادثة اليوم بعد أقل من أسبوعين على حادثة مانشستر... والقول بوصفها حادثة اليوم، قد لا يكون دقيقا، لأن الحديث يدور حول احتمال وقوع حادثتين أو ثلاثة حوادث متفرقة ولكن ربما ايضا مرتبطة ببعضها.   فالحديث يدور عن عملية دهس بشاحنة بيضاء أدت الى جرح 15 الى عشرين شخصا، اضافة الى حادثة اطلاق نار في موقع قريب دون وجود تفاصيل، وحادثة طعن مؤكدة في مطعم لندني غير بعيد عن الجسر ويقع فيما يسمى Market Borough (القريب جدا من الجسر)، حيث سقط ضحيتان او ثلاثة نتيجة طعنهم بسلاح أبيض.
 
واعتقد البعض ان الهجمات الثلاث (وربما الاثنتان فحسب) على الجسر وجواره، كانت بايحاء من التأثر بشهر رمضان المقدس لدى المسلمين، وأن روح شهر الصيام قد شجعت على هذه الهجمات ضد من يعتبرون كفارا.  لكن ذلك قد لا يكون دقيقا، لأن التفجير في مانشستر والذي حصد عشرات الضحايا، لم يكن مستوحى من شهر رمضان. ومثله الهجوم الذي وقع في آذار على جسر وستمينيستر.   كما أنه لا احد يعلم بعد ان وجد رابط بين عملية الدهس على جسر لندن وواقعة الطعن في مطعم في سوق مجاور.  وتقول آخر الأنباء أن اثنان (ربما كانا المهاجمين) قد قتلا وشوهدت صورهم ملقاة على جانب الطريق. وقيل بأنهما كانا يرتديان  ما قد يبدو أنه نوع من الصدرية التي شكك البعض بأنها ربما كانت صدرية انتحاري تحمل متفجرات جاهزة للتفجير، لكن تلك المعلومة لم تكن مؤكدة لدى الانتهاء من اعداد هذا المقال. 
 
والواقع أن ما يحدث في بريطانيا وفي غيرها، هو نتيجة طبيعية لما يجري من قتال في سوريا والعراق. وكان ينبغي أن تكون متوقعة نتيجة الهجمات المكثفة على الدولة الاسلامية في هذين البلدين، وخصوصا في الموصل في العراق.  فمن المعلوم عن طبيعة التخطيط الذي تلجأ اليه الدولة الاسلامية عندما تتعرض للضغوط العسكرية الكثيرة، أن تلجأ لضربات في الخارج، بعيدا عن مواقع المعركة العسكرية الفعلية. فالأهداف في الخارج... بعيدا من موقع المعركة العسكرية.. أسهل. وقد لاحظنا أن ثلاثة تفجيرات انتحارية أو ارهابية قد وقعت في العراق خلال الأسبوع الماضي، كان أولها في حي الكرادة، وقد حصد عشرين ضحية، تبعه في اليوم التالي مباشرة  تفجير سيارة في سوق مزدحم يقع عند جسر الشهداء في بغداد  أيضا، وتلا ذلك تفجير سيارة أخرى في مدينة عراقية  أخرى.
 
واذا كان ذلك قد وقع في العراق، فقد كان من الطبيعي أن تضرب الدولة الاسلامية أيضا في موقع آخر... في موقع أوروبي، حيث تستطيع عندئذ أن توجع وتؤلم، خصوصا عندما تنفذ الضربات في مدن أوروبية كبرى ومزدحمة. فلديها خلايا نائمة في تلك المدن، زرعوا هناك لاستخدامهم في لحظات كهذه.  وان لم يتوفر لديهم خلايا نائمة، فهناك الكثيرون من الذين يستمعون لنشراتهم وتوجيهاتهم،  فيتأثروا بها رغم عدم انتمائهم رسميا وفعليا للتنظيم. هؤلاء يسمون الذئاب المنفردة الذين يتطوعون لتقديم خدمة للدولة الاسلامية بتنفيذ عملية ما رغم بساطتها، انتقاما لما تعانيه الدولة الاسلامية من ضغوط عسكرية.  واذا كان الهجوم بالشاحنة قبل شهرين على جسر وستمينيستر ربما كان منفذا من ذئب منفرد نظرا لبساطة التنفيذ، فان منفذ الهجوم في مانشستر، وكذلك في جسر لندن لم يكن اي منهم ذئبا منفردا. فتجهيز القنبلة المستخدمة في مانشستر، كان بحاجة لجهد يفوق قدرة الفرد على تنفيذها، علما ان هناك سابقة التفجير في بوسطن في أميركا عام 2013 ، والتي نفذت بجهد الأخوين الأفغانيين اللذين  جهزاها بمفردهما، وزرعاها لدى موقع نهاية سباق الماراثون، فقتلت بعض المتسابقين وجرحت آخرين.
 
أما هجوم جسر لندن والطعن في المطعم، قد نفذ من قبل شخصين وليس شخصا واحدا،(وفي وقت لاحق، قال تصريح لاسكوتلانديارد أن المهاجمين كانوا ثلاثة، وقتلوا جميعهم، لكنهم تسببوا بمقتل ستة أبرياء)، مما يرجح معه أنه كان عملا من اعمال الخلايا النائمة، خصوصا وأن الجدل ما زال قائما حول الصدرية التي ارتداها المهاجمان، ان كانت اي منها صدرية متفجرات كتلك التي يرتديها انتحاري، أم غير ذلك (فالأمر غير مؤكد) وينتظر نتائج التحقيقات.
 
لكن المؤكد أن المدن البريطانية التي كانت خلال الأعوام 2014 الى 2016، من المدن الهادئة والآمنة من الارهاب، لم تعد الآن كذلك. فالأمن الذي وصفتها به في كتابي الصادر في نهاية العام الماضي وعنوانه "الذئاب المنفردة.. وجه آخر للدولة الاسلامية"،  (عرض الكتاب في معرض الكتب في الشارقة في تشرين ثاني 2016 ثم في معرض القاهرة  للكتب في يناير 2017)، لم تعد الآن آمنة أبدا.  وأخشى ما أخشاه ان يلحق الرعب مدينة أخرى وصفتها في الكتاب المذكور بالمدينة الأوروبية الأخرى الهادئة  والآمنة، وتلك هي روما حيث لم تشهد ايطاليا حوادث ارهابية ملموسة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لكنها قد تكون الآن مرشحة لأن تلحق بها لعنة الارهاب فجأة وبدون توقع، سواء كان الارهاب قادما من خلايا نائمة، أو من ذئاب منفردة. 
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج
الاعلامي العربي الأول والمتميز لعام 2017 - كما أسمته رابطة الاعلامييبن العرب
مستشار في المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب - برلين
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد