بيتر لطيف فلتاؤوس
 
لا شك في أن التراث الشعبي حافل بنصائح الأجداد و خبراتهم علي مر سني أعمارهم ولكن هل من الممكن أن يكون ذلك التراث أو أجزاء منه خاطئة ؟
أولا دعونا نتفق سويا علي إرجاح صوت العقل في كل شئ. لنناقش معا ذلك الميراث الثقافي الضخم و نحتفظ بما ينفعنا منه و نسقط ما يضر.علي سبيل المثال نناقش في هذا المقال: " المَثَل الشعبي " ليس بالضرورة أن تكون كل الأمثال الشعبية صحيحة و صالحة للتطبيق في عصرنا و وقتنا. فهناك من الأمثال ما يخالف أبسط قواعد العقل و الإنسانية و الضمير و منها ما وصل به الحال إلي الإزدراء بالانسان بل و حتي لمخالفة الأديان و تعاليمها في بعض الأمثال.
 
#مثل_مش_شعبي ليست أول مبادرة تدعو لنقاشتراث المَثَل الشعبي من حيث صحته أو حتي ضرورة الإحتكام به.بل كان هناك العديد من المبادرات في أكثر من دولة عربية و العديد من المقالات التي خاضت في هذا الشأن. لتكن تلك المبادرة و المقالة و لو حجر صغير يطرح في تلك البحيرة التراثية العفنة.
 
المَثَل الشعبي – أي مَثَل - قد يبدو صحيحاً جدا فالمَثَل له صوت خاص و قافية تطرب الآذان و بطبيعة شعوبنا البسيطة قد تتقبل المَثَل بأريحية وبدون أي اعتراض او حتي مناقشة و لو سطحية. و لا شك في أن المَثَل الشعبي اليوم يمَثَل جزأ من وعي المواطن و يقبع في تلك الأماكن من الدماغ المسؤولة عن حفظ كل ماهم مسَلَّم و مسَلَّم به من تراث الأباء و الأجداد.تعالوا معاً نستعرض ذلك المسمى بالمَثَل الشعبي نفنده سوياً و نعلي صوت العقل دائماً كما اتفقنا.
كم قالوا لنا الأقارب عند اختيار رفيق السكن أو السفر أوعند اي نوع من أنواع الاختيارات التي تتعلق بالأشخاص " اللي نعرفه احسن من اللي مانعرفوش ". قد يبدوا المَثَل للوهلة الأولي منطقياً فمن الطبيعي أن الشخص الذي تعرف مساوئه ربما يكون أقل خطراً من "الغريب"– علي حد التعبير الشعبي ايضا - . لكن أليس من الممكن أن يكون " اللي مانعرفوش ممكن يطلع احسن من اللي نعرفه " أليس هذا واردا في قانون الإحتمالات.هناك العديدين اليوم من سجناء تلك الأفكار لا يتعرفون و لا يعاشرون أشخاص جدد لرهبة ذلك الغريب – اللي مانعرفوش -.
 
المَثَلفي بعض الأحيان يشجع علي الإستسلام للظروف أو حتي حلها بشكل سطحي :" الباب اللي يجيلك منه الريح سده و استريح " و " علي قد لحافك مد رجليك " أو حتي السكوت خوفا من الخطأ او من أن يتصيد أحد أخطائك " السمكة التي تغلق فمها لن يصيدها احد .. فاغلق فمك ".لما لا نستبدل كل تلك التراهات ببديل لها أكثر ظرافة وإبداعاً : "الباب اللي يجيلك منه الريح افتحه يجيبلك طراوة " و "علي قد طموحك مد رجليك".لنشجع الناس علي إقحام أنفسهمفي قلب الظروف و محاولة تغييرها أو الإستفادة منها بدل من الهروب.
 
هناك الكثير من الأمثال الشعبية التي طبعت مفاهيم خاطئة لدي طبقات الشعب و خاصة تلك الطبقات المتدنية تعليمياً ومادياً التي عادةً ما تتعامل مع المَثَل علي أنه نص منزل لا يقبل النقد.المَثَل الشعبي منتشر جداً في وسط تلك الطبقة ومن المحزن معرفة ان المرأة: الأم و الأخت و القريبة و الجارة و الصديقة و الزميلة قد اهانها المثل بشكل كبير و قد شكل في الوعي العام عدم أهميتها مقارنة بالرجل:
 
"اقعدي في عشك لما ييجي اللي ينشك" و " البايرة لبيت ابوها" و " ام البنت مسنودة بخيط و ام الولد مسنودة بحيط " و " المره لو طلعت عالمريخ اخرتها للطبيخ " و "البنت يا تسترها – الزواج– يا تقبرها – الموت – "و " البنية بلية "... و الكثير من الأمثال الشعبية الاخرى التي تحث الفتاة و السيدة علي الاستسلام لذلك الواقع الذكوري و أن تتقبل أنها أقل منزلة من الرجل بل و كل حياتها وهدف وجودها يتمركز حول المطبخ و السرير. بل و في بعض الأمثال يقلل المَثَل من أهمية رأي المرأة مَثَل" شاوروهن و خالفوهن " و " يا مشاور النسوان يا خسران ". تتواصل كوارث المَثَل الشعبي في تشكيل الوعي بطريقة خاطئة – للأسف – ففي تلك الملحمة الشعرية الشعبية التي سمعت اجزاء منها صغيراً في قريتنا " بطن جاب الولداني اطعموه اللحم الضاني .. بطن جاب البنية اضربوه بالعصيه ... لما قالوا ولد اشتد ظهري و اتسند .. و لما قالوا بنت انهدت الحيطة عليا "يبدو ذلك الجهل الشديد حتى في النظرة الي الفرق بين مولد الفتاة والولد فيقول مَثَل آخر " ما احلي فرحتهم لو ماتوا بساعتهم " و أتعجب كيف من الممكن أن نقبل و نتعايش مع تلك الإهانات الى المرأة في المَثَل الشعبي بل و نواصل إستخدمه.
 
المَثَل الشعبي وصل به الحال في بعض الأحيان الي تجاهل تعاليم الأديان ففي مَثَل"اتق شر من احسنت اليه".قد يبدو المَثَل أنه يشجع علي الحيطة الدائمة و لكن لو قرأنا في الانجيل سنجد آية :
 
" أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ للَكُمْ "
(لوقا 6: 38)
 
و في القرآن سنجدآية:
"هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" (الرحمن: 60)
فالأديان من المفترض أنها تعلم العطاء و الخير و توقع المِثل من الناس أو حتي علي الاقل عدم توقع الشرور و فرض حسن النية.
لا يقدر أحد إنكار دور المَثَل الشعبي أو حتي تجريمه بالكامل فهناك العديد من الأمثال التي تعطي خبرات و دروس حياتية مهمة جداً و علي نقيض أمثال اهانة المرأة هناكأمثال اخرى تمدح الأم .و لكن عزيزي القارئ هل مازال المَثَل الشعبي برئ في عينيك الآن،هل هو صحيح بالكامل ،هل يستحق أن يرفعه البعض الي درجة النص المنزل الغير قابل للنقد بل هل هناك شئ غير قابل للنقد و المناقشة اصلاً! . لنفكر ألف مرة قبل إستعمال كل ماهو تراثي خشية أن يكون خاطئ. لدينا هبة في غاية الروعة و هي العقل .. لنستعمله.