بقلم : ايهاب القسطاوى
«"دماء".. دماء على اسفلت الوطن ، دماء فى العيون ، دماء فى الأفواه .. دماء تسبقها دماء ويتبعها دماء ، كانت دماء 37 طفلًا وامرأة ممن استشهدوا صباح اليوم الجمعة ، بعد ان جردهم القتلة من أموالهم ومصوغاتهم قبل قتلهم ، فى حادث الهجوم المسلح على أتوبيس كان يقلهم فى رحلة من محافظة بنى سويف إلى محافظة المنيا أثناء توجههم لزيارة دير الأنبا صموئيل بالظهير الصحراوى الغربى فى المنيا ، ثمنا باهظا للتخاذل المهين للنظام ، وموشرا قويا على وهن وضعف الدولة وتحلل اجهزتها الامنية وعجزها فى التصدى للممارسا ت الارهابية ، فى مسلسل جرائم لايتوقف ضد اقباط الوطن ، لن يكون اخرها حادث اليوم ، ان حادث اليوم اذ يؤكد الطابع الإجرامي والطائفي للجماعات الوهابية الإرهابية ، التي طالما وضعت الأقباط مرمى هدفًا لجرائمها ، يكشف في الوقت نفسه عدم اكتراث السلطة وتهاونها التام وعجز مؤسساتها الامنية بأمن الأقباط وحمايتهم ، مما يساهم بشكل او بآخر في خلق حاضنة شعبية للدواعش ، فالنظام يلعب دوراً مزدوجاً في التوتر الطائفي ، فبينما هو في حقيقة الأمر يمارس التمييز في أكثر صوره حدة ، ويشجع بممارساته التمييزية نزعات التعصب لدى المسلمين ضد الاقباط ، و يطرح نفسه باعتبارة الحامي للاقباط من الخطر الأكبر ، ليظل النظام هو المستفيد الأول من هذا الوضع ، لقد كان من الطبيعي أن تتزايد الهجمات الطائفية ضد الأقباط ، في الآونة الأخيرة، برعاية كاملة من أجهزة الدولة ، فلم يحاسب النظام ، أحد بعد واقعة تعرية سيدة المنيا القبطية المسنة في مايو من العام الماضي ، والتي كانت تستوجب إقالة حكومة أو وزير الداخلية أو حتى مدير الأمن ، ولكن كافة المسئولين في المحافظة بقوا في مقاعدهم ، ان حالة استمراء ذلك الوضع الخطير سينتج عنه تراكمات تؤدى بشكل مباشر الى اشعال
الموقف وضرب حالة السلام الاجتماعي في مقتل ، إن الوهم الذي يبيعه المدافعون عن الوحدة الوطنية المزعومة لا علاقة له بواقع المعاناة اليومية لجماهير الطبقة العاملة والمقهورين ، ولا يكفي دليلا على وجوده تلك الأمثلة الساذجة عن تآخي المسلمين والأقباط وتبادل التهنئة في الأعياد ، بل أنه في الظروف الحالية بالذات يستطيع النظام أن يبيع هذا الوهم بكفاءة أعلى ، وذلك من خلال تعميم الاضطهاد والقمع بحجة مواجهة الإرهاب الذي يمارس العنف ضد الأقباط ، وليس من خلال الضجيج حول حقوق لن يحصل عليها الأقباط أبدا في ظل النظام الرأسمالي الحالى ، على الجميع ان يدرك ان "انطاع الوهابية" ، تتحمل الجزء الاكبر من حالة تغييب الوعي واشعال الموقف وبث روح الكراهية والتحريض تجاه اى فئة او جماعة او فرد لا ينتمي
إليهم وان لم تقم مؤسسات الدولة بفرض سيادة القانون على الجميع دون تمييز ، فستصبح شريكة لهولاء "القتلة" ، في تحمل النتائج ، ان السبيل الوحيد لعلاج هذا الاجتياح الهمجى لاياتى الا باعلاء لمفهوم دولة القانون والدستور والسعى نحو دولة مدنية حقيقية بمفهومها الشامل التى تعلى من المواطنة و من القيم المدنية ، ان الأجهزة التي تحكم حصارها ، وتمشط الشوارع والميادين والأحياء ليل نهار بحثًا عن معارضيها، وتحشد جحافلها لإجهاض أي بادرة للاحتجاج السلمي ، تهمل تأمين وحماية الأقباط ، رغم علمها المسبق باستهداف تلك الجماعات الإرهابية لهم ، ويوم بعد يوم يتأكد للجميع أن حقوق الأقباط في مصر لن تتحقق في ظل نظام مستبد ، بل ستتحقق فقط في ظل العدالة والدبمقراطية الحقيقية ، إن المواجهة الحقيقية مع الإرهاب والطائفية لا يمكن أن تنفصل عن المواجهة مع الاستبداد والظلم الاجتماعي ، ويبقى الإرهاب الأقوى والأخطر هو إرهاب الدولة».