الشعب هو الحاكم الحقيقي للبلاد
بقلم: رجائي تادرس
في البداية أحب أن أذكر شيئًا وهو أنني سعيد الحظ أنني كنت متواجدًا مع شعب مصر في ميدان التحرير، بدءً من الأسبوع الأول من فبراير حتى يوم التنحي العظيم، حيث شرحنا نغني ونبكي في ميدان التحرير حتى فجر اليوم التالي، لقد عشت لحظات تاريخية في مصر أمي الحبيبة، التي كانت منتزعة منا أكثر من نصف قرن وعلى أيادي شباب مصر العظماء، وشعب مصر القدير تم استرداد مصر مرة أخرى من الحكم الفاسد والفاشي.
إن هذه ثورة وليست مرحلة تغيير ويوجد فرق كبير بين الأمرين...
الثورة هي إسقاط النظام الحاكم والدستور، وتكون الشرعية للشعب وليست للدستور، وقيام الجمهورية الثانية بما فيها وضع نظامًا جديدًا للحكم ودستورًا جديدًا للعمل به.
أما الفرق بين ثورة يوليو ١٩٥٢، وثورة يناير ٢٠١١ فرقًا كبيرًا في الجوهر، لأن ثورة يناير هي الثورة الأولى في تاريخ مصر الحديث، ثورة شعبية عملت وتعمل على تغيير الحاكم ونظام حكمه بالكامل، التف عليها الجيش في آخر لحظة، وقام بالانقلاب وتعهد للشعب بإدارة البلاد لمدة ستة أشهر، إذ أن الجيش يأخذ شرعيته من الشعب، والشعب هو الحاكم الحقيقي للبلاد، غير أن ما حدث في ثورة يوليو ما هو إلا إنقلاب عسكري من الجيش، والتف الشعب حول هذا الانقلاب، وبالتالي أخذت شرعية الانقلاب أيضًا من الشعب وسميت ثورة.
ومن خلال ذلك نحن نتطلع إلى الدولة المدنية البرلمانية مثل دول كثيرة ومنها "فرنسا"، ما هي إلا حكومة منتخبة من قبل الشعب عن طريق الأحزاب القائمة، وتقوم بإدارة أمور الدولة، والرئيس المنتخب من قبل الشعب مباشرة له سلطات محددة في مدة رئاسية محددة، وبذلك نضمن مبدأ تداول السلطة الذي حُرم منه الشعب كثيرًا، وبذلك يكون الرئيس القادم لمصر منتخبًا بحرية ونزاهة، مع مراقبة الإنتخابات من السلطة القضائية، وجمعيات حقوق الإنسان.
إن الرئيس القادم المنتخب في مصر ديمقراطيًا هو الذي يعبر بمرحلة التغييرالقادمة، وتسمى بالفترة الانتقالية الحقيقية، ولذلك لنا بعض الوقفات على ما يدور في أرض الواقع، توجد بعض السقطات العفوية أو المقصودة من قبل المجلس العسكري القائم بإدارة البلاد لفترة محددة، مع الوزارة المشكلة وهي:
1- حتى الآن لم يستجب المجلس العسكري لمطالب الثورة الشرعية، ومنها عزل جميع العناصر المتكونة في الوزارة الحالية من النظام السابق وخاصة رئيس الوزراء، الذي حلف اليمين الدستوري أمام الرئيس المخلوع، وبعض الوزراء منها الداخلية والخارجية والعدل والإنتاج الحربي!!
2- إن الثورة الشعبية هي التي يحتكر بها الشعب المصري بموجب ثورته الشرعية الكاملة، حق إختيار الحاكم وكيف يحكم؟ وإلى متى يحكم؟..
3- استخدم المجلس العسكري القوة ضد المدنيين العزل في تفريق المظاهرات، وبهذا العمل يسترجع ذاكرة العنف والقهر للشعب المصري، الذي قام بها النظام السابق لأكثر من ٣٠ عامًا، وهذا العمل يفقد العسكريين المصداقية والوعود التي أقسم بها للشعب المصري وله تداعيات خطيرة.
4- الإفراط في استخدام الغلظة، ومنها إطلاق النار الحي على بعض الأديرة المسيحية في وادي النطرون، لبنائها أسوار على أراضي غير مرخصة في الصحراء، وهي تمثل لقطاع كبير من الشعب المصري أماكن للعبادة التي لها كلية الاحترام ولهذا أيضًا تداعيات خطيرة.
5- وعد المجلس العسكري الشعب المصري بأنه يدير البلاد وليس طامعًا في الحكم، ولكن تعيين رجل عسكري لإدارة الإعلام المرئي والمسموع الحكومي، هذا له تداعيات خطيرة وهذا يعمل على فقد المصداقية لهذا الوعد وخاصة الإعلام، وما يمكن العمل من خلاله على فرض الرأي الواحد والتعميم وتزوير الحقائق.
6- استخدام رئيس الوزراء الحالي بعض الأساليب القهرية ضد بعض الصحفيين ومع أصحاب القنوات الخاصة لأنه رجل عسكري لا يقبل النقد وهو فوق الجميع وتتعلق بذاكرته بعض العادات السيئة من النظام المخلوع القديم، مع إنه حتى الآن لا يستطيع أن يحكم الأمن في مصر هو ووزير داخليته، ولا يتقدمون بالبدائل في هذه الشؤون، فهل هذه خطة مدروسة أم إعجاز في إدارة البلاد؟؟
لا بد من المصارحة قبل المصالحة!!
لا بد من التعامل مع الشعب المصري بكل مصداقية وشفافية وخاصة في موضوع يثير اهتمام العالم أجمع، وهو ثروة الرئيس المخلوع وعائلته وتقديمه أمام المحاكم الجنائية في مصر.
يقوم الجيش بحماية "مبارك" في "شرم الشيخ"، مع الأخذ في الاعتبار أن شرم الشيخ قطعة من أرض مصر وليست خارج حدود البلاد، لم يتقدم أحدًا حتى الآن بمنع رئيس الجمهورية السابق من السفر، أو القبض عليه أو طلب مثوله أمام النائب العام، على الجرائم التي ارتكبت في عهده، أو إهدار المال العام والتربح من خلال السلطة هو وعائلته.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا..
هل مبارك بعد التنحي فوق القانون كما كان من قبل؟ أم تم اتفاق ضمني من قبل الرئيس المخلوع مع قيادة الجيش على التنحي بشرط أن يعمل الجيش على المحافظة على الشرف العسكري له، وعدم المساس به وعائلته وبعض المقربين إليه مثل صفوت الشريف، زكريا عزمي، فتحي سرور، وأن يعيش ويموت داخل مصر في شرم الشيخ محميًا من قبل الجيش، وكل ذلك لأنه من أحد رجال القوات المسلحة ورجل من رجال حرب أكتوبر، ما هذا التناقض والتضارب؟!! إذا كان هذا بالفعل قد تم فإن هذه هي المؤامرة الكبرى ضد الشعب المصري والجيش معًا.. فثقوا جميعكم لم ولن يهدأ حال المصريين حتى يتم القصاص من كل من روع واستغل وأرهب وسرق الشعب العظيم، فلابد من تجميد جميع الأرصدة الداخلية والخارجية، ومحاسبة جميع المسؤولين في النظام السابق، وعندما نقول "جميع" فنحن نقصد الجميع بدون استثناء، وليس تقديم أكباش فداء لتهدئة الوضع وامتصاص غضب الشعب.. هذا ليس من العدل أو لتصحيح الأوضاع السافرة وإنما تسلكون نفس الألاعيب المتبعة من النظام السابق.. إذن نحن نعيش في ظل النظام السابق مع تغييرات في الوجوه والأسماء فقط!! ولدينا سؤال آخر هل يريد الجيش الانتقال بالبلاد لحياة ديمقراطية ودولة مؤسسات، أم هذا لا يحقق للجيش طموحاته الخاصة من حيث الميزانية والإستقلالية في إدارة شؤونه؟؟ حتمًا إن هناك شئ مريب ومخيف في هذه المعادلة الصعبة...
ليس لدينا ما نملكه من تقديم نصائح لهؤلاء الشباب لأنهم يعلمون جيدًا ما يفعلونه وما فعله الشباب في هذه الثورة الشعبية شرف ومجد لهم ولنا جميعًا تحية إلى شهداء الثورة وثقوا جيدًا أن سفك دمائكم تشيد به مصر عهدًا جديدًا من الحرية والديموقراطية.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :