الأقباط متحدون - محمد عبدالله نصر : من جدل نقد التراث إلي جدلية محاكمة النقد !
  • ٠٠:٥٢
  • الأحد , ٢١ مايو ٢٠١٧
English version

محمد عبدالله نصر : من جدل نقد التراث إلي جدلية محاكمة النقد !

محمود الزهيري

مساحة رأي

٥٤: ٠٥ م +02:00 EET

الأحد ٢١ مايو ٢٠١٧

محمد عبدالله نصر
محمد عبدالله نصر

 محمود الزهيري

محمد عبدالله نصر تم توجيه الإتهامات له في 14 قضية جنائية بزعم إزدراؤه للأديان, وتم الحكم عليه بالحبس والغرامة في 9 قضايا بلغت أحكامها الجنائية بالحبس 13 سنة , ويتبقي من جملة القضايا الجنائية 4 قضايا , وهذا الشيخ الشاب معتل صحياً وحالته تزداد سوءاً يوماً بعد يوم , وحبسه يعرض حياته للخطر , وهو إنسان داعية خير وحب وسلام , ومحب للوطن والمواطنين ولبني الإنسان جميعاً , وكانت رسالته كامنة في نقد التراث ومحاولة تنقيته من القمامة العالقة به والتي دسها فيه الكثير من السفهاء والجهلاء , وكان يتوجب أولاً وقبل محاكمة الشيخ الشاب محمد عبدالله نصر _ أن تتم محاكمة كتب التراث _ وثانياً يتم مقابلة ماقال به من آراء مع قواعد العقل والحكمة والمنطق , وما يتصل بالقواعد الخمس التي بنيت عليها الأديان السماوية الإبراهيمية الثلاث , وكذا حرضت عليها الكثير من الوثنيات والديانات الأرضية , ولكن كانت الجريمة هي السعي والتحريضلنبذ الطائفيات والعنصريات والمذهبيات الجاهلة الضيقة الحقيرة , ونقد التراث الإنساني الذي صنعه بني الإنسان بمساطر عقولهم التي صنعوها بأنفسهم ولم تصنعها لهم الأديان السماوية ..

إن المسار الذي سلكه الشيخ محمد عبدالله نصر , يشبه إلي حد ما , المسار الذي سار فيه الدكتورفرج فودة , إلا أن هناك فارق بينهما في الشكل والأداء والموضوع , فالأخير كانت الدولة تدعمه إعلامياً , والنظام يستخدمه كأداة لتقديم دور وظيفي ضد العصابات الدينية الدعوية بداءة والمسلحة نهايةً , لصناعة حالة توازن بين أمراء الأمن وأمراء الجهاد , والخطيئة التي وقع فيها الأول والثاني أنهما ظنا ؛ مجرد ظن ؛ أن الدولة / النظام , أو النظام / الدولة يدعمه وراض عن أداءه التنويري , وهذه خطيئة كبري يقع فيها بعض التنويريين , فالنظام / الدولة , أو الدولة /النظام , هي التي قتلت فرج فودة , وهذا القتل تحت مسميات عديدة ليس مجال حصرها الأن ..

وكذلك محمد عبدالله نصر , ذلك الشاب الجريء التنويري لحد الوقوف علي عتبات الفكرة السليمة , والنية الصادقة , والتوافق مع العقل والتصالح الذات , والرصد العلمي / الموضوعي الباحث في تاريخانية النصوص ومرماها الإنساني العلمي, وفهمها وسبر أغوارها , وفضح جهل الجهلاء , وسفاهة السفهاء , وتعرية من تجنوا علي النص الديني و من ألبسوه ثياب خزيهم وعارهم, لدرجة أنهم وصفوا مالايجوز وصفه , وذكروا مالايباح ذكره من صناع وفعال أرادوها أن تكون سنة متبعة سواء من ناحية الفعل أو القول أو حتي مجرد التقرير ,, وأقلها مسألة رضاع الكبير ونكاح صغيرات السن , بخلاف قضايا التكفير التي ليس لها حصرو ليس لها نهاية .

محمد عبدالله نصر , ذلك الإنسان الرائع عقلاً في نقده للمسائل الدينية التي تختص بالمفاهيم كان رائعاً وملجماً لخصومه من أدعياء الدفاع عن الله ورسوله وحماة كتابه ودينه بالكذب والزور , وهم أول من عرضوا الدين للجدل والجدال الذي يبتعد بالشباب عنه ليدخلوا في ملاذات الإلحاد بعيداً عن الخلافات والإختلافات التي وصلت لمسائل العقيدة والإعتقاد , فكان الإلحاد لهؤلاء الشباب بمثابة ملاذ آمن لهم من تلك الترهات والتفاهات التي قد تنتهي في نهاية مطافات نقاشاتها وجدالاتها إلي التكفير واستباحة الدماء والأموال والأعراض من جانب سفهاء العقول أدعياء الدفاع عن السماء , من أرباب فقه المراحيض وسد عورات الجسد والختان والنخامة ورضاع الكبير .

محمد عبدالله نصر , إستهزيء به التافهين عقلاً , فتعرضوا لشخصه ولم يتعرضوا لأرائه التي فضحتهم وكشفت سوءآتهم المغلظة البغيضة , فثنوا عن الرؤية والتصور والفكرة وذهبوا صاغرين للإستهزاء به تحت مسمي الشيخ " ميزو" , وهو في ذات الوقت الشيخ الأزهري المعمم, خريج جامعة الأزهر من الدارسين بوعي للقرآن والحديث والفقه وأصول الفقه والسيرة وغير ذلك من الدراسات والأبحاث سواء بالأزهر أوخارج إطار المؤسسة التعليمية الأزهرية , بجانب أن سفهاء الرأي والتصور , لم يعثروا علي إجابات شافية مقنعة للرد بها علي ماذهب إليه محمد عبدالله نصر في نقده للتراث ومحاولة تنقيته وإزاحة ماشابه من قمامة عقلية وفكرية , فكان دأبهم كدأب العصابات الدينية التي تمتلك تلك المسطرة التي تقيس بها صحة الرأي أو الفكرة أو التصور , وماهي إلا مبسوطة علي مدي موافقتها لمزاجهم الديني أو غرائزهم السياسية الموظفة للتخديم علي الإستبداد والطغيان ودوائر الفساد !!

وأسوء القول أن قضايا الرأي ماكان لها أن تذهب إلي أقسام الشرطة ونيابات أمن الدولة أو الأمن الوطني , والمحاكمات الجنائية , وكأن وجود رأي جديد أو فكرة مختلفة أو تصور جاد , أو علي غير ذلك من الوصف والتشبيه للفكرة والرأي والتصور وإن كانت علي قدر من السفاهة والسقوط , ماكان لها أن تذهب بصاحبها إلي الأمن الوطني , وكأن هذ ا الأمن الوطني سيختل وستهتز أركان الدولة للرأي والرأي المخالف , فبدلاً من إثراء الفكر والرؤي والتصورات لإنتا ج مفاهيم ورؤي وتصورات تعيد للعقل مكانته , وللوجدان حيزه المسلوب , وللحرية قدسها المدنس بالمصادرة والترهيب والتلويح بالأصفاد والسلاسل والجنازير وصرير أبواب الزنازين والمعتقلات , في عودة سفيهة مجرمة لعصور الظلام التي يكون فيها الحاكم الأوحد , صاحب الرأي الأوحد , والمذهب الديني الأوحد , وكأنه إله أو نصف إله , يحكم ويأمر وينهي , والمخالف يكون جزاؤه القتل , وهذا مارأيناه طوال فترت تاريخية طويلة في تاريخ النظم السياسية والقانونية والإجتماعية للدول والشعوب والتي يكون دينها ومذهبها الديني هو دين الحاكم والسلطة الحاكمة التي كانت أداتها الغصب , لدرجة أن الفقهاء أفردوا لحكم الغصب للحكم والسلطة أبواباً ودراسات وأفردوا لها آيات وأحاديث يبرروا بها لسلطة الغصب, وكانت مذاهب الناس الدينية تتغير حسب إرادة الحاكم , وهكذا كان الأزهر الشيعي قبل أن يكون الأزهر السني علي حسب هوي الحاكم وحسب معتقده الديني المذهبي / الطائفي !

محمد عبدالله نصر , لم يزدري الدين , ولم يحتقره ولم يفسره علي هواه , وحسبما أراد فإنه كان يستخدم أسلوب الصدمة لعرض الأفكار والرؤي والتصورات حتي ينشغل أدعياء التدين المصطنع أو المغلوط , بتلك الأفكار , ويعملوا فيها العقل , وهذا ما أزعجهم كثيراً وأثبت فشل حجتهم وعجز دليلهم , وفساد تصورهم , لأنهم مازالوا يؤمنوا بفكرة الطاغيةالمستبد العادل , وفكرة تبرير الظلم والفقر والمرض , لأن في الإنتظار الإمام الغائب أو المهدي المنتظر الذي سيملأ ربوع الأرض خيراً وعدلاً ورفاهية , وما عليهم إلا الصبر حينما يأتي الإمام الغائب أو المهدي المنتظر , وفي هذا تكريس لفقه الصبر علي جرائم السلطة وعربدتها وسلبها ونهبها واستحلالها لأرواح وأجساد وأعراض وأموال الناس بالباطل والغصب والإكراه , أو الحبس والسجن والإعتقال والتعذيب , وتاريخ العرب المسلمين وغير المسلمين مكتظ بجرائم الرأي والتجديف وازدراء الأديان .

محمد عبدالله نصر , لم تكن لديه الحنكة وخبث الحديث وسوء النية وسفاهة الطوية , ولكنه كان أكثر جرأة وشجاعة في غير محلها أحياناً وأحياناً أخري في محلها , وقد حفروا له حفر ليوقعوه فيها بدلاً من الإيقاع برؤيته وفكرته وتصوره , فتحدثوا معه في قضايا الموسيقي والغناء والرقص والفنون الأخري التي تشكل الوعي الجمعي علي رفضها في العلن وقبولها وتعظيمها في السر لدي غالبية غالبة من الناس اليوم , فكانت آراؤه صادمة , ومن ثم تصيدوا له الأخطاء المبررة , والغير مقصودة لذاتها , ولكنها موجودة وقائمة ويمارسها الناس , كمن يعشق فن الباليه ولكنه لايقبل لزوجته أو إبنته أن تتعلمه وتمارسه , وهذا علي أبسط التقديرات والتصورات لشرح المعني .

ماكان لمن تقدموا بالشكاوي والبلاغات ضد محمد عبدالله نصر أن يصنعوا هذه الصنائع ويفعلوا هذه الفعال , بل , كان يتوجب عليهم أن يدخلوا معه في مناظرات ومناقشات علنية , ومحاكمة الأراء محاكمة علنية من غير تصيد لخطأ أو تحين لفرصة الإنقضاض , ومحاكمة الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة والتصور بتصور آخر مغاير , ولكن المحاكمات الجنائية جعلتهم وجعلت منحاهم بإتجاه مايقول به أو يراه ويتصوره يلقي الكثير من الإهتمام علي عكس ما أرادوا من وأد الفكرة والرؤية والتصور , فكان الإقبال علي آراؤه كبير والنظر فيما يقول كثيف , وتم إعلاء شأن أفكاره وآراؤه وتصوراته ,ليكون مادة مثيرة للجدل والنقاش , وبالفعل سيكسب فكر محمد عبدالله نصر , وستنتصر آراؤه , لأنها ستجد من يحملها بعده , وذلك بعد أن سلط أعداؤه _ ولن أقول خصومه في الفكر والرؤية والتصور _ الضوء علي شخصه , لينبري الكثيرين في البحث عن هذا الشخص وصولاً لما قال به أو اعتقده صواباً أو خطئاً , ليعيدوا إنتاج أفكاراً ورؤي وتصورات أكثر إنفتاحاً وقبولاً للأغيار في الرؤي والأفكار والتصورات .
وفي النهاية , وهذه ليست نهاية , وقد تكون بداية :

فإن المجتمعات والدول الغير عربية/ إسلامية , انتقلت للحريات الفردية والإجتماعية عبر دولة القانون والمواطنة القائمتين علي تأصيل وتعزيز الحقوق والواجبات المتساوية المتكافئة بعدأن تساوي المواطنين في المواطنة , وبعد أن تم التأصيل لقاعدة قبول الآخر الديني , وقبول أي آخر في اللون والنوع والجنس والجهة الجغرافية , وصارت هذه القاعدة أصل من الأصول , لتقوم تلك الدول والمجتمعات كذلك , بالتأسيس لثقافة الإختلاف ونشرها والعمل علي تعزيزها وتأصيل وجودها , لأنها مجتمعات لاتؤمن بثقافة القطيع أو ثقافة الإستعباد والوصاية السياسية أو الدينية !!
وأقول للشيخ محمد عبدالله نصر : الأيام تمر سريعاً , وهذه التجربة ستفيدك وتعزز آرائك وأفكارك وتصوراتك , وتجعل ساجنيك أسري , وأنت حر , لأن الأسر ليس داخل الأسوار والحوائط , ولكنه الأسر العقلي , والأسوأ منه هو الأسر النفسي !
وفي النهاية :

محمد عبدالله نصر :
لقد انتصرت علي من سجنوك , وتحررت أنت , وتحررت أفكارك ورؤاك وتصوراتك حتي وإن كان بعضها خاطيء , لأنها ستعيد للبحث والتفكير آفاقاً كانت مغيبة عن عمد وعن سوء قصد وستنتقل بالعقل الجمعي من جدلية محاكمة النقد إلي جدل النقد لتتحرر العقول والأفهام وترتقي التصورات !