بقلم: سامي إبراهيم
الشعب في"مصر"هو من قام بالثورة وأسقط النظام، وغيّر وبدّل وكتب أسمه في صفحات التاريخ المشرقة، وسيخلد يوم 25 يناير لمئات السنوات القادمة، لكن الشعب بالمقابل مفهوم عام ولا يمكن له أن يقود، بل يحتاج لرؤوسٍ وعقولٍ مدبرة بإمكانيات عقلية وفكرية خارقة توجهه وتسيره على الطريق الصحيح. يُعرّف"هيجل"الشعب في كتاب"هيجل والمجتمع": "الشعب _إذا كنا نعني بهذه الكلمة جزء خاصًا من كتلة أعضاء الدولة_ فإن الشعب يعبر بالضبط عن القسم الذي لا يعرف ماذا يريد.
هل انتصرت الثورة في مصر؟!
لنتفاءل ونقول أنها حققت كبداية انجازًا عظيمًا، وهي إسقاط الرمز الأعظم للنظام، أو على الأقل فإنها وضعت رجلا على الطريق الصحيح. ولكن لنتساءل ونقيم نجاح الثورة بعيدًا عن مثالية، وبعيدًا عن تحميلنا للأمور أكثر من طاقتها، بل هي أسئلة في غاية البساطة وبعيدة عن أية مطالب خيالية صعبة التحقيق بين ليلة وضحاها: وهنا نقول: من يقود الثورة في مصر؟! من يرسم طريقها؟! من يوجه الشباب الثائر الذي اسقط رمز النظام؟! من يخطط لمستقبل الثورة؟! ومن يخطط لمصير الثورة؟! من يخطط لمستقبل ومصير مصر؟! أين هو جان جاك روسو الثورة المصرية؟! من هو لينين الثورة المصرية؟! من هو ماو تسيتونغ الثورة المصرية؟! من يفاوض من؟! المشكلة الآن مع من؟! هل حقق الشباب الثائر غايته؟! وإذا لم يحققها، لماذا إذاً لم يستمر في ثورته حتى سقوط الحكومة وليس رحيل"مبارك"؟!
أليس هذا لأن الشباب لم يكن موجهًا وواعيًا ومقودًا من قبل رؤوس مفكرة وفلاسفة متبحرة؟! ..
دين الدولة هو الإسلام؟!
طيب ما ذنب أكثر من 12 مليون قبطي؟! بأي حق وبأي تشريع تعامل أفراد وهم أصحاب البلد الأصليين كمواطنين درجة ثانية؟! هل (الدولة) هي (إنسان) حتى يكون دينها الإسلام؟! يعني تخيل يقولون لك دولة (شقراء) لمجرد أن غالبية سكانها بلون شعر أشقر! أو دولة (سمراء) لأن عدد سمر البشرة فيها أكثر من عدد بيض البشرة! أو دولة (زنجية) لأنه مثلاً عدد الزنوج أكثر من عدد اللازنوج! هل الإسلام هو (قارة) حتى نقول عن دولة أنها إسلامية بنفس منطق توصيفنا لدولة على أنها آسيوية أو أوروبية أو افريقية؟ بأي منطق يتم التعميم؟! فالأديان في البلد الواحد متعددة، تماما مثلها مثل الأعراق والألوان والانتماءات العقائدية والعشائرية... ما يهمّنا من هذا الكلام هنا هو أن الذي سيقوم بالتغيير هل ستكون لديه القناعة بأن هذا البند لا يمت للمنطق بصلة؟! أي حكومة ستتجرأ على إلغاء هذا البند من الدستور؟! وإذا بقي هذا البند، كم سيؤثر هذا على تحقيق ديمقراطية حقيقية؟! فلقد أصبح هنا تمييز الإنسان بناء على دينه وهذا ما يخالف ليس مبادئ الديمقراطية فحسب بل (مبادئ) حقوق الإنسان!. أكثر من 12 مليون قبطي يشكلون قوة علمية وثقافية واقتصادية واجتماعية ودين الدولة هو الإسلام!! لماذا؟! أي ظلم هذا؟! الدولة هي مصطلح يدل على شعب يسكن على أرض محددة لديها حكومة شرعية، فكيف تكون بدين معين؟ من سيضع المشكلة القبطية على الطاولة ويطرحها؟ أم أن الجميع سيعلن أنه لا وجود لقضية قبطية بل هي فتنة أمريكية تثيرها أمريكا متى تشاء وتخمدها متى تشاء؟ .................................... هل تساءل أحد عن المساعدات الأمريكية التي تقدر بملايين الدولارات؟ هل توقفت؟ هل ما تزال مستمرة بالتدفق؟ من يأخذها؟ من يصرفها؟ كيف يصرفها؟ على أية مشاريع أُنفقت أو تُنفق؟ أين هي كشوفاتها؟ ....................................... من يكتب القوانين الجديدة؟! أليس الأجدر من بلد شغر فيه منصب رئيس الجمهورية أن يبدأ بالتحضير لانتخابات رئاسية؟! لماذا لا تبدأ الأحزاب بالتجهيز والتحضير لحملاتها الانتخابية؟! ما الذي ينتظره المصريون لانتخاب رئيس للبلاد؟! لماذا الانتظار لأشهر؟! كيف استفاد المصري من هذه الثورة في تحسين وزيادة دخله وتحسين حياته وظروف معيشته؟! وإذا لم تتحسن أحواله بعد، فكم عليه الانتظار؟! ما هي المدة التي عليه أن ينتظرها بفارغ الصبر هو وأولاده الجائعون؟! أكثر من ثلاثين مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر؟! أي حلول جديدة تدرس لرفعهم فوق خط الفقر؟! . لماذا يرتضي المصري بشرعية الحكومة الحالية؟! فإذا كان يحملها المسؤولية كاملة عن سبب تدهور الأوضاع المعيشية وحالة الفقر والبؤس التي يعيشها لماذا لا يطالب بمحاكمتها؟! وإذا حاكمها من هي الجهة التي ستحاكمها؟! من سيحاكم رموز النظام؟! أليس القضاء أكثر الجهات فساداً في مصر؟ أليس القضاء جزءً لا يتجزأ من النظام وركناً أساسياً من أركان النظام؟! أليس النظام هو من وظّف وعيّن القضاة بحسب أهوائه؟! فلأي مدى ستكون هناك محاكمة عادلة للمسئولين؟!.
هل انتصرت الثورة؟
لنتفاءل قليلاً ونقول أنها حققت الانجاز العظيم وهي الآن وضعت رجلاً في الطريق الصحيح. ولكن يعترضنا تساؤل آخر: لماذا لم يطلق صراح المساجين السياسيين في السجون المصرية؟! هل هذه أيضًا خطوة عظيمة وتحتاج لتخطيط ودراسة الفرد لاستيعاب الديمقراطية الحقيقية؟! هل هذه الخطوة أيضا تحتاج لسنوات من الإعداد النفسي والفكري للإنسان المصري؟! هل هذه الخطوة هي بتعقيد اختراع القنبلة الذرية؟! ألم يكن من المفروض أن تكون هذه الخطوة هي أول شيء يتم فعله بعد رحيل"مبارك"؟! فهذه الخطوة لا تتطلب مثالية ولا تتطلب زمن طويل حتى تتحقق!! بل قل لماذا لم يطلق سراح الشباب الذين شاركوا في التظاهرات وسجنوا من قبل النظام الذي من المفترض أنه سقط؟! هل هذه أيضًا مطالبة مثالية وتحميل للأمور أكثر من طاقتها؟! ألم تنتصر الثورة؟! ألم يهلل ويرقص ويبتهج الشعب المصري في ميدان التحرير لنجاح الثورة؟! إذاً لماذا لم يطلق سراح من هم في السجن ومن قاموا بهذا الانتصار؟! . من سيدفع تعويضًا لعائلات الضحايا الذي سقطوا أثناء المواجهات؟! أم أن بضع مئات من الشباب في ريعان العمر لا قيمة لهم؟! بالأحرى أي جهة (أحزاب، منظمات، مؤسسات..) تطالب الآن بدفع تعويض فوري لعائلات الشباب الذين استشهدوا وخلفوا ورائهم أمهات ثكالى وزوجات أرامل وأطفال يتامى؟! ...الحكومة هي النظام الحاكم، والنظام الحاكم هو الحكومة، فإذا كانت الحكومة ما تزال قائمة بالأعمال فأي نظام سقط؟ لنقارن بين سقوط النظام في مصر من جهة وبين سقوط النظام في تونس والعراق من جهة ثانية.
• في العراق اختفى"صدام حسين"وأختبئ في جحر وتم الاستيلاء على قصوره وممتلكاته، في تونس فر"زين العابدين"وهرب وتم الاستيلاء على قصوره وممتلكاته.
أما في مصر فبقي الرئيس"مبارك"في بلده في قصوره ولم يقرب أحد من ممتلكاته!
• في العراق تجمدت على الفور جميع أرصدة وأصول"صدام حسين"وعائلته في البنوك الغربية، في تونس تجمدت جميع أرصدة وأصول"زين العابدين بن علي"وعائلته في البنوك الأوروبية والأمريكية. أما في"مصر"فلم تتلقى أي دولة غربية طلبا من مصر بتجميد أموال مبارك؟!
• في العراق ألقي القبض على"صدام"وسُجن وأذل وحوكم محاكمة مسرحية انتقامية وشنق في صباحية يوم العيد! ، وفي تونس تم تحرير مذكرة اعتقال فورية من قبل الأنتربول الدولي بحق بن علي.
في مصر تم تقديم الشكر الجزيل والثناء على خدمات"مبارك"مع انحناءة بالرأس له!!
• في العراق لوحق جميع أفراد النظام من وزراء وعسكريين وقياديين في المخابرات، وجميع من كان في المحور المحرك للدولة، وألقي القبض عليهم وحوكموا جميعهم وأغلبهم تم شنقه. في"تونس"تم حل الحكومة على الفور وهذا أمر بديهي لم يناقش فيه أحد ولم يختلف عليه اثنان، وتم تشكيل حكومة جديدة مؤقتة تقوم بالأعمال وتسييرها، لتمهد لحكومة منتخبة انتخابًا ديمقراطيًا قادمة في المستقبل القريب. أما في مصر ظلت الحكومة قائمة بأعمالها، ظل الوزراء محتفظين بمناصبهم، ولم يقترب أحد من قياديي الجيش مع أنهم من أهم أركان النظام الحاكم في مصر، فحافظ الجيش على تشكيله وهرميته وعناصره القائدة، وبقيت الشرطة محتفظة بقيادييها الذين كانوا جزءًا رئيسيًا في النظام ومشاركين له في جميع خطواته وأعماله، جهاز المخابرات محتفظ بالكامل بجميع أعضائه الذين تم تعيينهم من قبل"مبارك"، بقية جهات الدولة الأمنية في مصر ظلت محتفظة بقيادييها الذين تم تعيينهم من قبل مبارك، فالأمن العسكري والأمن السياسي والأمن الجنائي والأمن القضائي ما يزال هو الذي يقود ويخطط ويوجه ويسجن ويغتال. ...........من يفكر بإلغاء وزارة الأوقاف؟! ما لزومها؟! وزارة الأوقاف أليس تجسيدًا حقيقيًا لعنصرية الدينية، وعائقًا حقيقيًا في سبيل تشكيل حكومة ديمقراطية قادرة على تحرير الشعب من قيود عبوديته لسنوات طويلة؟! تحوي هذه الوزارة آلاف الوظائف لمعتنقي الديانة الإسلامية! أليس هذا قمة في العنصرية والتعصب الديني؟! من سيطالب بإلغائها ومن يجرؤ على تجريدها أراضيها التي تقدر بملايين الدولارات في بلد يعيش ثمانية مليون من سكانه بين القبور؟!
من يفكر في أن آلاف المساجد وما يرافقها من مدارس دينية شرعية تحكم المصري وتشرنق ملايين المصريين في مؤسسات دينية من الممكن أن يقتل أي بوادر لديمقراطية تلوح في الأفق؟! آلاف المساجد التي تقود المصري وتوجهه حسب عقليتها الدينية وتلعب على حبل غرائزه وأهوائه ومشاعره ستؤخر مفهوم واستيعاب الشعب المصري لحرية حقيقية تؤدي لديمقراطية حقيقة، وستؤخر الوعي لسنوات طويلة بحيث لا يتمكن الجيل الذي قام بالثورة بأن يقطف ثمار نصره. .........
صحيح أن الثورة في"مصر"ينقصها شروط عديدة لتحقق نجاحها وصحيح أنه تعترضها عشرات العقبات التي تقف في طريق نموها الفعلي، لكن تبقى ثورة 25 يناير بداية فجر جديد لأبناء"مصر"، وتبقى الطريق الوحيد الذي يحقق حرية الإنسان في مصر ويسير به على خط التقدم والتحرر والديمقراطية، وتصل به إلى مستويات ثقافية علمية إبداعية لتتولد قيم أخلاقية جديدة تستبدل القيم الأخلاقية للماضي وموروثة الثقيل البالي الذي أفرز طبقة حاكمة ولدت الآلام والدموع والجهل والفقر والجوع لدى الشعب المصري، لتنتج هذه القيم الأخلاقية الجديدة جيلاً جديدًا يعشق بلده ويعشق شعبه ويعمل بكل إخلاص وتفاني من أجل صنع حياة راقية تليق بالإنسان.