الأقباط متحدون - ظواهر فيسبوكية
  • ١٧:١٧
  • الاربعاء , ٢٦ ابريل ٢٠١٧
English version

ظواهر فيسبوكية

منير بشاي

مساحة رأي

٣٨: ٠٦ م +02:00 EET

الاربعاء ٢٦ ابريل ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم منير بشاى
    أتذكر فى فترة حكم الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر ان جهاز أمن الدولة كان يتحكم فى كل كلمة تنشر وكل كلمة يقرأها الناس.  وكان رجال الامن يمرّون بصفة دورية على المطابع لمتابعة ما يطبع.  بل ان من يمتلك آلة كاتبة سواء فردا او هيئة كان يفرض عليه ان يرسل لجهاز امن الدولة بصمة لحروفها.  والهدف انه لو كتب احدهم منشورا معاديا للدولة تستطيع اجهزة الامن مضاهاته بما عندها من بصمات لمعرفة المصدر.  واتذكر اننى استدعيت مرة لأمن الدولة للمساءلة لاننى طبعت لكنيستنا نشرة دينية ولم اكن اعلم انها كانت تحتاج الى ترخيص.

اليوم ومع ظهور الحاسوب الشخصى وانتشار برامج التواصل الاجتماعى مثل الفيسبوك اصبحت عملية التحكم فيما ينشر ضرب من ضروب المستحيل.
    أحدث انتشار الفيسبوك ثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية.  اصبح من النادر ان ترى انسانا متعلما غير مشارك فيه.  وكل مشارك لديه قائمة من الاصدقاء الالكترونيين قد يصلوا 5000  وكل واحد من هؤلاء له اصدقائه وكل صديق له اصدقائه وهكذا.  وبذلك اصبح ممكنا ان واحدا يبث معلومة فى الفيسبوك فتدور الكرة الارضية عدة مرات خلال دقائق.

    ولذلك اصبح الفيسبوك أداة يصعب ضبطها والتحكم فيها ومن هنا كانت خطورتها وايضا مزاياها.  وهذه بعض الظواهر المرتبطة بالفيسبوك.

ادمان الكذب
الادمان اخطر مشاكل الفيسبوك.  هناك من اصبح يلازم الفيسبوك معظم ساعات النهار وبعض ساعات الليل.  وهذا قد يؤثر على التزامات الحياة وقد يقتطع من اوقات النوم.  ومن اخطر المشاكل ظاهرة التزييف حيث يحاول المشاركون اخفاء هويتهم ويظهروا باسماء وهمية ويغيروا من الحقائق لخدمة اهدافهم.  ونتيجة لذلك اصبح من الخطورة الاعتماد على مصداقية ما ينشر فى الفيسبوك الا ما ينشر من اشخاص او منظمات نعرفها شخصيا.  وفى هذا الاطار قيل ان الاخوان عملوا حسابات وهمية فى الفيسبوك باسماء مسيحية وتشتم المسلمين لاحداث الوقيعة بين المصريين.

ادعاء البطولات
لان من يكتب فى الفيسبوك قد لا يعرفه الكثير من الناس فمن هنا كان تحت الاغراء ان يتظاهر بمظهر الذى يقوم بالبطولات.  ومن كثرة ترديد الاكاذيب اصبحوا يصدقون كذبهم.  والبعض قد يكون له مقدرة التاثير على الناس بحيث يتبعونه بطريقة عمياء وينصاعوا الى افكاره التى قد تكون كاذبة خاطئة وهدامة.

تعدى المقدسات
    ومن اعراض الفيسبوك التشكيك فى كل شىء والحط من القيم المتعارف عليها.  لم يعد هناك خطوطا حمراء او تحديدا لما يليق او لا يليق.  النقد اصبح مباحا والتطاول اصبح شيئا عاديا والاهانات لا رادع لها ضد اى شخص مهما كان مركزه الاجتماعى او الدينى.  والذى يسهّل من الامر عدم وجود مواجهة فعلية فالمشارك يعمل من داخل الغرف المغلقة واحيانا تحت اسماء وهمية ويهينوا حتى رؤساء البلاد ويتعدوا بالكلمات الجارحة على الرموز الدينية على خلاف ما تعودناه.

تحطيم الحدود
الحدود الجغرافية لم يعد لها وجود.  لم يعد فى الامكان معرفة مكان وجود من يكتبون فى الفيسبوك  او مدى قوتهم العددية.  وقد نجحت بعض هذه التنظيمات الفيسبوكية من تنظيم ثورات استطاعت اسقاط حكومات لم يكن يتصور احد انه فى الامكان زحزحتهم من الحكم.  ومن خلال الفيسبوك امكن تحطيم الستار الحديدى الذى فرضته بعض الدول مثل السعودية فيما يتعلق بالدين.  فمثلا كان غير مسموح دخول المرسلين الى اراضيها او دخول الكتاب المقدس او تشييد الكنائس او حتى مجرد الصلاة المسيحية داخل غرفة.  كل هذه الاجراءات اصبحت لا فاعلية لها نتيجة ما يبث فى الفيسبوك.  والآن من داخل السعودية تكوّنت كنائس تحت الارض بل ظهرت وانتشرت اديان اخرى كما ان هناك الملايين من المواطنين الذين اعتنقوا الالحاد.

تسطيح الفكر
    المعلومات على الفيسبوك تظهر وتتغير كل ثانية.  والمتابع للفيسبوك اصبح يتسابق مع الزمن للحاق بسيل المعلومات.  ولذلك اصبح الناس لا يملكون رفاهية التمعن فيما يقرأون.  بل غالبا ليس لديهم الوقت لقراءة اى شىء يستغرق اكثر من دقيقة او اثنين.  معظم البوستات اصبحت لا تزيد عن سطور  قليلة بل اصبح بعضها يتكون من مجرد جملة واحدة.  ومن هنا اصبحنا نعانى من السطحية فى التفكير وعدم الرغبة فى التعمق والغوص فى القضايا لمعرفة ابعادها المختلفة.

    ومع ذلك فالفيسبوك مجرد اداة يمكن ان تكون ضارة ويمكن أيضا ان تكون مفيدة.  لقد اقتحم الفيسبوك حياتنا بدون انذار وتسبب فى هزة عنيفة لحياتنا وسوف يستمر يهز حياتنا الى ان نعرف كيف نتكيف معه ونحيد من تاثيره الضار ونستفيد من تاثيره المفيد ونطوعه لخدمة البشرية.