فوز إردوغان انتصار الريف على المدينة
د. عبد الخالق حسين
الخميس ٢٠ ابريل ٢٠١٧
د.عبدالخالق حسين
لم نفاجأ بنتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى في تركيا يوم الأحد المصادف 16/4/2017 ، والذي تمخض بفوز ما أراده الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تعديل الدستور لصالحه من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، الذي يمنحه سلطات واسعة بلا رقابة عليها. و جاءت النتيجة بفارق ضئيل جدا 51.41% في صالح التعديل مقابل 48.59% ضده. فالحملة الدعائية الأحادية الجانب التي سبقت الاستفتاء، كانت تقود إلى هذه النتيجة. وقد طعن بولنت تزجان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري في تركيا في نتيجة التصويت لما وصفه بأنه خروقات، من بينها استخدام أوراق تصويت غير مختومة. وطالب بإعادة فرز 60 في المئة من الأصوات، وحتى بإلغاء الاستفتاء، وإنه سيتحداه أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. كما طعن حزب الشعب الديمقراطي الموالي للأكراد في نتائج الاستفتاء أيضا.
والجدير بالذكر أن المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة، و أزمير صوتت ضد التغيير. وكذلك صوت الأكراد في الجنوب الشرقي بـ(لا). بينما معظم الأصوات المؤيدة للتغيير جاءت من الأرياف حيث غالبية السكان متدينين وأميين وليسوا معنيين بالديمقراطية، ومن السهولة خداعهم باسم الدين. إذ غني عن القول أن سكان المدن وخاصة الكبرى منها هم أكثر ثقافة و وعياً بالسياسة، وفهماً للديمقراطية وشروطها وأهميتها في حياة الإنسان من سكان الأرياف. وبذلك فقد أثبت هذا الاستفتاء أن تركيا كأية دولة من العالم الثالث، لم تتخلص بعد من سيطرة ثقافة الريف على المدينة. وكان إردوغان قد اعتمد في تجييش الريف لتحقيق أغراضه، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
تجاوزات الحملة الإعلامية للإستفتاء
بشهادة المراقبين الدوليين، حصلت تجاوزات كثيرة إثناء الحملة الدعائية التي سبقت الاستفتاء، وتقصير متعمد في عدم توضيح القصد من الاستفتاء، وذلك كما يلي:
1- أفاد المراقبون الدوليون ومراسلو الإعلام العالمي أن الحملة الدعائية كانت أحادية الجانب، فمعظم الإعلانات والصحافة والمحطات التلفزيونية الحكومية كانت تروِّج لمعسكر(نعم)، أي لصالح التغيير، وبمساعدة الأجهزة الحكومية التي ضيقت الخناق على المعسكر الآخر (لا). إذ لم تكن هناك مناقشات تلفزيونية بين أنصار التغيير ومعارضيهم كالتي نشاهدها في حالة الاستفتاءات والانتخابات الغربية.
2- اعتمد أنصار إردوغان على تشويه سمعة وصورة المعارضين للتغيير بأن الذين يرفضون التعديل هم مع الإرهاب وخونة للوطن.
3- لم يوضحوا للشعب ماذا يعني تغيير الدستور من تعديلات ومنح رئيس الجمهورية الذي كان شرفياً إلى رئيس تنفيذي يحصر في يده صلاحيات واسعة، أشبه بالنظام الأمريكي والفرنسي، والذي قد يصلح للديمقراطيات الناضجة، ولكنه لا يصلح لديمقراطية غير ناضجة في بلدان العالم الثالث، وخاصة لرئيس مثل إردوغان المعروف بتعطشه للإستبداد، وتحوله إلى سلطان عثماني في القرن الحادي والعشرين يحلم بإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية.
4- لم يكن على بطاقة التصويت في الاستفتاء سوى خيار "نعم" و "لا"،
أهم التعديلات الدستورية كما يلي:
أ- تهميش دور البرلمان وحصر السلطات بيد رئيس الجمهورية الذي من صلاحياته حل البرلمان وإعادة الانتخابات في أي وقت يشاء،
ب- إلغاء منصب رئيس الوزراء، ونقل مسؤولياته إلى رئيس الجمهورية،
ج- رئيس الجمهورية يصبح رئيساً تنفيذياً، وهو الذي يختار الوزراء ويقيلهم متى شاء،
د- رئيس الجمهورية هو الذي يعيِّن كبار القضاة، ونائب أو نائبين له،
هـ- إعداد الميزانية، وسن قوانين معينة بمراسيم رئاسية.
و- يُحرم البرلمان من حقه في استجواب الوزراء أو المطالبة بتحقيقات في أدائهم،
ز- الرئيس مخوَّل بإعلان حالة الطوارئ متى ما أراد ، وتركيا الآن في حالة الطوارئ منذ المحاولة الإنقلابية الفاشلة، ومددها الآن لثلاثة أشهر أخرى،
وبناء على ما تقدم، فهذا يعني حصر السلطات التي كانت في النظام البرلماني بيد البرلمان إلى نظام دكتاتوري مستبد، أي ما يسمى بدكتاتورية منتخبة.
ونظراً للسلبيات التي رافقت الحملة الدعائية قبل الاستفتاء، وضآلة الفارق بين المؤيدين والمعارضين للتغيير، فالمراقبون الدوليون وأغلب المعلقين السياسيين يطعنون في مصداقية ما تمخض عنه هذا الاستفتاء.
ولذلك نعتقد أن إردوغان الذي يتزعم حزباً إسلامياً باسم (العدالة والتنمية)، وهو الاسم الحركي المضلل الخادع لحزب (الأخوان المسلمون) التركي، قاد بلاده من نظام برلماني ديمقراطي إلى نظام دكتاتوري من شأنه مواصلة عملية أسلمة المجتمع التي بدأها على نار هادئة قبل 14 عاماً، والتخلي عن العلمانية الديمقراطية التي أسسها مصطفى كما أتاتورك عام 1923. وهذه ردة حضارية، ورجوع إلى الوراء، وكارثة على الشعب التركي وحتى على دول المنطقة.
وفي هذا الخصوص كتب يافوز بيدر، أحدد مؤسسي منصة P24 للصحافة المستقلة في تركيا مقالا في صحيفة الغارديان بعنوان "الجمهورية التركية كانت مريضة، وبعد الاستفتاء أصبحت ميتة". قال فيه: "أن تركيا التي نعرفها انتهت، أصبحت تاريخا". ويشبه الكاتب الوضع بالأحداث التي وقعت في ألمانيا بدءا من عام 1933: "حريق الرايخستاغ، وليلة السكاكين الطويلة، ثم الاستفتاء الذي أعقب ذلك عام 1934، كما أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة القص واللصق".
إن فوز إردوغان نموذج واضح للدكتاتورية المنتخبة، وأفضل تعبير عن هذه الحالة المؤسفة والمقلقة جاء على لسان رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوك راسموسن على حسابه على موقع تويتر: "من الغريب أن نرى الديمقراطية تقيِّد الديمقراطية. الأغلبية لها الحق في أن تقرر، لكنني قلق جدا بشأن الدستور التركي الجديد".
والجدير بالذكر، أن كل رؤساء العالم تشاءموا وأعربوا عن قلقهم وحذرهم من فوز إردوغان، إلا واحداً وهو الرئيس الأمريكي ترامب الذي هنأه بالفوز، ولا غرابة في ذلك إذ كما قال المثل: (الطيور على أشكالها تقع).