محمود بسيوني
بعد زمن قصير أو بعيد ستنتصر مصر على الإرهاب، وينتصر قداس الميلاد و "أحد الشعانين" على عقلية الحزام الناسف، بالأمس امتزجت دماء المسلمين والمسيحيين وكسا الحزن ربوع مصر بسقوط الشهداء في مواجهة إرهاب منظم ومرتب المقصود به الوطن ووحدته العصية على الانكسار.
منذ حادث البطرسية الأليم وأنا أحاول البحث في عقلية من تجرد من دينه وإنسانيته و قرر قتل الناس على هويتهم الدينية، إذا كان مصريا أصيلا كيف لم يصل له تاريخ الكنيسة المصرية العظيمة ، تلك الكنيسة الصخرة العصية على الانكسار، التي لم ترضخ يوما لإرهاب أو اضطهاد من حاكم أو جماعة ، لماذا يجهل تاريخ شهدائها الذي الذي بدأ منذ عام 68 ميلادية عندما قام الرومان بتعذيب مؤسسها مار مرقس، و جَرّه من قدميه في شوارع الإسكندرية ، ومنذ ذلك الوقت والكنيسة تقدم الشهداء حتى انها خلدت ذكراهم في تقويم الشهداء ، الذي بدأ يوم السبت الموافق 29 أغسطس 284م، لإحياء ذِكرى "شهداء الإيمان" في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس. ربما لو كانت تلك المعلومات قد وصلت إلى الإرهابي أو من يحركه كان سيدرك أن ما يقوم به قد يحزن المصريين ويؤلمهم لكنه لن ينال من مصر آو من الكنيسة المصرية و مكانتها في قلب الدولة المصرية آو في المشروع الوطني المصري.
والحقيقة أن تاريخ الكنيسة المصرية الوطني جزء مهم من تاريخ مصر، ومعرفته حق لكل أبنائها في جميع المراحل التعليمية، وبقائه خارج المناهج الدراسية وخارج اهتمام وزارة الثقافة وأجهزة الإعلام جريمة في حق الأجيال الجديدة التي تربيها أفكار ومناهج وخطب التطرف والعنف وإقصاء الآخر، حتى وصلنا إلى نقطة استغلال القوى المعادية لهؤلاء الأشخاص ضد دولتهم عبر تلك السيطرة العقلية المرعبة ، وأنا أضع هذه المطالبة تحت تصرف المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب عقب تشكيله لدراسته ، حتى نحمى الأجيال القادمة من فيروس التطرف المميت.
تكرار الحادث يؤكد حقيقة واحدة ، وهى إن الوحدة الوطنية مستهدفة، وان هناك من يحاول جر مصر إلى السيناريو العراقي والليبي والسوري، عبر تسخين متعمد للمسيحيين المصريين، للنيل من حماسهم الوطني وإدخالهم في تجربة الاقتتال الطائفي أو تنفيذ سيناريوهات التهجير ضمن عملية تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين ، ثم الضغط بورقة الإهمال أو التقصير الأمني على مصر، وليست مصادفة أن تأتى تلك التفجيرات الآثمة بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس السيسي إلى الولايات المتحدة، ورفع مصر من قائمة حظر السفر الأمريكية واعتبارها دولة آمنة بالإضافة إلى الاستعدادات لاستقبال البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في القاهرة ، تلك المشاهد تقول أن مصر تعود لقوتها الإقليمية وهو أمر لا ترحب به القوى الداعمة للإرهاب في الإقليم.
يصمت العالم بشكل مريب على دور دولة قطر في نقل الإرهابيين إلى جبهات ليبيا وسوريا ، تلك الحقيقة الموثقة لم تعد محلا للشك ، بل وتأوي على أرضها الشيخ يوسف القرضاوي منظر جماعات الإرهاب والتطرف وأحد المحرضين على أقباط مصر صراحة، والذي قام بمسح مباركته للعملية الخسيسة بعد دقائق من نشرها على الفيس بوك حتى لا يعرض قطر للحرج ، ذلك الصمت يكلف مصر الكثير من الأرواح البريئة، في لحظة يحتاج فيها العالم إلى التعاون الجاد لاستئصال هذه الظاهرة التي لن ينجوا منها أحد.
والمتابع للعمليات التي تمت خلال الأسابيع الماضية سيجد تناقض غريب بين ما وقع في تلك العمليات وتنظير بعض الخبراء والنشطاء الذين يفضلون إرجاع السبب إلى واقع الجهل والفقر، ثم يخرسون حينما تقع عملية دهس إرهابية في السويد المصنفة أكثر دول العالم سعادة ورفاهية ، كما يتعامى "الْمُتَنَطِّعُينَ " عن عجز روسيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأقوى أمنيا في العالم عن توقيف انتحاري أو ذئب منفرد قتل تفجير أو قتل الأبرياء على أراضيها دون أن نسمع فيها بوجود مطالبات برحيل وزير الداخلية، فلا أحد يقدم مكافآت مجانية للإرهاب بإقصاء قيادات الدولة التي قررت محاربته.
لقد تأكد العالم من صعوبة توقيف الانتحاري، ذلك الانسان الذي يعمى قلبه الغل والحقد تجاه الآخر بفعل نصوص دينية انتزعت من سياقها وتم تفسيرها على يد أئمة التطرف وعجز المؤسسات الدينية عن مواجهة ذلك أو وضع استراتيجية تحمي العالم من شرور من يتخذون من الدين الإسلامي ستارا لأفعالهم المشينة في حق البشرية كلها، واقتنع أنه لا بديل عن تطبيق قانون الطوارئ لمواجهة خطر يطور أدواته كل يوم وأصبح من المستحيل مواجهته بالأساليب العادية أو الطرق التقليدية.
مصر حاولت طوال السنوات الثلاث الماضية إبعاد تأثير حربها الشرسة ضد الإرهاب عن المجتمع في محاولة لدفع عجلة التنمية لتعويض ما فاتها خلال سنوات الفوضى والإهمال، لكن التمويل السخي الذي يصل ليد الإرهابيين هدفه منع مصر من استكمال طريقها أو استعادة قوتها، فضلا عن رغبته المحمومة في الانتقام من الشعب الذي لفظ نظام حكم الإخوان الذي أتى بهم لتحقيق مصالحه في سرقة ثروات مصر كما في ليبيا وسوريا.
وحدة المصريين الهدف، والكنيسة المصرية مثل الجيش المصري تتحمل ألم فقدان الشهداء لتبقى مصر موحدة فهذا قدرها وقدر مصر ..ولأجل هؤلاء الشهداء قال السيد المسيح في موعظة الجبل (متى الأصحاح الخامس).
طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4 طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. 5 طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. 6 طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. 7 طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. 8 طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. 9 طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ .