سّعف مغموسًا في الدم
ليديا يؤأنس
الاثنين ١٠ ابريل ٢٠١٧
بقلم: ليديا يؤانس
استيقظ الجميع، االصغار والكبار، مُتهللين مُهرولين، للكنائس حاملين السّعف مجدولًا بكل الأشكال والتصميمات الجميلة، بعد أن سهروا البارحة مُجتمعين فرحين مُرنمين مُلتفين حول سّعف النخيل يصنعون منه تصميمات رائعة.
الجميع انطلقوا مُبكرين للكنائس، حاملين سّعف النخيل المجدول، للإحتفال بأحد السّعف والذي يسمى أيضا بأحد الشعانين، ذهبوا إلي الكنائس للتلويح بالسّعف إحتفالًا بالعيد، كما خرجت الجموع من نحو 2000 سنة، لإستقبال المسيح عندما صعد إلي أورشليم في الأحد الذي قبل الصلب.
قطعوا فروع الأشجار وسّعف النخيل، لكي يلوحوا بها ترحيبا بالملك المسيح، وأيضًا فرشوها تحت قدميه، أنها تحمل معنى رمزيًا قويًا، وهو أنهم يضعون تحت قدمي واهب الحياة، الشجر والنخيل الذي يُعتبر أحد مصادر الحياة، بمعنى أنهُم مدينين له بحياتهُم.
الجموع خلعوا ثيابهم، وفرشوها في الطريق لكي يدوس عليها بالركوبة بتاعته، كان هذا تقليدًا مُتبعًا في القديم أن الشعوب يفرشون ثيابهم تحت أقدام الملوك، ليدوسوا عليها، لأن الملابس بالنسبة للإنسان تعني الستر، وهيّ الحماية له من الحر والبرد، ومعنى أن يفرشوا ثيابهم تحت أقدام الملوك، أنهم يُملكون الملوك علي حياتهم، كذلك فعلت الجموع ليقدموا حياتهم تحت قدمي المسيح ليملُك عليهم، ولذا صرخوا مُهللين "هوشعنا يا ابن داود" أي "خلصنا يا ابن داود"، ومن هنا جاءت تسمية أحد السعف بأحد الشعانين نسبة إلي كلمة "هوشعنا".
أنه الإحتفال الوحيد الذي حظي به المسيح في فترة تواجده علي الأرض، لم يُكرم المسيح التكريم اللآئق به، لأنه جاء مُتواضعًا يغسل أرجل التلاميذ، جاء لكي يَخدِم وليس ليُخدم، جاء لكي يموت ميتة العار مُعلقا علي خشبة!
تفلوا علي وجهه، ضربوه بالسياط، دقوا المسامير في يديه ورجليه، غرزوا أكليل الشوك في رأسه، نزفت شرايينه فَرَوتْ الأرض لكي تُنبِت حياة أبدية بدلًا من الهلاك الأبدي.
الجموع البسيطة احتفلوا به، استقبلوه بفرح ومجد عظيم، أنه احتفال شعبي وفي نفس الوقت احتفال مُلوكي، من الناس الغُرباء، الذين لم يكونوا من تلاميذه، ولا من أهله، ولا من االذين عمل لهم معجزات وعجائب.
اليوم أيضًا، خرجوا المسيحيين في كنائس مصر، ليستقبلوه بفرح ومجد عظيم، فحظيت كنيستين بأن قدمتا عددًا لا بأس به من الشهداء، لعمل احتفال مهيب مجيد للملك المُخلص، لقد فرشوا الّسّعف مغموسًا في دمائهم تحت قدميه، وضعوا حياتهم تحت قدميه، لقد قدموا احتفالًا بدمائهم الذكية، لقد خضبوا سعف النخيل الذين سهروا في اعداده بدمائهم، لقد غَمَسّوا السّعف في دمائهم قبل أن يرفعوها بالتهليل والإحتفال بالملك المسيح.
كما صُلب القدوس البار بأيدي أثمة، لكي يشترينا بدمه، كذلك هؤلاء الشهداء القديسين دفعوا دمائهم اليوم، ليُدينوا الأثمة، والذين خَطَطوا، والذين دبروا، والذين جهزوا هذا السيناريو، لتفيذ هذه المجزرة البشعة في أشخاص أبرياء، كل جريمتهم أنهم ذهبوا للصلاة، كل جريمتهُم أنهم ذهبوا للإحتفال، أنهم أرادوا الفرح بالسّعف الذين تفننوا في إعداده للإحتفال في ذلك اليوم ثم بعد ذلك يأخذونه للإحتفاظ به للذكري في منازلهم.
أصابع الإتهام تشير إلي ضلوع أشخاص وأجهزة مُعينة في إعداد هذه المجزرة بكل بجاحة، وفي كنيستين، هما الكاتدرائية المرقسية بالأسكندرية، والأخري كنيسة مارجرجس بطنطا، وفي نفس الوقت، أي في يوم عيد السّعف.
هذا اليوم التاسع من أبريل عام 2017، هو الذكري الوحيدة، لأحد السّعف، علي مدي التاريخ الذي يحتفل فيه المسيحيون بالسّعف مغموسًا في دماء شهدائهم الأبرياء، ولا عزاء للشامتين والحاقدين!
المسيح يعلم جيدًا، ماذايفعل؟ وما الفائدة التي سيجنيها بموت هؤلاء الشهداء؟!
المسيح يقول دائمًا لنا، ولكن نحن دائمًا ننسي، ولا نستوعب الدرس، قالها مرارًا وتكرارًا، أنهم يضطهدونكم ويقتلونكم ليس لأنهم يبغضونكم أنتم، بل لأنهم يبغضونني أنا!
والآن، يُخيل إلي أنني أسمع صوته الحلو الذي يترقرق فوق جداول المياه، قائلًا؛ أنا هو الحي إلي أبد الآبدين، أقسمت بذاتي، أنني كفيل بهؤلاء الأشرار، وأيضَا كفيل بأحبائي الذين سفكوا دماءهم من أجلي.