بقلم: د. تيتو غبريال
إن ثورة 25 يناير عام 2011 تُعد بحق رسالة من السماء للشعب القبطي خاصة والشعب المصري عامة، فالله يقول للشعب القبطي: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى20 :28).

فمنذ ثلاثة وثلاثين عامًا- أزيد أو أقل- أراد "السادات" أن يبدِّد رعية المسيح بضربه راعيهم قداسة البابا "شنودة الثالث" (أحداث الخامس من أغسطس 1981)- كان قد سبقتها اعتداءات كثيرة على المسيحيين– "بعزل البابا تبعًا للآية القائلة "اضرب الراعي فتتشتت الغنم (الرعية)". وكان جواب الرب يسوع سريعًا لم يستغرق سوى 31 يومًا من 5 أغسطس حتى 6 أكتوبر، واكتفى الله باغتيال "السادات؛  لما كان يحمله من بغض وكراهية للأقباط، لكنه اختزلها في شخصية قداسة البابا والكهنة والأراخنة؛ لأن قداسته- ممثلًا للمسيحيين- رفض أن يلعب بورقة الأقباط في السلام مع "إسرائيل" بورقة التطبيع، على اعتبار لو فشلت يثبت للشعب المصري خيانة الأقباط، وبالتالي يكون هو بعيد عن الخيانة، ويفسح الطريق لاضطهاد الأقباط أكثر وأكثر! لكن في يوم 25 يناير، وعلى مدار ثلاثين عامًا، لم يتَّعظ المسئولون (النظام القائم)، وبدأ يلعب بورقة الأقباط، ويبث السم في نفوس الشعب المصري للحقد على الأقباط وارتكاب الجرائم ضدهم؛ ليعضِّد تمسكه بالحكم ونشر سياسته الإجرامية، ليس فقط في حق الأقباط لكن في حق الشعب كله. لكن الرب يسوع أراد أن يبلغ رعيته، وكل فرد منها، أن أصغر خروف عنده كأكبر خروف أو راعى،  ولم يسقط الرئيس فقط بل أسقط النظام كله بكل رموزه وعلى كافة مستوياته.. فيا أخي الحبيب، لا يسطو داخلك اليأس بأنك لا تساوي شيئًا عند الرب يسوع، وأن هناك من هم أفضل منك- خاصة من الرعاة- وأن الله لا يهتم إلا برجال الكهنوت، بل ثق أن الرب يسوع قال: "هوذا على كفي نقشتك. أسوارك أمامي دائمًا" (أش 9 4 :16)، "من يمسكم يمس حدقة عينه" ( زك 2 : 8 )، "شعور رؤوسكم محصاة" (مت 10 : 30)، "محبة أبدية أحببتك" (أر 31 : 3). 

ملاحظة عجيبة أن الثورتين حدثتا يومي عيد! الأول عيد القوات المسلَّحة 6 أكتوبر، حيث اغتالت الجماعات الرئيس  "السادات"، والثانية ثورة المصريين يوم الاحتفال بعيد الشرطة 25 يناير، حيث أُقيل منها الرئيس ونظامه الفاسد. فالأولى رفض للهيمنة الدينية، والثانية رفض للهيمنة البوليسية.. 

أما رسالة الله للشعب المصري فهي أن يدرك المسلمين أن المسيحيين أخوة لهم، ولن يقبل باضطهادهم، وأن البركة ستُعطى لـ"مصر" إن كفَّ المسئولون عن اضطهاد الأقباط، وأن يكف من لهم هوى في أن يسيروا في هذا المسلك المزمعين السير فيه. حيث إننى بحثت وسط الشباب فلم أجد فيهم من يطالب بمطالب الأقباط التي هي مطالب الدولة المدنية سوى المفكرين المسلمين الذين بُح صوتهم حتى من قبل ثورة يناير بإلغاء المادة الثانية من الدستور، وكل ما فيه من تمييز، وترسيخ مادة المواطنة وتفعيلها بين أفراد الشعب بمؤسساته وهيئاته ووزاراته وجميع قطعاته وفئاته. لهذا أتمنى من كل قلبي حتى تصبح ثورة 25 يناير ثورة بيضاء ينحني أمامها العالم أجمع، أن يطالب المسلمون قبل المسيحيين بدستور جديد يفخر به المصريون جميعًا، وأن يكون دستورًا منزَّها وخاليًا من أي تمييز ديني أو طائفي أو عرقي.. أم أنه سيتخلى المسلمون عن إخوتهم الأقباط شركائهم في الوطن والمصير والثورة والحلم؟ لأنني حزنت كثيرًا للمظاهرات التي نادت بعدم إلغاء المادة الثانية من الدستور، وأخشى ما أخشاه أن تخطف روح الثورة، وألا يتحقق منها سوى تغيير أشخاص بأشخاص، وكأننا غيَّرنا سوادًا بسواد! وألا يكون الأقباط أول ذبيحة يقدِّمها المسلمون بعد الثورة..

إن التغيير لا يُعد بحق تغييرًا إلا إذا تغيَّر الفكر والسلوك.. إننا نريد "مصر" جديدة، كثيرًا ما حلمنا بها جميعًا.. وأن نسأل أنفسنا: هل نريد أن نعيش هذا الحلم في الحقيقة، أم سنظل نحلم به طويلًا، وقد يتلاشى بمرور الوقت حتى من أحلامنا؟!! لنخبر العالم أن الشعب المصري لم يمت كما كان يعتقد، لكنه كالدودة تشرنقت، وها هي ثورتها كالفراشة طارت إلى جميع أنحاء العالم، مُعلنة ميلاد جديد لشعب طالت شرنقته لمدة ثمانية وخمسين عامًا.. بهذا يجيب إجابة شافية واضحة على من يظنون أنه شعب قد مات...