فتنة الأخت المسلمة أميرة جرجس
سعيد السنى
الاثنين ٢٧ مارس ٢٠١٧
سعيد السني
هي «الفتنة» تطل برأسها، من نجع المهيدات، جنوب «الأقصر»، كأنها تريد الزحف نحو هذه المدينة الرائعة، الساكنة على ضفاف النيل، المُختارة عاصمة للثقافة العربية، والزاخرة بالعمائر والقصور والمعابد والمقابر والفنون الفرعونية، الجاذبة للسياحة الثقافية عالميًا.. نعم.. فالأقصر هي طيبة عاصمة مصر القديمة، ومدينة الشمس، والنور، والصولجان، و«المائة باب»، على حد وصف الشاعر الإغريقي الملحمي هوميروس، في نشيده التاسع من الإلياذة.. بينما «العقول المتحجرة» المثيرة للفتن، تتآمر عليها، وهي المدينة الوديعة الأليفة، المُرَحِّبة دومًا بالسُياح من كل جنس ولون ودين وعقيدة، بحكم تاريخها وميراثها الإنساني فكرًا وفنًا، وعلمًا وثقافة، وسماحة وسموًّا أخلاقيًا ووجدانيًّا.
فتنة المهيدات بدأت بتناثر شائعات بأن الفتاة المسيحية أميرة جرجس (17 سنة)، قد تركت ديانتها، وأشهرت إسلامها أمام واحد من المشايخ هناك، وأن والدها قام بتهريبها من النجع، إلى مكان غير معلوم.. بعدها اتجه العشرات إلى منزل الفتاة، طالبين تسليمها إليهم، أو الكشف عن مكان اختفائها، على سند أنها «أخت مسلمة» مرتبطة أو متزوجة من شاب مسلم يُدعى إبراهيم (19 سنة).. الأم رفضت وأنكرت إسلام الابنة.. في رواية أخرى.. فإن الشاب المسلم دأب على التحرش بالفتاة، ما دفع أهلها إلى إبعادها عن المنطقة، تجنبًا للمناوشات، لكن «المتشددين» استغلوا المسألة واعتبروها غزوة، مطالبن بتسليم الفتاة.. ومع رفض الأسرة تداعت الأحداث، وصولاً إلى تجمهر المئات وخروجهم عقب صلاة الجمعة الفائتة، لغزو منزل «الفتاة» لتحريرها، أو إرغام أهلها على الإرشاد عن مكانها، صارخين بحناجرهم، وهاتفين بأعلى الصوت «عايزين أميرة»، فكان العنف والاشتباك مع الشرطة التي تصدت لهم، بما إلحق الإصابات بـ11 من رجالها، شفاهم الله، وكان في عونهم.
غياب «الحسم السريع» ساهم في تفاقم الموقف.. إذ نشطت «التدخلات العرفية»، تعطيلاً للقانون بالتوازي، أملاً في احتواء الأزمة وديًّا.. فيما المعلوم بأن «التدخل العرفي» سواء كان في مثل هذه المسائل الشائكة أو نزاع بين طرفين مسلمين، يكون منتصرًا ومنحازًا للطرف الأقوى، ولو كان ظالمًا.. لذا تتكثف الضغوط على الأضعف، مهما كان مظلومًا، وهو أسرة أميرة في حالتنا هذه، لإرغامها على قبول إملاءات «المتشددين» في النجع وجيرانه من النجوع والقرى، سواء كانوا سلفيين، أو إخوانًا، أو كليهما، وعوام الناس السائرين خلفهم، استدراجاً بحجة «نصرة دين الله».
هذه التحركات العرفية أسفرت عن تشكيل وفد من كبار العائلات لسؤال «أميرة»، أمام أهالي النجع، وتخييرها بين اعتناق الإسلام أو استمرارها مسيحية، إلا أن أسرتها لم تنصع لهذا «المطلب الشاذ».. وهذا «نائب» للشعب يلعب على وتر المشاعر الدينية المشحونة بالباطل، وبدلًا من استغلال مكانته الأدبية في عزل «المتطرفين» وتهدئة «العامة» وإرجاعهم عن الانجرار وراء مشعلي الفتنة.. فإنه وآخرين راحوا يتهمون جرجس خليل، «والد أميرة»، في بلاغ للنيابة العامة، بإخفاء ابنته قسريًا(!!)، وتعددت وسائل الشحن الطائفي إلى أن انفجر اعتداءً على الشرطة وتحطيمًا لمركباتها.
أميرة جرجس «قاصر»، لم تبلغ سن الرُشد القانوني (21 سنة)، ولو سلمنا جدلًا بأنها أشهرت إسلامها.. فإن هذا الإشهار، لا يُعتد به قانونًا، كونها ليست راشدة، علمًا بأن المختص بـ«إشهار الإسلام» هو الأزهر الشريف، وليس شيخ القرية.. كما أن مسألة زواجها لو صحت من الشاب، تكون هي الأخرى موضع شك وتساؤل واستهجان، فهي «قاصر»، مرة ثانية، ولا يجوز لها تزويج نفسها، في شريعتنا الإسلامية، وتكون الفتاة في حُكم المُغرر بها، من الناحية القانونية.. فكيف فات كل هذا على القائمين بإدارة ملف الأزمة.. تأكيدًا لو أن الأمن سارع في أول الأمر بتوجيه إنذار شديد اللهجة، إلى «رؤوس الفتنة»، المعروفين له غالبًا، وتحذيرهم من اللعب بالنار، وإفهامهم بأنهم لن يفلتوا من يد القانون وسيفه، في حال التجاوز، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد، بما يؤكد أهمية استدعاء القانون فورًا، في مثل هذه الحالات وإقصاء الحلول العرفية.
ثمة نقطة مهمة ينبغي الانتباه لها، وهي أن دخول «الأقصر» إلى حزام الحوادث والمناوشات الطائفية، يجعلها تفقد مكانتها كـ«مقصد سياحي» عالمي.