الحماة والكنة: صراع لا ينتهي والسلاح الأمثلة الشعبية
منوعات | رصيف22
الأحد ٢٦ مارس ٢٠١٧
جسدت الأمثال الشعبية المصرية العلاقة بين الحماة والكَنّة، واصفة علاقة كل منهما بالأخرى، بخفة ظل وكيد نساء، تحوّر لتصبح تشبيهات بليغة، لا نعرف من زخرفها ولكننا ندرك جمالها، وحقيقة كونها حرباً محكومة بحوائط أربع، وسقف "أسرار البيت" الذي صُقل من أعراف وشرائع.
عند استطلاع المشهد للوهلة الأولى، سنجد طرفي الحرب الطريفة، الحماة والكنة، وقد تسلحت كل منهما بمجموعة من الأمثال، صنعت جيشاً قوياً قادراً على أن يستبسل في مواجهة الخصم، والفائز هو من يحفظ عدداً أكبر من الأمثال.
جيش الكنة
يقول المثل المصري "اللي حماتها تحبها الشمس تطلعلها"، لكن ماذا لو لم تحب الحماة زوجة ابنها؟
تفيد مجموعة من الأمثال المصرية باستحالة حب الحماة لزوجة ابنها، وربما تجسدت هذه الصورة الذهنية عند معظم الفتيات المصريات لدى إقبالهن على الزواج.
"عرق جنب ودنهم يكره مرات ابنهم"
مغلوبة هي على أمرها، ولدت بعيب خلقي، يجعلها تكره زوجة ابنها، ولعلنا لا نجد من يشك في أن من اخترع هذا المثل، أنثى مصرية جميلة، جعلت الأمر مُسلّمة رائقة، ترفع الحرج عن الحماة.
"إن كان القمح قد التبن تبقى الحما تحب مرات الابن"
يعد السلاح الأقوى للكنة، فمن المستحيل أن يحصد المزارع محصول القمح ويجد "الغلة" تساوي "التبن"، وإذا تحقق هذا المستحيل، فستحب الحماة زوجة ابنها.
"الحما حما ولو كانت ملكة من السما"
"الحما حما وأم الزوج عقربة سامة".
وقبل أن يفكر أحدهم في استثناء يخلّ بمسلمات الكنة التي صاغتها لحماتها، مؤكدة أنها مهما عاملت زوجة ابنها بشكل لطيف وجيد، فلا بد أنها ستعود لها الذاكرة سريعاً، وتتذكر أنها حماة، وسيطاردها دورها الذي أهملته قليلاً بودها.
لكن هناك لاعباً في رقعة الشطرنج هذه، لا يمكن ألا يشارك في المشهد، هو الرجل، ابن الحماة، وزوج الكنة، الذي يطارده سؤال مرير، "في صف من أقف، أمي أم زوجتي؟".
ولأنه رمانة الميزان، تحاول الزوجة أن تسبق وتجابه حماتها، بدفع زوجها للوقوف في صفها. والتحريض مباح في هذا الصراع الدائم، لتتمكن من إبعادها عن مملكتها الصغيرة.
ولكن كيف تقول الزوجة لزوجها أن يقف في وجه أمه؟
"اللي يقوللها جوزها يا عورة الناس يلعبوا بيها الكورة"
وتفسير رصاصات هذا السلاح، تأكيد من الزوجة أن من يتجاهلها زوجها، ويظهر عيوبها أمام الناس، تصبح مثل كرة القدم، يلعب بها من يشاء. وفي ذلك ضغط، وحث للرجل على أن يحفظ كرامة زوجته.
"لا حبيبة ولا جارة قريبة"
وإن لم تنفع الحكمة، فسلاح الزوجة الثاني على أتم استعداد، وهو يعتمد على ضعف المرأة، الذي يكفي تماماً لجعل الرجل ينتصر لها. فتقول الزوجة هذا المثل لتذكر زوجها بأنها وحيدة وسط أهله، وأنها بعيدة عن أهلها وأقاربها وأصدقائها، وأن ليس لها أحد سواه.
ولكن ماذا إن لم يجدِ هذا السلاح؟ حينها تقرر المرأة الانتقال إلى مرحلة التهديد.
"اللي راسها بتوجعها صيت أبوها ينفعها"
وكعادة المصرية، تقول كل ما تريد من دون أن تصرح بما يؤخذ عليها، فظاهر المثل أن من تشتكي من صداع ما، فستكون سيرة والدها عوناً لها، ولكن المثل يحمل في باطنه الكثير.
فالزوجة تريد أن تقول لزوجها: "لا تنسَ أن هناك سلاحاً مادياً هو أبي". فتذكره بمكانة والدها، التي تفخر بها، وتذكره كذلك أن بإمكانها اللجوء إليه.
ماذا لو احتدم الصراع؟ هل هناك أسلحة أخرى لدى الكنة؟
"ياأشخ في زيركم ياأروح ما أجيلكم"
يحمل هذا المثل التحدي والتهديد معاً، ترسل الزوجة لزوجها من خلال هذا المثل، رسالة واضحة، بأن هناك خيارات محددة، إما أن يحسنوا معاملتها، أو تذهب ولا تعود.
أقوال جاهزة
غردالرجل وسط صراع والدته وزوجته يكون موضعاً للأمثال الشعبية، تحاول كل منهما جذبه لمساندتها ضد الأخرى
معسكر الحماة
لا تترك الحماة المجال لزوجة ابنها لتكسب المعركة، بل ترد بأسلحة أشد وطأة.
"آخر خدمة الغُز علقة"
حين يحاول الزوج الوقوف في صف زوجته، تواجهه الأم بهذا المثل، لتذكره بأن تصرفه يعدّ "نكراناً للجميل"، بعد سهرها وتربيتها وخدمتها له.
"ربي يا خايبة للمايلة"
عندما لا ينجح أحد الأسلحة، فإن التصعيد هو الحل، وهنا تقولها الأم صراحة: "سهرت الليالي وربيت وعلمت، وفي النهاية يطير العصفور الصغير إلى عش زوجته". واصفة نفسها بأنها "خايبة"، تعمل بلا فائدة، وتصف زوجة ابنها بأنها "المايلة"، أي غير المستقيمة، التي لا تعجب الحماة بتصرفاتها.
قد تتبدل الأدوار، فيكون للحماة ابنة متزوجة، والسؤال هنا، هل تتغير الأمثال حينذاك أم هناك أمثال أخرى؟
"جوز البنية أغلى من نور عينيّه"
يعبر هذا المثل عن مدى حب الحماة لزوج ابنتها، وتستخدمه أيضاً لتغيظ زوجة ابنها في كل مناسبة. فلا شك أن للخبرة دوراً كبيراً في الحرب، ومن المؤكد أن الحماة كانت كنة في يوم ما، وتعرف أسرار اللعبة جيداً.
"الحما تقول لابنتها قومي جنب جوزك دفيه وتقول لمرات ابنها ابعدي عن ابني خنقتيه"
يعد هذا المثل من أهم نصائح الأم لابنتها حين تجتمع العائلة، فتنصح ابنتها أن تترك زوجها بمفرده، في حين تؤنب زوجة ابنها، وتطلب منها أن تتركه لكي يتنفس قليلاً، وتحرص الحماة على توصيل تلك المعلومة، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر.
"على ابنها حنونة وعلى مراته مجنونة"
"دايماً يا حماتي تتمني مماتي"
تستخدمه زوجة الابن لتظهر حقيقة مشاعر حماتها نحوها، بأنها تتمنى لها الموت على وجودها بمنزلها وخطف ابنها من حضنها كما تعتقد الكثير من الحموات.
في حين تذكر الحماة زوجة ابنها بأنها أيضاً ستصبح حماة في يوم من الأيام، وسيُرَد لها ما تفعله:
"يا مرات الابن بكرة تبقي حماة"
فترد زوجة الابن غير مكترثة بالمستقبل، وتعبر عن رغبتها في الحياة منفصلة عن حماتها في منزل خاص بها، كي تحمي نفسها من الضربات المتتالية، فتقول:
"الكي بالنار ولا قعدة الحما بالدار"
"طول عمرك يا خالة وانتي علي دي الحالة"
تقوله الزوجة حين تفعل حماتها فعلاً سيئاً معها، وتريد أن تقول لها "لا جديد تعوّدت منك على ذلك".
"إن كتر ضحك حماتك خافي على نفسك وحياتك"
يبدو أن حماتك وضعت خطتها منذ زمن وبدأت في التنفيذ...
تتوالى الأمثال حاملةً في طياتها كوميديا شعبية سوداء، أفرزها المجتمع، مجسدةً العلاقة بين الحماة والكنة، واصفةً إياها كصراع على سلطة المنزل، بين أم ترى أن عرشها في قلب ابنها تزعزع، وحلت امرأة أخرى فيه، قد لا تستحقه، وبين زوجة ابن، ترغب في إثبات نفسها في عشها الجديد، لتدخل نداً لأمه. فيحتدم الصراع بينهما، ويقع الرجل في المنتصف دائماً.
الحماة والكنة في حلبة المصارعة مجدداً، تتمرنان على كيس الملاكمة: الإبن/الزوج. من سيربح هذه الجولة من تراشق الأمثال؟
وعن موقف الزوج في هذا الصراع، يقول الدكتور محمد أمين عبد الصمد، مدير إدارة التراث الشعبي بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية: "لا يوجد موقف اجتماعي ليس له مثل لكن موقف الرجل في صراع والدته وزوجته لا يوجد له مثل ليعبر عنه، لأن الرجل في هذه الحالة يكون موضعاً للأمثلة الشعبية، فتحاول كل منهما جذبه لمساندتها ضد الأخرى".
وبحسب عبد الصمد، تعامل الحماة مع زوجة الابن في المجتمع المصري والعربي بالإجمال، أمر تقليدي سواء كان في بيت العائلة حيث يسكن جميع أفرادها، فيكون الصراع مباشراً بين الأم وزوجات الأبناء، أو في بيت الأسرة التي تقوم بتأسيس منزل منفصل عن منزل العائلة، للابن وزوجته، إذ لا يمنع ذلك الحماة من أن تقوم بدورها المعتاد.