الأنبا مكاريوس : بحثنا عنك بيننا فلم نجدك فافتقدناك لتعود
محرر الأقباط متحدون
٣٥:
١١
ص +02:00 EET
الأحد ٢٦ مارس ٢٠١٧
محرر المنيا
قال نيافة الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابوقرقاص ،عندما نفتقد شخصًا، فكأننا نقول له: "بحثنا عنك بيننا فلم نجدك.. وُجدتَ مفقودًا فسعينا نبحث عنك".. مثلما فعل الراعي مع الخروف الذي فقده فراح "يفتقده" حتى عثر عليه، ومثله الدرهم "المفقود" بحثت عنه المرأة (افتقدته) حتى وجدته. والإنسان أعظم من الخروف ومن الدرهم. وافتقدناك أي شعرنا أننا نفقد شيئًا ثمينًا وإنسانًا عزيزًا، لذلك بحثنا عنك باجتهاد، وباختصار "وحشتنا وحاسين أننا لن تكمل بدونك.
كثير من أفراد الشعب يحتاجون إلى من يدعوهم إلى الكنيسة، حتى ولو كانت منازلهم قريبة من الكنيسة جغرافيًا، وبعضهم يحتاج أن يشعر أن الله يدعوه هو شخصيًا ويبحث عنه، فهناك فرق بين اجتماع الكاهن بالشعب في الكنيسة للإفخارستيا أو التعليم، وأن يجتمع بشخص ما أو أسرة بمفردها، وبعضهم يحتاج إلى التذكرة بأن يأتي إلى الكنيسة ليسمع ويتعزّى ويتناول ويتغذّى ويتطهّر من خطاياه ويستعد لأبديته.
والأغلبية من الذين يتم افتقادهم يخجلون من افتقاد الكاهن لهم، ومن ثَمّ ياتون إلى الكنيسة، ونتذكر هنا أن الكنيسة تفتقد أي شخص بمجرد وصوله للعالم، لتدعوه للمجيء إلى الكنيسة ولكي يولد منها ولكي يغتذي منها أيضًا، وهو ما يُسمّى اصطلاحًا بـ"صلاة الحميم" والتي تتم بعد أسبوع من ولادة الطفل.
بعضٌ ممن نفتقدهم ربما كان قد اتخذ موقفًا من الكنيسة، وربما دون أن يعلم الكاهن نفسه سواء كان هو الطرف المعني أم كاهن آخر أو أحد خدام الكنيسة، ومن ثَمّ فهو بالافتقاد "يصلحه" مع الكنيسة والخدام، وقد يكون على حق وقد يكون هناك سوء فهم، وقد يصعب الأمر يومًا بعد يوم وتزيد الهوّة ومن ثَمّ يحتاج الامر إلى وضع حدٍّ لذلك.
كذلك فإن بعض الناس الذين لا يذهبون إلى الكنيسة، ويحتاجون أن تدخل الكنيسة إليهم، وذلك من خلال الكاهن أولًا سواء ُمن خلال سر مسحة مرضى (القنديل)، أو صلاة تبريك المنازل، أو للتعزية في ظروف خاصة. وفي البيت يُرفع البخور وتطلق الصلوات، ويتبارك الموجودون بالمنزل.
ومن صور الافتقاد البسيطة ما يتم أمام الهيكل عقب القداس الإلهي، حين يطمئن الكاهن أثناء توزيع لقمة البركة على الموجودين ويكتشف الغائبين منهم، ومن ثَمّ يسأل عنهم ذويهم أو أصدقائهم، ويرسل لهم رسائل شفوية من خلالهم، ولعل هذا هو الهدف الرئيسي من توزيع البركة، حيث صارت بديلًا لمائدة الاغابي التي كانت الكنائس تقيمها عقب الإفخارستيا، وكانت فرصة هامة لتقارب الجماعة وتبادل الأخبار والتواصل أسبوعيًا، وكان ذلك يتم بالطبع في حضور الأسقف أو الكاهن.
وهناك وسيلة أخرى للافتقاد ألا وهي التليفون، حين يعد الكاهن قائمة من الأسماء بغرض الاتصال بها للاطمئنان عليهم، ومتى يشعر الكاهن أن الأمر يستدعي التواجد معهم هناك فعل ذلك.
ومن الآباء الكهنة في قرى مصر من يزور الناس في حقولهم ومتاجرهم، ومنهم من يصلي لهم في الحقول في مواسم الزرع والري والحصاد ويرش لمهم المياة فيها، ومنهم حسبما سمعت من يذهب للصلاة على بعض المواشي والطيور إذا تعرضت للأخطار، وهذا أمر يفرح أهل المنزل جدًا إذ تمثل لهم الحيوانات مصدر الدخل الأكبر. ومنهم من يذهب إلى المقاهي سواء في مصر أو خارجها، ومنهم من يذهب إلى أماكن تمثل خطورة، وقد يُعثر البعض من وجوده فيها، ولكن الكاهن يجتاز الأخطار ليخلّص البعض من النار والخطية، مثلما فعل القديس يحنس القديس والقديس بيصاريون وغيرهما، ليخطفوا البعض من مستنقع الرذيلة حتى ولو ظن البعض فيهم سوءًا.
ويشمل افتقاد الكاهن كذلك السجون والمطابق والمستشفيات ودور المسنين والأيتام وغيرها، فمثل هؤلاء يحتاجون أن نتواجد معهم لنؤكد لهم أن الله لا ينساهم، وكم يؤثر ذلك إيجابيًا على من نفتقده.
في الافتقاد يقرأ الكاهن فصلًا من الكتاب المقدس، ويشرحه ببساطة، ويرد على أسئلتهم، وأحيانًا يشركهم معه في القراءة لا سيما حديثي السن منهم، ويطمئن إن كانوا يفتحون الإنجيل، ويسأل كل فرد بدوره إن كان يصلي ويتناول ويقرأ في الكتاب المقدس، وإن كان يصوم ويتصدق، وبالطبع فهو يحتفظ ببعض نسخ من الكتاب المقدس معه تحسبًا لغياب الإنجيل من المنزل، أو بغرض إهداء نسخ خاصة لبعض من أفراده.
محاذير:
وبينما يشكو أكثر أفراد الشعب في أكثر الأماكن، من قلة افتقاد الكهنة لهم، فإن الآباء يقضون الوقت المخصص لافتقاد عدد من الأسر، ربما مع أسرة واحدة لها مشكلة من المشاكل، ولا سيما المشاكل الزوجية والأسرية. وهكذا وبينما يكون للكاهن برنامج طموح للافتقاد فهو يُفاجَئ يوميًا بمستجدات وطوارئ تبتلع وقت تلك الخطة. ومن ثَمّ أقترح أن يكون هناك ترشيد بشكل أو بآخر في وقت الحوارات وحل المشاكل، كلٌّ حسب ظروفه، ويُؤخَذ في الاعتبار عدد أفراد الشعب، فبينما يرعى كاهن واحد بمفرده عدة آلاف من الشعب، هناك آخر يرعى عدة مئات فقط، وبالتالي ستكون فرص الافتقاد متباينة في الحالتين، وهذه مسئولية الأب الأسقف أن يهتم بأن تكون هناك نسبة ما بين عدد الأفراد وعدد الكهنة والكنائس في المنطقة الواحدة.
وفي الافتقاد يحذر الكاهن من تكرار افتقاد أسرة بعينها على فترات متقاربة، ويلاحظ الآخرون بأنه يتردد عليها كثيرًا، كما يحذر بالتالي من صرف وقت طويل أكثر من اللازم مع أسرة واحدة، إلّا في حالات نادرة، وهكذا لا تكون له دالة على أيٍّ من الأسر. والوقت المقبول للافتقاد هو من عشر إلى خمس عشرة دقيقة في الحالات العادية. ويحذر كذلك من الأحاديث العلمانية من سياسة وتجارة وغيرها، فالكاهن كاهن وليس مقاولًا ولا تاجرًا ولا خبيرًا بالفن والموسيقى والعقارات. وإذا اُضطُرَّ للأكل فليكن ذلك بشكل رمزي وعلى سبيل البركة أو كسر الخبز في البيت، ومن ثَمّ يتعفّف عن "منهج الولائم" المكِّلف من كل جهة.
كما أنه يحرص ألّا يكون وحده في الافتقاد، وإذا لزم الأمر وجود السرية أثناء الافتقاد، فليأخذ المرافق له ناحية من المكان ليضمن ذلك، لا سيما بيوت الأرامل والمطلقات والمنفصلات والذين تركهن أزواجهن وسافروا من أجل لقمة العيش.
ويشمل الافتقاد افتقاد الأسر التي تغرّبت عن القرية أو الحي، سواء في المدينة أو خارج المحافظة، والزيارة تكون بهدف التواصل والمشاركة وليس بهدف جمع التقدمات، الأمر الذي يعثر الشعب. وعلينا أن نعرّفهم بالكنائس القريبة منهم، ونوصي عليهم آباء المنطقة، لنضمن أنهم قريبون من الكنيسة في مسكنهم الجديد.
ويمكن أن ينطبق على الكاهن المهتم بالافتقاد ما قيل عن رب المجد إنه «يجول يصنع خيراًا» هكذا تجول السيد المسيح، يزور المجمع ويشفي الأمراض، يذهب إلى مريض بيت حسدا، وإلى السامرية، ويفتقد التلاميذ بعد القيامة ليشجعهم. نقرأ أنه زار العديد من الأسر مثل حماة سمعان، والبيت الذي شفى فيه المفلوج، وبيت زكا العشار، وبيت سمعان الفريسي، وبيت ساكبة الطيب، والبيت الذي سُمِع أنه فيه في كفر ناحوم، والبيت الذي فسّر فيه أمثال متى ١٣، وغيرها.
كما يمثل الافتقاد بالنسبة للأسرة أبوة الله، فالكاهن يمثل المسيح الذي يجمع الكل حوله، بل ويمثل الأمومة التي أشار إليها عندما قال: «كما تجمَعُ الدَّجاجَةُ فِراخَها تحتَ جَناحَيها» (متى٢٣: ٣٧)، ففي المنزل يوجد أب للأولاد وأم لهم، ويوجد زوج وزوجة وأولاد، ولكن الكاهن في زيارته يمثل الأبوة للجميع، وكم من أب وأم يحتاجان أن يشعرا ببنوتهما للأب الكبير، ومن ثَمّ فهم يخضعون له ويحتكمون إليه.
ومن بين مكاسب الافتقاد عمل العضوية الكنسية، ومتابعة الشعب من خلالها، وقد تم اختبار طريقة يمكن أن تعين في الافتقاد في بعض الأماكن، ألا وهي "الاشبين"، وهو شخص يُكلَّف بمتابعة حي أو قرية لينقل على الدوام أخبار الشعب من مرض ووفيات وولادات وهجرة وسفر البعض، وغيرها، ويصبح من ثَمّ عين الأب الكاهن، وهكذا يتسنّى له المتابعة الفورية والتواجد في الملمات.
في الافتقاد أيضًا قد يلحظ الكاهن بعض الأمور التي لم يكن يعرفها عن الأسرة، وقد يلحظ احتياجًا ما لتلك الأسرة، ربما كانوا من الفقراء والذين لا يستطيعون السؤال، وقد يجدها فرصة لترك بعض المال أو تكليف أحد الخدام بمتابعتها، وقد يكون الافتقاد خطوة وقائية لمنع بعض الكوارث كالطلاق أو ترك الإيمان وغيرها.
في نهاية الزيارة يقف الأب الكاهن ليصلي جزءًا من الليتورجيا حسب سبب الزيارة، وفي النهاية يصلي صلاة خاصة من أجل سكان البيت واحتياجاتهم، وسكان القرية وسلامتهم جميعًا مسلمين ومسيحيين، مقدمًا المجد والكرامة للثالوث القدوس