الأقباط متحدون - النموذج المصري للوحدة الوطنية
أخر تحديث ١٣:٤٢ | الاثنين ١٤ فبراير ٢٠١١ | ٧ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٠٤ السنة السادسة
إغلاق تصغير

النموذج المصري للوحدة الوطنية


كتب: جرجس بشرى
يمكنني القول بأن حالة الوحدة الوطنية في أي بلد، من أخطر المؤشرات التي من خلالها يمكن التنبؤ بشكل وماهية مستقبل هذا البلد في الحاضر والمستقبل، فقوة الشعوب ورخاؤها وتقدمها تتناسب بشكل طردي مع مدى وحدة شعب هذا البلد، والعكس صحيح، ومن الملفت للنظر أن المصريين يتوحدون بشكل مدهش يبهر العالم في أوقات الأزمات الشديدة التي تهدد أمن الوطن ومستقبله ومستقبل أجياله القادمة، ولقد أثبتت ثورة 25 يناير 2011 توحدًا عجيبًا وغير مسبوق بين كافة مكونات الشعب، وانتفاضة مشتركة ضد كل مظاهر الاستبداد والفساد والعبودية والقهر، من قبل حاكم انفرد وحكومته بالشعب المصري لإفقاره ماديًا ومعنويًا على كافة الأصعدة والمستويات، ولقد نجحت ثورة 25 يناير بوحدة وقوة سواعد المصريين، أن تقتلع الحاكم وتجبره على التنحي، وتطيح برموز عتيقة من الحكومة، كانت متعششة ترتع في أعشاش الفساد دون رادع، فالوحدة كلمة عظيمة إذا فقدتها أمة ضاعت وانهارت، وإذا استمسكت بها قويت وعظمت واستقامت.

وكتابنا اليوم الذي نعرض عليكم أهم ما جاء فيه يحمل عنوان "النموذج المصري في الوحدة الوطنية" لمؤلفة الدكتور "إدوارد غالي الدهبي" عضو مجلس الشعب السابق، ورئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، ويؤكد الكاتب في كتابه على أن الوحدة الوطنية في مصر حقيقة واقعة، مستشهدًا بقول للأستاذ الكبير "مصطفى أمين" عن مثيرو الفتن بين المسلمين والأقباط: الذين يحاولون اليوم الوقيعة بين المسلمين والأقباط في مصر، ليسوا مسلمين ولا أقباطًا، بل ليسوا مصريين، هم أعداء للإسلام وأعداء للمسيحية، وأعداء لمصر" فانتزاع حجر واحد من الهرم الأكبر يهدد كيان الهرم كله، فما بالك بمحاولات التفرقة بين عنصري الأمة، فهذه محاولة لقتل مصر كلها ولهدم شعبها وللقضاء على تاريخها وحضارتها وسمعتها في العالم" كما كتب "مصطفى أمين" أيضًا: إن أي محاولة للعب بالنار لن تخدم الإسلام ولن تخدم المسيحية... والذين يلعبون بالنار لن يحرقوا أصابعهم وإنما سيحرقون مصر كلها ..." .

الوطن والوحدة الوطنية اسمان لمسمى واحد:
واعتبر المؤلف أن الحديث عن الوحدة الوطنية لا يجب أن يكون موسميًا ومصاحبًا فقط للأحداث الطائفية، بل يجب أن نلتزم به في كل وقت، كما استشهد بقول للأديب العالمي "نجيب محفوظ" يقول فيه عن ضرورة الوحدة: إن الركيزة الجوهرية للوطن، هي الوحدة الوطنية بين أبنائه، وحدة صادقة حقيقية، لا تفرق بين فرد وفرد، بسبب من عقيدة أو رأي أو لون أو عنصر، فالوطن والوحدة الوطنية اسمان لمسمى واحد ونبض لعاطفة واحدة ولا وحدة بلا وطن، وإن أي مساس بحبلها الممدود في الزمن لهو انقضاض أثيم على قدسيتها لا يقل شناعة في مجاله عن الشرك بالله".

التدين الصحيح سياج للوحدة الوطنية:
وأكد الدكتور "إدوارد غالي الدهبي" أن التدين الصحيح هو السياج الواقي للوحدة الوطنية بقوله: في يقيني أن التدين الصحيح النابع عن فهم سليم لجوهر الدين، هو السياج الواقي للوحدة الوطنية، فالمسلم الحقيقي يؤمن بأن الله قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة، وأن العباد كلهم أخوة، وأن من سنن الله التي لا تتخلف أن تتعدد الشرائع والمناهج، ولذلك فإن اختلاف الناس في الرأي والمعتقد أمر حتمي، ويؤمن أيضًا بأن إسلامه لا يكتمل، إلا إذا آمن بجميع الرسل والأنبياء الذين سبقوا الرسالة المحمدية، والمسيحي الحقيقي يؤمن بأن الله محبة، وأن الإنسان المخلوق على صورة الله هو أيضاً محبة، ولذلك أيضًا فإن المسيحي الحقيقي لا تكتمل ديانته، إلا إذا أحب جميع الناس ولو كانوا من الأعداء .

 المصرييو جميعًا من أصل واحد وعنصر واحد:
وأكد الكتاب على أن المصريين جميعهم مسلمين وأقباط، كلهم من عنصر واحد، وأصل واحد، ولا يمكن التفرقة بينهم من حيث الأصل أو العرق أو الشكل، أو أسلوب المعيشة، وبالتالي فإن الوحدة الوطنية ما هي إلا نتيجة حتمية لذلك .
وأفرد الكتاب فصلاً كاملاً عن التعددية في المجتمع الإسلامي ومساواة الإسلام بين جميع الناس مستشهدا بقول الرسول "ص": "اللهم إني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، وأن العِباد كلهم أخوة" كما استشهد الكاتب بقول الإمام "بن تيمية" الذي يطالب بتطبيق العدل والمساواة على جميع الناس: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة إن كانت مسلمة " !!.
كما استشهد بقول للإمام رجب البنا قال فيه: إن الإسلام ليس دينًا منقطع الصلة بغيره من الأديان السماوية، لأنها كلها من مصدر واحد، ولذلك فهو يتفق معها ويعترف بها ويتعاون مع أهلها. كما اعتبر الكاتب أن تعدد مواضع الالتقاء بين الإسلام والمسيحية، من أهم دعائم الوحدة الوطنية في مصر، مستشهدًا بالعبارة التي قالها الشيخ "محمد متولي الشعراوي" وقت زيارته لقداسة البابا شنودة الثالث، حيث قال الشيخ الشعراوي: "إن مساحة الاتفاق بين المسلمين والمسيحيين واحدة، ويمكن أن نعمل جميعًا من خلالها، غايتنا رفعة مصر وتقدم شعبها ووحدة أبنائها".
كما أوضح الكاتب أن أول وثيقة كتبت في تاريخ الإسلام، أرسى فيها النبي قواعد الدولة المدنية، والتي عُرفت باسم "الصحيفة"، وقد تضمنت هذه الوثيقة نصًا اعتبر اليهود مع المسلمين أمة واحدة، حيث عوملوا كمواطنين في الدولة الإسلامية، وليسوا كرعايا أو أجانب من الدرجة الثانية .
كما أوضح الكاتب في الفصل الثاني من كتابه، أن المسيحية هي دين المحبة، وأن المحبة هي أساس لعلاقة الإنسان بخالقه، إنها جماع لكل الفضائل .

الشعب المصري عنصر واحد وخطأ تعبير عنصري الأمة:
كما أوضح الكاتب في الفصل الثالث أن المصريين عنصرًا واحدًا، وأنه من الخطأ الشائع استعمال تعبير "عنصري الأمة" لأن المصريين في الواقع عنصر واحد، إذ لا يستطيع أي عالم من علماء الأنثروبولوجي أن يحدد خواص بعينها، يختلف فيها المصري المسيحي عن المصري المسلم، فكلاهما يحمل نفس المظهر والعادات واللغة والتكوين النفسي والشكل، لدرجة أن الزعيم الهندي الراحل "غاندي" أبدى إعجابه الشديد بما عليه الشعب المصري من وحدة وطنية، وتمنى أن تطبق التجربة المصرية على الشعب الهندي !!
كما أكد "الدهبي" على أن الأقباط ليس لهم تجمعات معينة، وينتشرون في كل مكان في مصر، فلا يمكن النظر إليهم على أنهم تجمع في موقع جغرافي معين، مثل الأكراد في العراق، أو الأرمن في تركيا، أو التركستان في إيران، وكذلك لم يفكر الأقباط في يوم من الأيام أن تكون لهم تجمعات في أماكن أو أحياء معينة "جيتو" كاليهود، كما يقوم الأقباط بجميع المهن والحرف التي يقوم بها أخوتهم المسلمين .
كما أكد الكاتب على أنه من الظلم محاكمة الإسلام بتصرفات بعض المسلمين، في إشارة للأعمال الإرهابية التي حدثت في مصر .
كما ساق الكاتب صورًا فريدة للوحدة الوطنية، مثل ثورة 1919، التي قاوم فيها المسلم والمسيحي الاحتلال، ودافع عن مصر، كما تطرق الكاتب إلى مسلمين تبرعوا ببناء كنائس، وأقباط بنوا مساجدًا، لدرجة أن هناك مسجدًا في بني سويف يحمل اسم المسيحي الذي بناه وهو "جامع عوض عريان"، وكذلك مطالبة مسلمين ببناء كنيسة في الساحل الشمالي عام 1993، حيث وقعوا على عريضة طالبوا فيها "حسب الله الكفراوي" وزير التعمير بتخصيص قطعة أرض في إحدى قرى الساحل الشمالي لبناء كنيسة عليها، حيث لا توجد كنيسة واحدة آنذاك، كما أشار الكاتب إلى مشاركة الأقباط والمسلمين، للدفاع عن مصر في حرب أكتوبر 1973، هذه الحرب التي سال فيها دم المقاتل المسلم مع دم المقاتل المسيحي فوق رمال سيناء الحبيبة، وأن من القادة الأقباط الذين استشهدوا في هذه الحرب اللواء "شفيق متري سدراك"، قائد أحد لواءات الفرقة 16، والمقدم "رسمي مراد البياضي" رئيس فرع عمليات الفرقة، وتحدث الكاتب كذلك عن اللواء "فؤاد عزيز غالي" قائد الفرقة 18، التي حررت القنطرة شرق، والذي عينه السادات قائدًا للجيش الثاني الميداني، ثم بعد ذلك محافظا لجنوب سيناء .
إن هذا الكتاب يعتبر بمثابة موسوعة، تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية، التي لو حدث وفقدناها فلا يمكن أن نسترجعها.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter