هل الحرب العسكرية على الدولة الاسلامية قادرة علىى تحجيم الفكر الارهابي، أم المطلوب فكر مقابل للفكر المتشدد؟
ميشيل حنا حاج
٠٩:
٠٨
م +02:00 EET
السبت ١٨ مارس ٢٠١٧
بقلم : ميشيل حنا الحاج
تدور المعارك في الموصل الساعية للقضاء على الدولة الاسلامية. كما تدور معارك مشابهة في دير الزور وفي الشمال السوري، وانتهى السوريون للتو من تحرير مدينة تدمر من الدواعش، وكذلك قرية الخمسة حيث مصادر المياه المغذية لحلب، في الوقت الذي يستعد فيه جيش سوريا الدمقراطي لمهاجمة مدينة الرقة، عاصمة الخلافة الاسلامية سابقا .
لكن الحرب العسكرية مهما بلغت شدتها، لن تكون قادرة على استئصال الفكر الاسلامي المتشدد الذي تبنته الدولة الاسلامية ومجموعات أخرى. وأبسط دليل، أن الأميركيين يخوضون في افغانستان حربا مفتوحة منذ 16 عاما ضد تنظيم القاعدة ومناصريها من طالبان، لكن دون جدوى تذكر. بل ازدادت المجموعات الارهابية هناك بظهور الدولة الاسلامية في ولاية خراسان والذين هاجموا حديثا أحد مستشفيات كابول وقتلوا أربعين ضحية.
فالحرب العسكرية وحدها، غيبر قادرة على استئصال الحركات الارهابية أو حتى تحجيمها. لأن الحركة الارهابية تمثل فكرا هو فكر الاسلام السياسي المغرق في تشدده، والفكر لا يقاتله الا فكر مقابل. والفكر المتشدد مصدره الوهابية التي ظهرت بالسعودية منذ قرنين. ولكنه ظل حبيس السعودية رغم محاولته الانطلاق في القرن التاسع عشر بمهاجمته للنجف وكربلاء، وقتل العديدين من الشيعة وتدمير المعالم الدينية بما فيها مقام الامام علي ومقام الحسين.
ولكن تلك الحرب القصيرة، كانت تسعى فحسب لاضعاف الشيعة المختلفين في الرؤية مع السنة، وبالذات مع الوهابيين، الأكثر تشددا بين السنة.
ولا بد من الاعتراف أن الفكر الوهابي ظل حبيس المملكة السعودية، وربما تسرب بعضه لدول الخليج، لكنه ظل تسربا محدودا. أما المسؤول الحقيقي عن خروجه من عقاله السعودي وانتشاره في أفغانستان، ولاحقا في بعض دول الشرق الأوسط، فهو زبيعنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر في نهايات سبعينات القرن الماضي.
ولغيات الدقة والموضوعية، لا بد من الاعتراف ان الاسلام السياسي والذي تم تحجيمه بشكل واضح في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي تبنى الفكر القومي والعروبي، وحادا من انتشار الفكر الاسلامي ، بل وللفكر اليساري الذي تقبل فكرة الانكفاء والتحالف مع الفكر القومي العروبي.
لكن ناصر توفي في سبتمبر 1970 وحل محله أنور السادات الذي لم يكن مرحبا به كثيرا من علي صبري رئيس الوزراء ومن كبار اعضاء مجلس الوزراء المنتمين للفكر الناصري كوزراء الدفاع والداخلية والاعلام وغيرهم من الوزاراء الرئيسيين وفي قيادات الجيش الذين كانوا جميعا يسعون للحفاظ على الفكر الناصري العروبي حيا. وشعر السادات بخطر هؤلاء وخطر التراث الناصري عليه. وللحفاظ على موقعه في الرئاسة، قام بخطوتين الآولى اطلاق سراح الاخوان المسلمين ومنحهم الحرية الكاملة في التحرك كفكر مقابل للفكر الناصري العروبي، والثانية تنفيذ ما سماه بالحركة التصحيحية التي قامت باعتقال معظم أعضاء مجلس الوزراء وكبار قادة الجيش، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة التآمر. وهنا بدأ انكماش الحركة القومية العروبية وانتشار حركة الاسلام السياسي المتمثل بحركة الاخوان المسلمين، الذي بدأ في الانتشار قبل وصول الدكتور محمد مرسي للرئاسة.
لكن السادات لم يكن المتسبب في وصول حركة الاسلام السياسي المتشدد الى مصر، بل كان أحد ضحاياه. اذ وصلت بذوره المتبلورة في افغانستان.. الى مصر، فقام رجاله باغتيال أنور السادات. وكان أكبر المتآمرين على اغتياله الدكتور أيمن الظواهري، المصري الجنسية الذي بات لاحقا بعد رحيل بن لادن، أمير تنظيم القاعدة.
ولكن ما الذي اوصل الاسلام السياسي المغرق في التشدد لأفغانستان المنعزل عن دول الجوار؟ انه بريجنسكي الذي تبنى نظرية مفادها أنه اذا كان لا بد من التغيير، فالنسع لتوجيه التغيير لما فيه المصلحة الأميركية. وكان بريجنسكي شديبد العداء للفكر اليساري وخصوصا للفكر الشيوعي. وعندما لاحظ مع بدايىة التمرد على الشاه في ايران، أن التمرد يتجه نحو اليسار، وأن حزب توده الشيوعي المتحالف مع أنصار الزعيم الوطني الراحل الدكتور مصدق والتنظيمين العسكريين جهادي اسلامي وفدايي اسلام الماركسي، ربما كانوا أكثر المؤهلين لتولي السلطة في ايران اثر رحيل الشاه المصاب أصلا بسرطان غير قابل للشفاء... فقد لجأ عندئذ كما قال البعض، الى تقديم الدعم للتحرك الاسلامي الخميني في ايران مما أدى لانتصار الثورة الخمينية في شباط 1979، والتي ظلت لسنوات طويلة محصورة داخل ايران ولم تتحرك الى خارج حدودها الا بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عامي 1991 و 2003.
أما افغانستان وفي وقت سابق على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وبالذات في عشية عيد "كريسماس" 1978، وجد بريجنسكي في غزو السوفيات لافغانستان بدعوة من حكومتها الشيوعية، خطرا ما بعده خطر. وقدر أن أفضل وسيلة للحيلولة دون انتشار الفكر الشيوعي الملحد في المنطقة، هو محاربته بفكر مؤمن بالله، بل وبفكر متشدد في ايمانه وهو الفكر الوهابي، فحمل لمقاتليه الذين جندهم من هنا وهناك، السلاح والذخيرة والمدربين، على قوافل من البغال التي اشتراها من قبرص ومالطا. فالبغال وحدها قادرة على تسلق الجبال الوعرة والوصول للمقاتلين الجهاديين التكفيريين المتعطشين لمقاتلة الفكر الشيوعي الملحد.
لكن بريجنسكي لم يفكر عندئذ بما سيؤدي اليه حقده على الشيوعية. اذ بعد انتصار فكر الاسلام السياسي المتشدد عليها في عملية فكر يحارب فكرا، توجه هذا الفكر المنتصر نحو العدو الآخر وهو المسيحية الأميركية والتي صنف بن لادن أصحابها بأنهم الصليبيين الجدد ولا بد من طردهم من الشرق الأوسط. فنفذ عدة تفجيرات مؤذية لمصالحهم ومنها السفارتين الأميركيتين في كينيا وتانزانيا، ومن ثم جاءت الضربة الكبرى في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك والبنتاغون، مما جعل الأميركيين يصحون أخيرا على مدى الخطأ الذي ارتكبوه.
وكما حورب الفكر الشيوعي بالفكر الوهابي المتشدد، وحورب الفكر العروبي بفكر الاسلام السياسي، بات من الضروري عدم الاكتفاء بمحاربة الفكر الوهابي بالقذائف والقوة النارية، بل محاربته ايضا بفكر مقابل، وفي مقدمته الفكر الاسلامي المعتدل جدا الذي يقدم الاسلام كدين وسطي معتدل، يؤمن بالعدالة والمساواة ولا ينكر دور الآخر، أي يعترف بأن الرب هو رب العالمين وليس رب المسلمين فحسب، أوطائفة معينة منهم. وهذا دور منوط بالأزهر في مصر وبالمقامات الدينية في قم بايران، بل وبكل المعنيين بتقديم الاسلام كدين وسطي معتدل يعترف بالآخر وبتعامل معه بعدالة. وهو مرتبط ايضا بضرورة نشاط الداعين للفكر العروبي كفكر مقابل، بل وبالفكر اليساري والعلماني أيضا. فهذه كلها أفكار أخرى يمكن استخدامها كطروحات مقابلة لفكر الاسيلام السياسي المتشدد الذي لن تستأصله مجرد قذائف المدفعية والطائرات، بل لا بد من فكر مقابل لذاك الفكر المدمر.