الأقباط متحدون | التعديلات الدستورية وضرورة الدولة المدنية
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٤٨ | الاثنين ١٤ فبراير ٢٠١١ | ٧ أمشير ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٠٤ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

التعديلات الدستورية وضرورة الدولة المدنية

الاثنين ١٤ فبراير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: د. نجيب جبرائيل
 
 لمدة أكثر من أربعين عامًا، منذ أن وضع دستور 1971، والذي كان الكثيرون يطلقون عليه "الدستور الدائم"، وكانوا يضحكون علينا ويخدعوننا، بأن هذا الدستور هو الذي يكرس ويؤكد أن مصر دولة مدنية وليست دينية، وهكذا سمعنا هذا الصوت الزاعق للقيادة السابقة، أو ترزية القوانين، ولا ندري كيف يصورون أن هذا الدستور يشكل الدولة المدنية، وأن ثاني مواده هي من أكبر مقومات الدولة الدينية، والتي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وبلا شك أن تلك المادة الدينية تتعارض مع المواد الأولى، والأربعين، والسادسة والأربعين. 
والتي تتضمن المواطنة والمساواة، وحرية العقيدة، وكيف نعتبر أن هذا الدستور دستورًا مدنيًا، وعانينا زهاء أربعين عامًا من مرارة هذه المادة، كيف أعجزت البرلمان عن وضع تشريعات تحظر التمييز، وكم عانى أكثر من خمسة عشرة مليون قبطيًا وغيرهم من البهائيين، من حرمانهم من الحصول على حقوقهم المشروعة، في كفالة حرية العقيدة، وكيف ظل ومايزال الآلاف من الأقباط بلا هوية، أو إثبات شخصية، بسبب رفض القضاء المصري، المتأثر بالمادة الثانية، إعطاء حقوق العائدين إلى المسيحية، وكيف فرقت هذه المادة بين المواطنين في البلد الواحد، حين يسمح بالتحول إلى الإسلام، وتستخرج الأوراق الثبوتية في أقل من ثماني وأربعين ساعة، بينما يظل يطارد من يتحول من الإسلام إلى أي دين آخر، وتتم ملاحقته أمنيًا، ويمنع من السفر، بل يخضع لزبانية التعذيب في جهاز أمن الدولة، وليس هذا فقط، بل إن كثير من الأمهات بسبب هذه المادة، حرمن من أطفالهن، وحُرم الأطفال المسيحيون من حضن أمهاتهم، وتم نزعهم دون الاستناد إلى قانون، وتسليمهم إلى زوجه أبيهم، الذي أسلم لتربيهم، لأن تلك المادة من مبادئها الرئيسية أن الطفل لا بد أن يربى مع خير الأبوين دينًا، حتى ولو كان ما زال محضونًا من أمه، ورأينا كم من الأساتذة المسيحيين المشهود لهم بالكفاءة، وقد حرموا من التعيين في أقسام أمراض النساء والتوليد، في جامعات مصر، في طولها وعرضها، حسب القاعدة الشرعية التي تقول بأنه لا يجوز لغير المسلم أن يطلع على عورة المسلمة، وكم فرق القضاة، وميزوا في الشهادة، فرفضوا شهادة غير المسلم في مسائل الأحوال الشخصية، تأسيسًا على قاعدة أنه لا يجوز شهادة غير المسلم على المسلم، وأيضًا حتى القانون الجنائي أتى ليفرق في إثبات الزنا بين المسيحي والمسلم، فقرر بإثبات الجريمة، بضرورة أن تكون فى منزل مسلم مخصص للحريم، وعلى ذلك لا تقوم إذا كان في منزل غير المسلم.
وكم عانينا من آثار وتبعات هذه المادة، حين قال صاحب سيد قراره الدكتور "سرور"، بأنه لا يمكن أن نأتي بقانون ليخالف الشريعة الإسلامية، وأن المادة الثانية من الدستور هي خط أحمر، لا يجوز الاقتراب منه، فجاءت قوانين التعليم والمناهج التعليمية، وكثير من محاضرات الجامعة، تحض وتكره وتبغض المسلمين على غير المسلمين، الأمر الذي تحول معه المجتمع المصري إلى مجتمع ديني متشدد، رأينا الاحتقانات بين المسلمين والأقباط بسبب غياب قانون موحد لبناء دور العبادة، وشاهدنا الاعتداءات على البهائيين في محافظة سوهاج، ومحاولة حرق بيوتهم وزراعاتهم، ورأينا كيف تحولت مدارس في الغربية ومحافظات أخرى، إلى عدم قبول أي تلميذ غير مسلم، بل رأينا فصول الدراسة في هذه المدارس تسمى على مسميات إسلامية، مثل فصل "عمرو بن العاص"، وفصل "عمر بن الخطاب"، و"أسماء بنت أبو بكر"، و"عمار بن ياسر" بدلاً من فصول 1/1 – 2/2 - 3/3... 
 ومدارس أخرى استبدلت تحية العلم بتحيات أخرى دينية، مثل مدرسة "الأورمان"، والتي تحولت إلى طالبان... وهكذا اختنق المجتمع المصري بمشكلات لم يكن له يد فيها، وإنما بسبب وجود دستور تتصدره مواد توصمه بالصبغة الدينية، ومن ثم كان يتعذر على القاضي إلا وأن في كثير من الأحيان يُقصي قوانين الدولة، ويطبق القواعد الشرعية، رغم أن الدستور لا يخاطبه، وإنما يخاطب المشرع، وليس هذا فحسب. بل إن الممارسات العملية والحياتية؛ في ظل هذه المادة قد خلقت مجتمعًا بثقافة لا تقبل الآخر، وسادت نظرية استعلاء الأغلبية على الأقلية لدى كثير من قطاعات الدولة، إلا نفر قليل من المثقفين والفاهمين والمطالبين بالدولة المدنية. 
هذا وبعد أن استعرضنا قليل من كثير، مما عانيناه جميعًا أقباط ومسلمين، من وجود مواد دينية في الدستور القائم، جعل المجتمع مجتمعًا ممزقًا، ليس للمصريين دخل أو ذنب فيه، ولكن لمن قاموا بترزية هذه المادة، ولمن قصدوا باستخدامها أن يفرقوا بين أبناء الوطن الواحد. 
 إلا أنه وقد آن الأوان؛ وبعد أن فجر شبابنا ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان أول مطالبهم دولة مدنية، ولا يقبلون بأي حال من الأحوال سوى الدولة المدنية، مطالبين باختفاء النبرات الطائفية والدينية مطلقًا، حين سقط الشهداء، ومن كافة أبناء مصر، ولم تراق دمائهم لمجرد تغيير أشخاص، أو شكل سياسي للدولة فقط، وإنما لتغيير نظام بالكامل، بما يشمله هذا النظام، سواء كان هذا النظام اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، ولا يرضون بحال من الأحوال سوى أن يكون عنوان هذا التغير هو عنوان الدولة المدنية، ولكي نحول مصر من دولة كانت تغلظ فيها المفاهيم الدينية والأصولية، إلى دولة مدنية كان يتعين أن نبدأ بالقانون الأساسي، المسمى بأبو القوانين أو بالتعبير الدارج "الدستور"، ولعل النظرة إلى تعديل الدستور لا يجب أن تكون مجرد نظرة ضيقة في إطار معين، وهو تغيير النظام السياسي للدولة من شكل رئاسي إلى شكل برلماني، أو فقط مجرد تعديل. 
شروط من يتقدم للرئاسة أو مدتها أو الإشراف القضائي على الانتخابات، أو استحداث مادة لتشريعات مكافحة الإرهاب، وإلغاء حالة الطوارئ، أو إطلاق حرية تشكيل الأحزاب، ولكن هناك أهم من ذلك، لأن دم شهداء الثورة لم يكن لمجرد تعديل أو تغير نظام سياسي، حتى تظل النار تحت الهشيم، في ظل ما عاناه المصريون من احتقان وصراع، راح ضحيتهم أيضًا العشرات من شهداء في "الكشح" و"صنبو" و"ديروط" و"العياط" و"نجع حمادي" و"المنيا" و"الإسكندرية" و"المنوفية" بسبب تديين الدولة، إذ أن الثورة قامت، وما يزال من أهدافها الرئيسية مدنية الدولة والعدالة ومساواة. 
ثم نأتي إلى نقطة أخرى وهي "ما مفهوم مدنية الدولة فى كل دساتير العالم": 
إن المقصود بمدنية الدولة؛ هو إخلاء دستور البلاد، أو كافة قوانينها، من أية مواد ذات صبغة دينية، أيًا كان مرجعيتها، وهذا لا يتعارض مطلقًا مع تدين الشعب، لأن الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه، لا يتدخل فيها قانون أو دستور، كما أن الدولة شخصًا معنويًا، لا تُثاب ولا تلام يوم الحساب، وإنما الدستور هو المعبر عن إراداة الشعب، وإرداة الشعب أيضًا لا يمكن أن تضر بمصلحة أو فئة أو تحد من حريتها، وبمعنى أكثر توضيحًا، إننا لا يمكن أن نقبل من يدعي بأنه يجب أن يأخذ برأي الأغلبية في تعديل الدستور، مع راغبي وضع الشريعة الإسلامية، لأن تكون المصدر الرئيسي للتشريع، لأنه يمكن الرد على هذا القول بالآتي:
 
1- إن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، قد حسمت إرادة الشعب بأن تلك الثورة المعبرة عن هذه الإرادة الشعبية، لا يمكن أن تقبل جزءً، وتترك الآخر من أهدافها، فعلى رأس تلك الأهداف تأتي مدنية الدولة. 
2-  إن الأغلبية من الشعب، لا يمكن أيضًا أن تضر بمشاعر المواطنين، ولو كانوا الأقلية، ولا يمكن أن يفرض عليهم أمورًا، تجزئ وتنتقص من حقوق المواطنة، لأن الحقوق؛ مثل الحق في الاعتقاد، والمساواة، هي حقوق غير قابلة للتجزيء أو الانقسام.
ثم نأتي إلى أمر هام، وتجربة رائعة، لدولة شقيقة، عانت من تمزقات سياسية وعرقية ودينية ومذهبية وعرقية، ومع ذلك استطاعت أن تضع دستورًا يعبر عن كافة طوائف الشعب، كما هو الحال في العراق، إذ يوجد أكثر من 28 مذهبًا وطائفة دينية، فمنهم المسلمون الشيعة، والسنة، والمسيحيون الأرثوذكس، والكلدان، والأشوريين، واليزيديين، والصائبة، ومع ذلك جاء دستور العراق يعبر تعبيرًا صادقًا عن مزاجية هذه المذاهب والطوائف والأعراق جميعًا.
 فنحن لسنا أقل من العراق، فيما يجب على اللجنة المعينة بوضع دستور جديد للبلاد، من ضرورة أن تدعو ممثلين عن كافة طوائف الشعب المختلفة، وعقد جلسات استماع لأخذ آرائهم، فيما يحقق مضمون الدولة المدنية، ولا يمكن بحال من الأحوال الاستئثار بالتعديلات الدستورية في الشكل أو النظام السياسي، للدولة. 
 ولهذا قد رأينا الاتصال بلجنة واضعي الدستور، وتحديد أكثر من ميعاد للالتقاء بهم، وتقديم ورقة عمل بالاتفاق مع عدد من المنظمات الحقوقية، والنشطاء ذوي الصلة، تتضمن مقترحات تتحقق فيها مفهوم الدولة المدنية، ومن ضمن تلك المقترحات.
 
1- إخلاء الدستور الجديد من أي مواد ذات صبغة دينية، تلميحًا أو تصريحًا. 
2- الاقتراح بأن يكون نص المادة الأولى من الدستور على النحو الآتي: "مصر دولة مدنية قوامها المواطنة والديمقراطية".
3-  أن يكون المصدر الرئيسي للتشريع، هو مبادئ القانون الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
4-  الاحتفاظ بحقوق أتباع كافة الديانات والعقائد بحقهم، بما يدينون به في مسائل الأحوال الشخصية. 
5-  حرية الاعتقاد مكفولة للجميع دون قيود أو شروط. 
6- الأسرة هي المكون الأساسي للمجتمع، والزواج قوامها، وحق كافة المواطنين في اختيار نظام الزاوج دينيًا أو مدنيًا.
 
ونهيب بكافة النشطاء والحقوقين من كافة طوائف الشعب، بكافة مذاهبه وعقائده، كل أن يدلي بدلوه بالتنسيق مع منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، في فترة لا تتجاوز الخميس 17/2/2011، سواء بالحضور بمقر المنظمة 115 شارع شبرا –القاهرة، أو عن طريق الإيميل: nag_ilco@hotmail.com




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :