مصر عبر القرون
محمد حسين يونس
الأحد ١٢ مارس ٢٠١٧
محمد حسين يونس
منذ الاف السنين .. آمن سكان وادى النيل أن شروق و غروب الشمس ..تماثل تواجدهم و غيابهم عن الحياة .. وأنه كما تمضي يمضون .. و كما تعود سيعودون.
لذلك حرص ساكن الوادى علي أن يكفل لنفسه عود أمن بكل الاساليب و الطرق التي تصورها فعالة .
سكان هذا الوادى كما تدل عليه قبورهم الاولي من 7000 سنة قبل الميلاد في البدارى (محافظة أسيوط ) و نقادة و صحراء المعادى إهتموا بأمرين توجية المتوفي ناحية الشرق .. ووضع بعض من إحتياجاته التي قد تعينه عندما يعود .
هذه القبور تعرضت لهجوم الضوارى الرمامة .. لذلك بنوا فوقها (مصطبة حجرية).. ثم أكثر من دور من المصاطب..لحمايتها ..و لكنها تعرضت أيضا للسرقة و التدمير من قبل اللصوص.. فتفننوا في خداعهم .. بوضع الجثة في أبار عميقة .. و عمل أكثر من بئر و شراك خداعية .. و أبواب تؤدى إلي التهلكة .و لكن حتي هذه ..لم تنجو من أيدى المفسدين .
فصنعوا تماثيل للمتوفي توضع في القبر .. فإذا ما فنيت الجثة تجد الروح الجسد البديل فلا يفني صاحبها .
المصاطب المتدرجة عندما زادت عن ثلاثة ..أصبحت هرما .. مدرجا .. و عبر مئات السنين إستغرقت الاسرة الثالثة حسن المصريون اساليب البناء .. سنجد نماذجا لمشاريعهم الفاشلة هذه في الاهرامات غير الكاملة .. أوغير التقليدية .. حتي توصلوا لاتقان الصناعة ( 3400 سنة ق.م) نجدها في صحراء الجيزة حيث إهرامات الاسرة الرابعة و ما صاحبها من معابد جنائزية و تماثيل و طرق معبدة و عقيدة مركبة عن عالم مابعد الوفاة منقوشة علي الجدران فيما يسمي بنصوص الاهرامات و كتب الموتي.
ثم مرت علي مصر فترة فوضي طويلة .. لم تكن فيها دولة موحدة .. تستطيع بناء مثل هذه الصروح الجنائزية.. فتحولت القبور إلي كهوف في الجبال .. ينقش علي جدرانها حياة المتوفي و كنموذج مقابر بني حسن بالمنيا .
في هذه الفترة التي إستغرقت الف سنة.. تم نهب و تدمير أثار عديدة تركها الاجداد و تحولت إلي خرابات.. غير معتني بها وغير معروف تاريخها أو اسماء أصحابها بعد أن تغيرت حتي مفردات اللغة و إساليب الكتابة . وأسماء الارباب الذين تضمهم التواسيع المقدسة المختلفة لكل منطقة .
ثم عادت مصر لحكم مركزى قوى .. بعد أن أعاد ملوك طيبة سيطرتهم علي مجمل البلاد و تقدم تاسوعها الذى يرأسه ( أمن) علي تاسوع( أون) الذى يراسه رع .
ملوك الدولة الحديثة إهتموا بإقامة معابد للرب أمن في طيبة لازالت قائمة في الكرنك و الاقصر .. و مدافن لهم محفورة في الجبال مموهه و مزودة بعشرات الافخاخ لتحفظ جثثهم المحنطة .. و معها أدواتهم الشخصية بعيدا عن أيدى المخربين و اللصوص .
ولكنهم إستنوا سنة أصبحت سمة ملوك مصر منذ ذلك الزمن حتي اليوم .. و هي أن الملك الجديد يمحوا ما كتبه القديم علي جدران المعابد .. ويدعيه لنفسة .. هذا ما فعلته حتشبسوت و ما فعله معها تحتمس الثالث .. و ما فعلة كهنة أمن مع إخناتون و رمسيس الثاني مع كل من سبقوه .. بحيث
أصبح شائعا .. أن تجد النص و أسفلة أخر معارض
عندما تم إسقاط بلدنا تحت نير الاستعمار الفارسي .. تم نهب أغلب معابد أمن .. و تدميرأثار الاقدمين في طول البلد و عرضها .. و بالخصوص ما أقامه ملوك طيبة من معابد (أمن )في مدينة أون المخصصة لعبادة رع .
دفن الميت في حفرة أو هرم أو كهف أو مقبرة منحوته في الجبل .. لم يمنع سرقته حتي اليوم عندما يسرق حراس المقابر الجثث و بيعونها لطلبة كلية الطب أو الكفن .. و يصنعون منه ما يحتاجون .
في مصر إعتادنا علي تدمير أثار السابقين .. إن لم يكن ماديا فعلي الاقل بتحويلها إلي وجهة نظرنا .. و هو ما حدث عندما إنتشر الدين المسيحي بين المصريين .. لقد إستخدموا معبد الاقصر و الكرنك في أجزاء منها لتصبح أماكن لصلاتهم .. و إستخدموا حجارة البعض لبناء كنائسهم و إستخدموا ألقاب إيزيس (أم النور و أم الاله .)لتصبح من القاب السيدة مريم .. و الصليب ليتشابه مع علامة عنخ ..و التراتيل و أسليب الصلاة .. و الترتيب الكنسي .. و الرهبنة ..و قاوموا كهنة أمن و طاردوهم .. حتي لم يعد بالبلاد إلا المسيحية .
كذلك حدث هذا مع الغزو العربي و لكن هنا الامر إختلف .. فالمسيحي الوطني كان قلبا وقالبا مصريا بلغته و إسلوب حياته.. و عاداته .. ولكن الغازى العربي كان يرى أن مصر و ما عليها .. نهيبة وحق له و أن من يخفي خبيئة او كنز تقطع رقبته فورا .. لقد نهبوا الحاضر و الماضي .. ولم يبقوا شيئا إلا و دمروه بجهلهم و غشامتهم و عدم إستيعابهم لاسلوب حياة من إستعمروهم ..
التدمير الكامل جاء علي ثلاث مراحل .. مع صلاح الدين الايوبي الذى هدم العديد من الاهرامات و إستخدمها في بناء الاسوار و القلاع و ما تبعة من حكم مملوكي جائر إستهلك كل ما طالته يدة من أثار .
ثم مع الاستعمار العثماني الذى سرق و نهب كل ما أمكنه نقلة للاستانة
ثم مع غزو المفاهيم الوهابية التي إعتبرت سرقة أثار مصر و تهريبها و بيعها .. حق و غنيمة الاحتلال.
المصريون منذ عصور ما قبل التاريخ يدمرون و يسرقون و ينهبون .. ممتلكات السابقين عليهم .. و لم يشذ عن ذلك أى عصر .. و لكن هل يصبح هذا مبررا في القرن الحادى والعشرين لان يدمر الاهمال وسوء التقدير و الفساد ثروة أثرية أصبحت ملكا للانسانية بعد أن إستطاعت فك شفرتها و معرفة أسرارها فلنسأل اليونسكو قبل أن يفرضوا وصايتهم علينا بسبب عته أصابنا منذ خمس أو ست سنوات .