«كيف نفهم الإسلام».. نهاية لإشكاليات الجمع بين التراث والمعاصرة والعقل والشرع ورؤية جديدة للحاكمية
أخبار مصرية | الوطن
السبت ١١ مارس ٢٠١٧
حاول الدكتور ناجح إبراهيم فى كتابه «كيف نفهم الإسلام» أن يعالج إشكالية الجمع بين التراث والواقع وبين العقل والشرع، والحاكمية وحدودها ومقتضياتها وكيفية التعاون مع الحضارات الأخرى والأخذ عنها وعالج العديد من الأزمات، منها الاختلاف بين خيارى الثورة الخاطفة أو الإصلاح الطويل لمسارات الأمم، فقال: «فى ظل عالم متغير يموج بالمتناقضات علينا أبناء الإسلام أن نفهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً خالصاً من الحشو والشوائب والخرافات والبدع، ولم تغلب على أخلاقه السلبية ولم يطغ على فقهه الجمود والتقليد أو العصبية والمذهبية، مستضيئين فى ذلك بالفهم الأول الذى نزل به القرآن العظيم ودعا إليه رسولنا الكريم»، وأضاف: «الإسلام دين الوسطية العظيم حتى وإن حاد بعض أبنائه عن هذه الوسطية أو اصطدموا بها أو أساءوا إليها، ولا يعرف الغلو والتقصير ويرفض الإفراط والتفريط، فلا تقديس للعقل على حساب النص، ولا تغييب للعقل تماماً حتى لو كان فى فهم النص، ولا صدام بين الدين والعلم، بل العلم خادم للدين والدين يحث على العلم، ولا تضارب بين الدنيا والآخرة.. فالدنيا هى مزرعة الآخرة.. ولا خلاف بين الأصالة والمعاصرة، فكل منهما يخدم الإسلام والأوطان ما دامت المعاصرة لا تتعارض مع ثوابت الإسلام، فكل
التناقضات المزعومة هى من تأليف وإخراج وإنتاج وصياغة بعض العلمانيين الذين يعتقدون أو يريدون دائماًً للعقل أن يكون مصادماً للنص، وأن يظل العلم ضد الدين، ويصورون للجميع أن الدين ضد الحضارة والتقدم والرقى فى الدنيا وأن حقوق المرأة مصادمة لقوامة الرجل»، وأوضح إبراهيم أن: «الإسلام لا يمنعنا من الاستفادة من الآخرين ولكنه منعنا من أن نكون مجرد تابعين خاضعين لهم، أو أن نتشبه بهم فيما هو من شعائر دينهم أو خصائص عقيدتهم، أما ما سوى ذلك من تقدم علمى وعسكرى وتكنولوجى وإدارى وسياسى وتعليمى فلا حرج أن نأخذ منهم ونستفيد منهم، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتى استقطبت إسرائيل كل العلماء السوفييت العظام فى الفيزياء والكيمياء والذرة.. أما العرب فقد استوردوا الراقصات والفاتنات الروسيات.. فسعد كل منهم بصفقته، إن رسالة الإسلام الخالدة تعلمنا أن نكون وسطاً بين دعاة الثبات والانغلاق ونتعلم من رسالته أن نكون وسطاً بين أولئك الذى استغرقهم العمل السياسى حتى النخاع حتى تحول عندهم من وسيلة إلى غاية.. وتركوا طواعية ودون إجبار دعوتهم ليتحولوا إلى كيانات سياسية بائسة تريد ما تبقى من فتات المناصب، وتحسب أن قوة المنصب أعظم أثراً من قوة الدعوة والهداية.. وأصبح بعض أبناء الحركة الإسلامية لا يدورون إلا فى فلك السياسة حتى قلدوا من لا خلاق لهم.. فأصبحوا يقومون بما يقومون به.. ويستحلون ما يستحلونه.. ويفعلون ما يفعلونه.. مستخدمين الكذب والغيبة والخداع والمكر والغدر والوقيعة».
تراث الأمة إنجاز بشرى لا بد من التعامل معه دون تقديس.. والقراءة الناقدة له تكمل نقصه وتسدد خطأه
وتحت عنوان «فهم الإسلام بواقعيته» قال: «لا بد أن نفهم الإسلام ديناً واقعياً لم تمنعه ملاحظته للمثل الأخلاقية العليا وسعيه لتحقيق المثالية فى الحياة من أن يراعى الواقع القائم ويشرع له ما يعالج أدواءه وما يقيه منها، فلم يحرم الإسلام الربا دون أن يحل البيع.. ولم يحرم الزنا دون أن يشرع الزواج، ومن واقعية الإسلام أنه مع سعيه لتحقيق المثالية فى الحكم والتشريع بتكريسه لحاكميه الله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ).. وتأكيده على أن التشريع حق أصيل لله عز وجل لا ينازعه فيه أحد من خلقه.. ومع ذلك لم ينس أن حكم الله يطبق فى دنيا الناس وبين البشر وأن شريعة الله نزلت لتحكم الكون والحياة فى أزمنة مديدة وأماكن عديدة تتعدد فيها الأعراف والعادات وتتجدد فيها الحوادث وتختلف الوقائع فأعطى الإسلام البشر حقاً فى التشريع ومنحهم نوعاً من الحاكمية التى تقضيها حاكمية الله تعالى فأثبت القرآن الكريم للبشر حق الحكم بين الناس.. وإلا فمن يحكم البشر سوى البشر؟ ومن يقضى بين الناس إلا واحد منهم؟.. قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ) وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، فحاكمية البشر ليست مرفوضة على إطلاقها.. وإنما المرفوض منها ما كان بغير إذن من الله وليس كل تشريع بشرى يعد باطلاً وإنما الباطل من التشريع البشرى هو ما لم يأذن به الله».
وأضاف: «فقد أذن الله فى هذا الحق للمؤهلين شرعاً من العلماء والحكام والمفكرين وأهل الحل والعقد فى الأمة ممن بلغوا رتبة الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية، فهؤلاء هم أولو الأمر الذين أذن الله لهم فى التشريع، فيحكمون بما أراهم الله تعالى وفيما أذن لهم به، فلا تصطدم حاكمية البشر بحاكميه الله بل تتوافق معها لتحقيق مصالح البلاد والعباد».
وتحت عنوان ثنائيات مهمة فى الإسلام قال: «الشريعة الإسلامية تتميز عن غيرها بثنائيات مهمة يحسبها الناظر إليها لأول وهلة وكأنها متناقضة ولكنها متكاملة ومتجانسة.. ويهتم بعض الدعاة بواحدة فقط من كل ثنائية، ومن هذه الثنائيات على سبيل المثال لا الحصر: الحق والخير والثبات والمرونة والواجب والواقع والقوة والجمال والعدل والإحسان وسد الذرائع وفتحها والصدع بالحق وعفة اللسان وظاهر النص ومقاصد الشريعة والحكم الشرعى ودورانه مع علته، فالبعض يهتم بالقسم الأول من كل هذه الثنائيات ويغفل الآخر لسبب أو لآخر، وبعضنا يركز على جانب الصدع بالحق دون بذل الخير، ولو بدأنا نحن مع هذا الشعب المصرى الفقير ببذل المعروف لسهل عليهم قبول الحق ومحبة الشريعة، والذين يريدون حرق المراحل وإراحة أنفسهم من مسئولية البناء وتبعات العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة بين القوى والضعيف والوزير والخفير، ويقفزون منها إلى تطبيق الحدود أو الحرب مع الآخرين أو عقاب ملايين المخطئين فى العصر البائد يضرون مصر والشريعة الإسلامية أكثر مما ينفعونها».
الإسلام لا يعرف الغلو وهو دين الوسطية.. حتى وإن حاد بعض أبنائه عنها أو اصطدموا بها أو أساءوا إليها
وتحت عنوان: «الفقه الإسلامى.. بين التقديس والتبخيس» روى المؤلف كيف أن الشيخ محمد رفعت القارئ المشهور كاد يضيع تراثه حينما أفتاه بعض الشيوخ بحرمة تسجيل القرآن صوتياً، لأن ذلك بدعة لم تحدث من قبل، فأخذ الشيخ رفعت بفتوى هذا الشيخ ورفض التسجيل ولولا أن بعض تلاميذه ومحبيه استشعر خطأ هذه الفتوى وبعدها عن روح الشريعة وسجل للشيخ رفعت فى غفلة منه واستغلالاً لكف بصره لما كانت لدينا كل هذه الأشرطة لهذا الصوت الملائكى الرائع، وعلق قائلاً: لقد كاد هذا المفتى يحرم أجيالاً كاملة من أصوات رائعة خاشعة لا تتكرر أمثال الشيوخ العظام محمد رفعت أو محمود الحصرى أو عبدالباسط عبدالصمد أو غيرهم، لو أخذ هؤلاء بفتوى أمثاله، إنه لم يفهم أن القاعدة الفقهية تقول: «إن الأصل فى الأشياء الإباحة».. وليس المنع وأن المنع هو الذى يحتاج إلى دليل وليس الإباحة، وأضاف: «إن أزمة الفكر الإسلامى المعاصر هى عدم القدرة على الجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعاً صحيحاً.. وعدم الموازنة الدقيقة بين تراث السلف ومعارف الخلف.. والجمع بين خير الاثنين، وعدم الموازنة بين خطاب الأصل ومقتضيات العصر، وكذلك عدم قدرتنا على الجمع بين احترام تراث الأمة باعتباره إنجازاً بشرياً والتعامل معه دون تقديس ولا تبخيس.. ودون القطيعة معه أو محاولة تحطيمه وتحطيم رموزه، ولكن التعامل معه بالنظر النافذ والقراءة الناقدة المتبصرة تكميلاً لنقصه وتسديداً لخطئه، فنحن لا نريد جموداً على الموروث من كتب الفقه ولا جحوداً له فى الوقت نفسه، إننا لا نريد غلق باب الاجتهاد لأنه مفتوح حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. لتجدد حاجات المجتمعات والناس، إن الأمة فى أمس الحاجة لفتح باب الاجتهاد الجماعى (المؤسسى) والفردى.. المنضبط بضوابطه المحدود بحدوده.. وإعادة النظر فى كثير من الأبواب الفقهية القديمة التى تحتاج إلى تجديد فقهى.. فإن كثيراً من أبواب الفقه تحتاج إلى اجتهادات معاصرة، وكثيراً من المسائل الفقهية المنصوص عليها فى كتب الفقه القديمة والمندرجة تحت باب الفتاوى تحتاج إلى إعادة اجتهاد لمواكبة عصر تغير وزمان تطور وواقع اختلف، لقد تطور الفقه القانونى الوضعى.. فازدهرت المدارس الفقهية فى أوروبا والغرب على حساب تخلف فقهى وتراجع تشريعى على مستوى الدول الإسلامية والعربية، ولو أن الأمة أولت باب الاجتهاد العناية اللائقة.. فمارس العلماء والمجتهدون دورهم المنوط بهم.. لكنا فى مقدمة الركب.. ولما ظهر للأدعياء بوق يدعى أن الشريعة الإسلامية عاجزة عن مواكبة الحضارة».
وتحت عنوان «أوطاننا.. بين الثائر والمصلح» قال: «يلح على َّ منذ فترة سؤال مهم: هل تحتاج أوطاننا إلى الثائر أم المصلح أم إليهما معاً؟ وهل دعوة الرسل أقرب إلى ثورة الثوار أم إصلاح المصلحين؟ وما الفرق بين الثائر والمصلح؟ أسئلة كثيرة يضيق المقام عن إجابتها، أجيب منها عن إشكالية الثائر والمصلح فى بلادنا، فالثائر عادة ما يكون شاباً تملؤه الحماسة والعاطفة الصادقة التى تغطى كثيراً على قليل علمه وضئيل حكمته وضعف خبراته ورزانة عقله، أما المصلح فهو عادة كبير السن هادئ الطبع لا يسمح لعاطفته ولا لدفقها أن تغلب عقله أو تغطى على حكمته أو تمسح نتاج خبراته، والأمة تحتاج للثائر أحياناً.. ولكنها دوماً وباستمرار تحتاج للمصلح.. وكلاهما له خير».