الأقباط متحدون - المصيلحي وماري إنطوانيت
  • ٢٢:٥٩
  • الجمعة , ١٠ مارس ٢٠١٧
English version

المصيلحي وماري إنطوانيت

سعيد السنى

مساحة رأي

٠٠: ٠١ م +02:00 EET

الجمعة ١٠ مارس ٢٠١٧

الدكتور على المصيلحي
الدكتور على المصيلحي

سعيد السني
«قرار الدكتور على المصيلحي» وزير التموين، بتخفيض حصة الفرد إلى ثلاثة بدلا من خمسة أرغفة يومياً، والذي فجّرَّ سخطاً وغضباً واسعاً، ومُشعلاً تظاهرات احتجاجية متزامنة يوم الثلاثاء الماضي، بالإسكندرية، وكفر الشيخ، وغيرهما.. هو قرار متسرع، وأهوج يفتقد الرشد والدراسة والشعور بآلام المواطنين.. الوزير يستند إلى تلاعب أصحاب المخابز، بـ«الكروت الذهبية»، المرصود لكل منها حصة يومية قد تصل إلى ستة آلاف رغيف مُدَعم، مخصصة للمواطنين الذين لا يحملون كروت ذكية، وأن هذا التلاعب يتم باختراق النظام الإلكتروني (السيستم)، وإجراء «عمليات وهمية» لصرف كميات كبيرة من الخبز المُدعم، دون استحقاق، مما يُهدرعلى الدولة مليار جنيه سنوياً. (http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=537524&IssueID=4260 )

هذا التلاعب في السيستم، مبرر كاف لـ«الوزير المصيلحي»، كي ينتفض، نجدةً للمال العام الذبيح، وإنقاذاً له من أيادي اللصوص سواء كانوا أصحاب المخابز، وحدهم (فئة منهم منعاً لتعميم الإساءة)، أو بالاشتراك مع «بعض» الشركات المختصة بتشغيل السيستم، وتواطؤ «كثير» من موظفي التموين، بالتقاعس عن تغيير البطاقة الورقية، بإرهاق «المواطن»، دون الحصول على «البطاقة الذكية»، تبريراً لاستمرار السرقة بالكارت الذهبي.. طبيعي أن لكل طرف من هذا الثلاثي (المخابز، ومُشغلو السيستم، وموظفو التموين)، «نصيب معلوم» من كعكة المليار جنيه المسروقة باختراق السيستم، ذلك أن للسرقة والسُرّاق، قوانين صارمة لا يمكن اختراقها أو تجاوزها.. المشكلة، هي في تنصيب العربة أمام الحصان وليس العكس.. إذ وبدلاً من مبادرة «الوزير» بإعلان الحرب على هؤلاء «اللصوص»، وإغلاق منافذ وثغرات الصرف الوهمي للخبز المدعم، وملاحقتهم جنائياً، وقبلها، تطهير وزارته من «الفاسدين» المتورطين، بمكاتب وإدارات التموين، وربما في مستويات أعلى.. فإنه حين تّشجَّعَ للمواجهة، ترك الجُناة السارقين، واختار الضحايا المسروقين، أو «المجني عليهم» المسحوقين، فغالبيتهم يعاني الأُمية، ويجهل ألاعيب السيستم الإلكتروني لسرقة أرغفتهم التي يتعيشون عليها.. فهم ضحية في كل الحالات.. للحكومة وسياساتها التي تحابي الكبار، ولو كانوا لصوصاً، بدليل أن الفرصة متاحة منذ سنوات لهذه المافيا الثلاثية، لنهب المليار جنيه سنوياً.. لا تسأل عن الأجهزة الرقابية التي لا تخفى عليها خافية، فربما أنها لا تتحرك دون أوامر، مصحوبة بآلات التصوير.

كان أول رد فعل منسوب للوزير المصيلحي، على تظاهرات الخبز، هو قوله: «لا تراجع عن القرار.. وماحدش هيلوى دراعنا».. بعد ساعات، ومع تصاعد احتجاجات الغاضبين.. فإنه افتتح مؤتمره الصحفي في المساء، قائلا: «الحمد لله أن الناس ملقوش عيش النهارده عشان أوضح قراراتي».. في الحالين بدا «المصيلحي»، مستلهماً رد «ماري إنطوانيت» ملكة فرنسا، على مظاهرات الجياع الباحثين عن الخبز، حين تساءلت ببراءة: «لماذا لا يأكلون الجاتوه أو البسكويت؟».. الفارق هنا أن المصيلحي صاحب خبرة بالعمل الوزاري والنيابي، بينما إنطوانيت كانت ملكة طائشة، صغيرة السن قليلة الخبرة، تربعت على عرش فرنسا، في سن 18، بجوار زوجها الملك لويس السادس عشر، لمدة 20 عاماً، قبل أن يودي بها البذخ والمجون إلى الإعدام (أكتوبر 1793م)، على مقصلة الثورة الفرنسية.. في حالتي المصيلحي وإنطوانيت.. يتأكد أن غياب الحس السياسي، و«انفصال» أهل الحكم، وجدانياً عن حياة الناس ومعاناتهم، لهما عواقب كارثية، يمكن أن تورد البلاد والعباد موارد الهلاك، كما أن الدرس المستفاد هو أن «الخبز خط أحمر»، وهو درس متكرر في أحداث 18 و19 يناير 1977م، المعروفة بـ«انتفاضة الخبز».

إن الشعب المصري يحتل المركز الأول عالميا في استهلاك الخبز، بحسب مجلس الحبوب الدولي، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد هو 180 كيلو جراما سنوياً، مقابل المعدل العالمي الدائر حول 90 كيلو جراما، ويكاد يكون هو الشعب الوحيد، الذي يُطلِق مُسمى العيش على الخبز، ولما كانت كلمة «العيش»، وبإجماع القواميس، تعني الحياة التي لا تقوم بغير المأكل والمشرب، ولوازم المعيشة.. أي أن الخبز مرادف للحياة ومساوياً لها، في نفوس المصريين، فهناك نحو 90% من المصريين يستهلكون الخبز البلدي المُدّعم، ونسبة كبيرة لا يُستهان بها تتخذ «الخبز» غذاءً أساسياً على خلفية الفقر.. ومعلوم أن وزن الرغيف تم إنقاصه أكثر من مرة، ليهبط إلى 80 جراماً بعدما كان 130 جراماً قبل عامين، بما مفاده انخفاض حصة الفرد فعلياً إلى ثلاثة أرغفة.

لا يفوتنا الإشادة باللواء أحمد ضيف محافظ الغربية، الذي بدا حسه السياسي عاليا، مستوعباً ومدركاً في وقت مبكر مخاطر وفتنة قرار المصيلحي، مسارعاً وباستخدام صلاحياته القانونية، إلى إصدار أوامره بوقف تنفيذ القرار لمدة يومين، حتى تتضح الصورة.

الذي جرى على خلفية قرار الوزير المصيلحي، هو إنذار شعبي عفوي شديد اللهجة.. ليت الوزير وزملاءه في الحكومة يقرأون ويفقهون الرسالة جيداً.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد