سعيد السني
إصرار البرلمان على إحالة الزميل «إبراهيم عيسى» رئيس تحرير جريدة المقال، إلى النيابة العامة، وما تلاه من إخلاء سبيله مقابل «ضمان مالي» (10 آلاف جنيه)، بتهمة إهانة البرلمان، بما مفاده أن الحبس الاحتياطي كان في انتظار «عيسى»، لو كان قد امتنع عن دفع مبلغ الضمان المالي، وما سلف من هجوم على مؤسسة الأهرام الصحفية.. إنما يكشف عن رغبة دفينة في مصادرة الهامش المحدود المتاح من حرية التعبير، تخطياً لنصوص الدستور، والمواثيق الحقوقية الدولية، بما يُزيد سجل «البلاد» في مجال الحريات سوءاً، وينال من سمعتها الدولية، ويخصم من فرص الاستثمار الأجنبي، وتعافي السياحة، وتدفق المنح والمعونات، بخلاف مساوئ تكميم الأفواه، في ظل جفاف الحياة السياسية، وقمع منظمات المجتمع المدني.. إذ إن تعدد الآراء، وتبادلها، وإتاحة الآليات والفُرص للتعبير، تلعب دوراً مهماً في «التنفيس»، كما فكرة حلة البخار، حماية للاستقرار، منعاً لتراكم الكبت والقلق والقهر الذي لا تحمد عواقبهم.

هذا المسلك البرلماني المُعادي للديمقراطية، وحرية التعبير، مُكمِل ومساند للحملات الهجومية النشطة على «الصحافة»، مهنةً، ونقابةً، وصحفيين، منذ شهر مايو الماضي، الذي شهدت بدايته عملية اقتحام وزارة الداخلية لمقر نقابة الصحفيين، بالمخالفة للقانون.. بما يؤشر على أن البرلمان، هو الآخر، مساير لحملة شيطنة «الصحافة» واتخاذها عدواً له، معلقاً عليها (مثل الحكومة) الفشل البرلماني في إدارة الأزمات المتلاحقة ونيل الرضا الشعبي.. فلا جدال أن «البرلمان» ورئيسه الدكتور على عبدالعال، قد نجحا بجدارة فائقة وامتياز في صناعة صورة سلبية وشائهة لنفسه في عيون وأذهان عموم المصريين، من العامة، والنُخَب على السواء.. إذ تولدت لديهم قناعة تامة بأن «وجود» مجلسنا النيابي والعدم سواء، إلى حد أجمعت معه أحاديث الناس العادية، والسخريات والنكات المتداولة بالصفحات التواصلية، على المناداة بإلغاء المجلس أو حلُه، توفيراً لنفقاته التي لامست المليار جنيه سنوياً، دون عائد ملموس، لتقاعسه عن أداء «وظائفه» الرقابية على السلطة التنفيذية، والتشريعية، المُحدَدة والمرسومة له دستورياً.. كأنه «البرلمان الأخرس»، الذي لا يتسامح مع أي نائب متمرد على حالة الصمت الإجباري، أو خارج عن طاعة الدكتور عبدالعال، طرداً من القاعة أو تلويحاً بإسقاط العضوية لنوابه المخالفين للأوامر والنواهي، المتجاوزين للمحظورات، على نحو ما حدث مع النائب محمد أنور السادات، ومن قبله توفيق عكاشة، وكليهما، لأسباب واهية لا علاقة لها بـ«دستور 2014»، القانون الأعلى المُنظم للعلاقات بين السلطات، وسلباً لإرادة الناخبين بدوائرهم.

البرلمان قد اكتفى لنوابه بـ«الأُبهة» والمكافآت، و«بدلات حضور الجلسات واللجان»، التي يتم صرفها، للعضو حتى ولو لم يحضر، الأمر الذي تُمسِك به شُبهة التفريط بالمال العام، وغيرها من صور الإسراف والتبذير، والسيارات فائقة الفخامة، والمزايا الترفيهية والعينية إلى درجة تحميل موازنة المجلس، لنفقات انتظار سيارات النواب بجراج التحرير، فضلا عن الاستثناءات المحجوزة للأعضاء «المَرضي عنهم»، في قبول أبنائهم وأقاربهم بكلية الشرطة ومثيلاتها، والوظائف المتميزة.. بينما لا تمل السلطات قراراتها المؤلمة التي اشعلت أسعار كل السلع والخدمات، بمباركة «البرلمان»، وتمريره لقانون ضريبة القيمة المضافة، التي زادت نار الأسعار التهاباً.. وهذا بدلا من التصدي للحكومة ومحاسبتها ومراجعة «الاتفاق» الموّقَع مع صندوق النقد الدولي للاقتراض، وشروطه، رغم وجوب عرض مثل هذه الاتفاقيات الدولية وإقرارها برلمانيا قبل سريانها.. كل هذه الممارسات مع الضباب والغيوم الكثيفة التي تحجب حقيقة ما يجري داخل البرلمان، عن الجماهير صاحبة الحق والمصلحة في الوظائف البرلمانية الغائبة، جعلته برلماناً بلا فائدة عملية، بينما كان عليه أن يقف حائط صد لحماية الحقوق الأساسية والحريات من هذا الاغتصاب العلني الذي يتم يومياً على أيادي حكومة متحجرة القلوب والعقول، مخاصمة للسياسة وضروراتها.

ليس بيدنا سوى التذكير بأن «نظرية صناعة العدو» التي يعتمد عليها البرلمان ومن قبله الحكومة، في اعتبار «الصحافة»، شيطاناً وعدواً، هي نظرية خاسرة وفاسدة، ومهجورة، فهي وإن كانت صالحة لفترات قصيرة، فإن هناك إجماعاً بين الخبراء والفلاسفة على أن أضرارها، بأكثر من منافعها، إذ هي في المقابل تحشد الأعداء والخصوم، وتشيع الاستقطاب والكراهية في المجتمع.. فليراجع البرلمان والحكومة أنفسهم قبل فوات الأوان.. فالمؤكد أن «الصحافة» هي العدو الغلط.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.con