مأساة أقباط العريش
منير بشاي
الثلاثاء ٢٨ فبراير ٢٠١٧
بقلم منير بشاى
الذى حدث لأقباط العريش لا يجب أن يكون مفاجأة لأحد. معاناتهم مع التطرف ليست جديدة وتعود الى ما قبل خمسة سنوات. وعندما اصدرت داعش فيديو يتضمن تهديدهم السافر للاقباطواصفااياهم بانهم "صيدهم المفضل"، كان من المنطقى ان تتوجه الأنظار الى المناطق الساخنة مثل العريش. ولكن انتظرت الدولةالافعال لتقوم بردودالافعال. وحتى رد الفعل جاء متاخرا بعد سقوط العديد من القتلى مع غياب الأمن.
وعندما افاقت الدولة لتدرك حجم المشكلة كان مسيحيو العريش يواجهون الموت وحدهم وكان عليهم ان يعملوا شيئا ولم يكن امامهم خيارا سوى ان يهربوا من بيوتهم ومتاجرهم واعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم الى خارج المدينة.
وحتى وقت كتابة هذا المقال الذى وهو اليوم الرابع لنزوح الاقباط من العريش كان قد وصل الى مدينة الاسماعيلية 110 اسرة وما تزال الاعداد تتوافد. وقد صرحت وزارة الداخلية انها لم تطلب من هؤلاء ترك بيوتهم. هذا صحيح، ولكن أيضا ليس هناك ما يقول انها وفرت لهم الحياة الآمنة التى لو وجدوها لما فكروا فى ترك بيوتهم ليهيموا على وجوههم دون ان يعرفوا اين سيأكلوا وجبتهم التالية او اين سيبيتوا ليلتهم القادمة.
من الواضح ان الدولة فوجئت بما حدث دون ان يكون لديها خطة مدروسة، ودون ان يكون عندها آلية للتواصل مع المتضررين لتقودهم خطوة بخطوة خلال الازمة. والآن بعد نزوحهم لمدينة الاسماعيليةوبعض البلاد الأخرى على الدولة ان تعرّفهم ما هى الخطوة التالية؟ ويبدو ان الامور بدأت تتحسن بعد تدفق المساعدات من المواطنين وبعد اصدار المسئولين فى اجهزة الدولة المختلفة تعليماتهم بتسهيل استيعاب المهاجرين وحل مشاكلهم
من المهم ان نعرف الخلفية السياسية والاثنية والدينية التى افرزت هذه المشكلة.
يسكن العريش وكل شمال سيناء جماعات اثنية غير متجانسة لا تربطها اواصر الود وبعضها لا يدينبالولاء للدولة. وبعض ممن ينتمون للقبائل لهم صلات مشبوهة بالارهابيين ومن المحتمل انهميخبئهم ويمدهم بالمعلومات اللازمة لتنفيذ عملياتهم. هذه العناصر تتزاوج مع اعضاء منظمة حماس وعن طريقهم تشترى حماس الاراضى والعقارات فى شمال سيناء.
هناك فى العريشتواجد قوى للاسلاميين الذين لهم صلات بجماعة الاخوان والتى تكن العداء للنظام بعد ان اسقطهم من حكم مصر.
هذه الجماعات الاسلامية تهدف لاحراج الدولة واظهارها بمظهر العاجز عن توفير الامن فى مصر. وهذا من شأنه ان يضر بالسياحة والاستثمار ويساعد على استمرار الازمة الاقتصادية وبالتالى هم يأملون ان يؤدى هذا الى سقوط النظام وعودتهم لحكم مصر.
ولكن هذه الجماعات تحتفظ بالنصيب الاكبر من الكراهية للاقباط لاعتقادهم انهم على رأس المؤيدين للنظام وانهم وراء نجاح ثورة 30 يونيو 2013 التى اسقطت حكمهم. ولذلك فهم يهدفون للانتقام من الاقباط الذين يعتبروهم عدوهم الاكبر.
وفى نهاية الامر وجد الارهابيون تبريرا فقهيا للاعتداء على الاقباط يتماشى مع فهمهم الخاص لنصوص الدين. وهو انهم ليسوا مطالبين بتبريرقتالهم وقتلهمللمسيحيين. هم يقولون ان الشروطالتىوردت فى القرآن والتى تبيح قتال غير المسلمين وهى "الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم" (الممتحنة9)، هذه الشروط لم تعد– فى نظرهم - قائما بعد نزول نص قرآنى آخر يقول "وقاتلوا المشركين كافة" (التوبة 36). اى قاتلوا جميع المشركين بسبب اشراكهم حتى لو لم يعادوكم او يرفعوا ضدكم السلاح.
من المؤكد ان الموضوع لم يعد سهلا. ومثل كل المشاكل التى تعانيها منها مصر هى نتاج تراكمات قديمة نتيجة عدم اعطاء هذه المشكلة اولوية بالمقارنة بالمشاكل الاخرى. ولكن حان الوقت للتعامل مع المشكلة بجدية وبأقصى ما تستطيع الدولة من السرعة.
على المدى الطويل يجب على الدولة عمل خطة لتغيير التركيبة الاثنية للسكان. يجب عمل تحفيزات لنقل العناصر المصرية الاصيلة للاستيطان فى هذه المناطق. يجب الرقابة على نشاط هذه القبائل الخارج على القانون مثل زرع المخدراتوتهريبهاوايضا الإتجار بالسلاح وتهريبهلبقية بلدان مصر عبر الانفاق. كما يجب اغلاق الثقوب القنونية التى عن طريقها يشترى الفلسطينيون الحمساويون اراضى سيناء التى قد تتحول لتصبح جزءا من دولة تهدد أمن مصر.
اما على المدى القصير فيجب ارسال العدد الكافى من قوات الجيش والشرطة لتمشيط البلد وتنقيتها من كل بؤر الارهاب. ويجب تعزيز الامن بحيث يكون قادرا على حماية جميع المواطنين. ويجب تواجد جهاز امن قادر علىمعرفة نبض الشارع وما يحاك فى الظلام ويتصدى له قبل تنفيذه على أرض الواقع.
وعلى الدولة ان تسرع بانقاذ اقباط العريش فهذه مسئوليتها تجاههم كمصريين. ولكن من ناحية اخرى فان انقاذ اقباط العريش سوف يصب فى هدف أعم وهو انقاذ مصرية العريش. ان شمال سيناء كلها تستقطع تدريجيا من مصر لصالح جماعات اجنبية لا ولاء لها لمصر بل تناصب مصر العداء. وسيناء قطعة غالية من مصر سالت من اجلها دماء المصريين.
Mounir.bishay@sbcglobal.net