أقباط العريش.. وهيبة الدولة الغائبة
سعيد السنى
الاثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٧
سعيد السني
سواء كان الخروج الجماعي للإخوة المسيحيين من العريش، هجرةً أو تهجيرًا أو نزوحًا أو «انتقالًا».. فإن هذا الفرار الجماعي لا اختيار فيه.. فهم فارون من شبح القتل والحرق الذي يطاردهم، مجبرين ومرغمين تحت إكراه السيف على رقابهم، والرصاص المصوب نحو رؤوسهم، لمجرد أنهم مسيحيون قتلًا على الهوية.. أخشى أننا تجاوزنا الحالة العراقية إلى ما هو أبشع.. ذلك أن داعش حين سيطرت على «الموصل» العراقية عام 2014، منحت مُهلة للمسيحيين هناك، كي يختاروا ترك ديانتهم إلى الإسلام أو دفع الجزية أو الخروج من المدينة، وهو ما انتهى عمليًا بالخروج الكبير للمسيحيين من الموصل تطهيرًا عرقيًا.. لكننا هنا أمام حالة أسوأ، تنال من هيبة الدولة ومكانتها وصورتها خارجياً.. ففي أقل من أسبوع، وحسبما رشح من أنباء، تم قتل سبعة مسيحيين وحرق منازل وجثث بعضهم.
إن البيت أو الدار أو المَسكن، هو «السكن»، وكما أوردته القواميس العربية، فهو المكان الذي نشعر فيه بالراحة والسكون والطمأنينة.. أي الذي نكون فيه آمنين يظللنا «الأمن»، بعيدًا عن أي مخاطر يمكن أن تهدد سلامتنا، وشاعرين بـ«الأمان»، دون قلق أو توتر.. كلنا يعرف أن المرء لو كان مطاردًا من خصوم، يريدون الانتقام منه أو حتى قتله، فإذا صادفهم انتابه الخوف الشديد والذعر، فيسارع للفرار منهم إلى داره، وبمجرد إغلاق بابه تذهب عنه مشاعر الخوف والفزع تدريجيًا، ثم تزول، وتتبدل إلى راحة وسكينة وطمأنينة، شعورًا بالأمان.. لذا يصير قاسيًا وبشعًا ومُفزعًا ومُخيفًا ومُرعبًا أن تكون في بيتك متحسباً منتظراً القتل والحرق، بأن يطرق بابك شخص ملثم، مسلح، أو أكثر من الدواعش المتوحشين، الذين لا يعرفون الإنسانية، ولا الرحمة في قلوبهم بمشاعرهم المتحجرة والمتبلدة، التي تجعلهم يقتلون بشرًا ويحرقونهم، دون سابق معرفة أو عداوة.
تخيّل نفسك مكان السيدة نبيلة فوزي حنا، (65 عامًا).. الدواعش الملثمون ببنادقهم الآلية، يطرقون بابها قبل منتصف الليل بقليل.. مجرد أن يفتح لهم مدحت ابنها الشاب، يمطرونه بالرصاص، ويردونه قتيلًا في الحال أمام الأم، ولا يتورعون عن قتل الأب المُسن هو الآخر (70 سنة)، غير عابئين بتوسلاته، أو يرحمون عجزه وكِبَر سنه.. ثم يشعلون النار بالمنزل وما فيه من جثث للأب وابنه.. تخيل هذا المشهد بكل قسوته وبشاعته.. تذكر مرة أخرى أن هذا حدث للأسرة المسيحية في «مسكنها».. ظني أن الموت أهون.
بلا مواربة ولا تزويق للكلمات، إن «هيبة الدولة» غائبة عن العريش، ومن قبلها رفح التي كانت مسرحًا لحالات مماثلة وإن بدرجة ونسبة أقل منذ عام.. آخذاً في الاعتبار أن الدواعش في شمال سيناء، لا يقتلون المسيحيين فقط، بل قتلوا عشرات المسلمين من أبناء القبائل السيناوية، ربما عقاباً لهم على التعاون مع الجيش والشرطة، بخلاف مئات الجنود والضباط الذين سقطوا شهداءً ومصابين في المواجهات مع الإرهابيين.. هذه الاحداث، ومعها حالات الهجوم على الكمائن وتفجير المدرعات، والتربص بالجنود والأهالي المسلمين المناوئين لهم، تعني أن لدينا خللًا أمنيًا ينبغي الانتباه إليه والاعتراف به.
لا يكفي التباهي بأن «هيبة الدولة» عادت ولا يمكن المساس بها.. فهذه الكلمات وإن كانت رنانة، تصلح مانشيتًا موحدًا لصُحف فاقدة المصداقية.. فإن الواقع على الأرض ينفيها بشدة، كما أن أنباء قتل الإرهابيين، ولو بالعشرات أو المئات يوميًا، وإن كانت جيدة، إلا أن استمرار العمليات الإرهابية وعدم تراجعها، كاشف عن وجوب التوقف ومراجعة الموقف الأمني كله، خطط الحرب على هؤلاء القتلة التكفيريين، وليس هناك ما يمنع التوصل إلى اتفاق عادل مع سكان المناطق الموبوءة بالداواعش في «شمال سيناء»، على التهجير المؤقت لهم، حتى يتسنى للجيش والشرطة تطهيرها تماماً من الإرهاب والإرهابيين.
غني عن البيان أن «الأمن» هو مسؤولية الدولة، فإذا تحقق وتوفّر، ينتشر الشعور بالأمان والهدوء والاستقرار ويشيع، وهنا يمكن الحديث الجاد عن «هيية الدولة»، أما إذا لم يستظل مواطنو الدولة (مسلمين ومسيحيين)، أو جزء منها، على غرار ما حدثّ بالعريش من قتل للمسيحيين في بيوتهم، على الهوية.. فلا يكون هناك معنى للكلام عن هيبة الدولة.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com