نتانياهو القادر على قضم اراضي الضفة الغربية والغاء الدولة الفلسطينية، ليس قادرا على اغتيال الفكر الفلسطيني
ميشيل حنا حاج
الاثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٧
ميشيل حنا الحاج
العديد من الكتاب والمفكرين، طالما حذروا بأن استخدام المدافع والقوة النارية والاغارات الجوية على الدولة الاسلامية وعلى مصادر الارهاب الأخرى، ربما يساعد على تحجيمها، مع احتمال استئصالها لبعض الوقت، لكنه لن يؤدي الى وفاتها، لكونها نشاط يمثل فكرا، والفكر لا يقاتل بالقوة النارية فحسب، بل بالفكر المقابل. والفكر المقابل في هذه الحالة، قد يكون فكرا دينيا منفتحا بالصورة التي تعودنا فيها عليه على مدى أجيال سبقت ظهور الارهاب والارهابيين، عندما عرفنا الدين الاسلامي الحقيقي، كدين سمح منفتح عادل يحترم الآخر ومقدساته. كما قد يكون فكرا قوميا عربيا عروبيا، وقد يكون أيضا فكرا علميا علمانيا يساريا يطيح بالفكر الوهابي أو يواجهه، محاولا تهذيب بعض تشدده وتطرفه.
واذا كان الأمر كذلك بالنسبة للفكر الارهابي، فان الأمر لم يختلف كثيرا عن الفكر الصهيوني الذي يزداد تشدددا يوما بعد آخر، ولن يواجهه الا فكر مقابل هو الفكر الفلسطيني الذي لن يذوى ولن يذوب مهما طال الزمن، ومها سعى وفعل نتياهو وزبانيته من قضم لأراضي الضفة الغربية عبر بناء المستوطنات، أو من خلال الغاء مشروع الدولتين المتبنى دوليا منذ العديد من السنوات. كما لن يلغيه كل الرصاص الذي يطلق على صدور شباب وصبايا فلسطين بذريعة الاشتباه بحملهم خنجرا يسعى لقتل جندي اسرائيلي.
وينتعش الفكر الفلسطيني يوما بعد آخر، دون أن يستطيع نتانياهو اغتياله واجتثاثه مهما طال الزمن أو أمعنت القضية الفلسطينية في شيخوختها. ويزداد تألقا وحيويا يوما تلو الآخر، وخصوصا في مناسبات الانتصارات الفلسطينية التي هلل لها الفلسطينيون والعرب معا، وان كانت من نوعية الانتصار الرمزي كالذي تحقق ليلة 24 فبراير، عندما فاز الفلسطيني ابن بيت لحم يعقوب شاهين على لقب Arab Idol. اذ بادر الكثير من العرب من المحيط الى الخليج (وليس الفلسطينيون وحدهم)، للتصويت لمصلحة يعقوب شاهين رغم اختلاف وتفاوت مواقف دول بعضهم من حيث مدى التأييد او التحفظ بل والضجر من القضية الفلسطينية. وكانت قد تكررت صورة مشابهة قبل عامين أو ثلاثة، عندما فاز باللقب الفلسطيني (من غزة) محمد عساف.
والمناسبات التي تشعل الحماس بالفكر الفلسطيني وتبعث فيه الحياة والحيوية، تزداد يوما بعد آخر رغم كل المناورات الاسرائيلية لتحجيم مفاعيلها. ومنها اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين كدولة عضو بصفة مراقب. وما تبعها من اعتراف عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، ثم انضمام فلسطين الى اليونسكو، وبعدها لمحكمة الجنايات الدولية وغيرها من الانجازات الهامة المشابهة. وهناك مناداة الآن لدى دول أخرى للاعتراف بفلسطين كدولة، نكاية بالمساعي الاسرائيلية المعززة أميركيا للتخلي عن مشروع الدولتين المبارك دوليا. فهناك مناداة من عدة أعضاء في مجلس العموم ومجلس اللوردات البريطاني للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومثلها في دول أوروبية أخرى كفرنسا التي بات عدة سياسيين فيها يحثون الرئيس أولاند على اعلان اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية قبل انتها ولايته بعد بضعة شهور.
وهكذا يخطىء نتانياهو اذا اعتقد بأن قضم اراضي الضفة الغربية أو الغاء مشروع الدولتين...وما سبقهما من استدراج الى اتفاق سلام زائف هو اتفاق اوسلو الذي لم يأت بالسلام للفلسطينيين، بل وضع السلطة الفلسطينية في مرحلة الأسر والقيود الكثيفة على تحركهم وقدراتهم في حرية القرار والتصرف كي لا نقول التسلح أيضا... يخطىء نتانياهو اذا ظن أن هذا كله سيحل المعضلة الفلسطينية ويذيبها في غياهب المجهول، لأنها ستظل حية في منهاج تفكير وعقيدة أكثر من عشرين مليون فلسطيني منتشرين في بقاع الكرة الأرضية من أميركا لكندا واستراليا واوروبا، اضافىة الى عدة دول عربية. وكلهم يدرسون أبناءهم عن فلسطين وحق الفلسطينيين في أرضهم، والعودة لبلادهم.
واذا كان اليهود قد ظلوا على مدى الفي عام يرفعون الأنخاب في كل "يوم كيبور" ليقرعوا الكؤوس قائلين "العام القادم في أورشليم" الى أن وصلوا الى أوروشليم، فان عرب فلسطين لن يقرعوا الانخاب، لكنهم سيظلوا يذكرون ويتذاكرون عن فلسطين، مهما طال الزمان. فالكرمل فينا، ولا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، وقهوة أمي، و"عروسة" غسان كنفاني وأدبه الفلسطيني الخالص، وقصائد محمود درويش وسميح القاسم وعبد الرحيم محمود، وفدوى طوقان وناجي علوش ومعين بسيسو وآخرين كثر من جيل جديد متجدد..كلهم يغذون الفكر الفلسطيني ويحرصون على ابقائه حيا ناشطا مزدهرا. فهو فكر لن يموت أبدا، ولن تستطيع كل الرصاصات والمؤامرات الاسرائيلية اغتياله مهما بلغ ذكاء اليهودي الصهيوني، الذي بات يقابله ذكاء فلسطيني متوهج، خدع مرة من قبل الاسرائيليين في عام 1948 عندما دفعوهم الى الهجرة نتيجة مذبحة دير ياسين وانتهاك أعراض النساء وبقر بطون الحبالى، لكن الفلسطينيين لن يلدغوا من ذات الجحر مرتين.
الكاتب،المفكر، المحلل السياسي
عضو في المركز الأوروبي لمكافحة الارهاب- برلين
عضوا في مركز الحوار العربي الأميركي - واشنطن