هذه هي البداية
د. عايدة نصيف
الاثنين ٢٠ فبراير ٢٠١٧
د/ عايدة نصيف
من هنا كانت البداية.. أتذكر قول الفيلسوف الألمانى "شبينجلر" حينما قال إن التقدم والمستقبل للشعوب الصفراء.. وكان يقصد بتلك الشعوب الصفراء الصين واليابان، وإن هذا العفريت الأصفر إذا نام وقام فسوف يتفوق تفوقًا كبيرًا وضخمًا عن بقية الشعوب، وهذا ما حدث بالفعل، وبجانب تلك الشعوب النمور الأربعة، كوريا الجنوبية، وهونج كونج، وسنغافورة، وتايوان، فإذا نظرنا لكوريا نجدها تتميز بالتقدم الصناعي الكبير، وهونج كونج تتميز بتقدمها وتميزها في متوسط دخل الفرد إذا ما قورن بدخل الفرد في شعوب أخرى، وإذا وقفنا عند تايوان نجدها متقدمة في درجة اعتمادها على الصناعات الصغيرة.
ولكن نطرح السؤال بصورة موضوعية وعلمية لماذا هذا التقدم، وكيف يحدث؟ وأجد الإجابة طبقًا لقراءتى أرى أن التقدم أساسه هو تغيير في وسائل العمل بصورة مؤسسية يحكمها قوانين ومعايير وأُطر، ويقاس التقدم بالفترة الزمنية، وإذا رجعنا بالتاريخ على مستوى مصر نجد أن هناك بعض التأثيرات الإيجابية مع قدوم الحملة الفرنسية عندما أحضر نابليون المطبعة إلى مصر.
ونجد أيام محمد على، ما يقال عن التقدم نتحدث عنه حتى اللحظة التي اكتب فيها مقالى، ويقال أيضًا في مرحلة تاريخية معينة عن التقدم الذي أحدثته قناة السويس بعد حفرها، والتقدم الذي أحدثه الجيش في المجال العسكري عبر التاريخ وحتى الآن، وفى سياق الحديث عن التقدم في مصر نراه مرتبطًا بأشخاص وليس أيديولوجيات..
فمصر في تقدمها عبر التاريخ بين صعود وهبوط على مدى سنوات طويلة سنوات كثيرة توازي سنوات مرت بها اليابان والصين وكوريا الجنوبية، فمثلا أقف عند التجربة الصينية في تايوان فهى الدولة الوحيدة التي تقوم في تقدمها وثرائها على الملكيات الصغيرة، أقصد أن كل أسرة لها مصنع تعمل من أجله بكفاءة، وتنقل من أوروبا وأمريكا وتُطوّر، بل إن الشركات الأوروبية الكبرى تقيم مصانعها في تايوان لأسباب اقتصادية عديدة جاذبة.
وأصبحت اليابان تنتج من الإبرة إلى الصاروخ، والسؤال الآن أمام هذه التجارب الكثيرة والمؤثرة على مستوى العالم والتي لا تمتلك ما نمتلكه في مصر.. لماذا هم كذلك ونحن كذلك؟ لماذا نمتلك أكثر ولا يكون لنا ثمارًا مؤثرة؟ نملك الشعب ونملك الأرض ونملك الموارد ونملك التاريخ ونملك الدين، فما المشكلة إذن؟ وفى سياق ذلك يذكرنى هذا التساؤل بقول كونفوشيوس "يكون الإنسان عظيما إذا عمل قبل أن يتكلم، وإذا تكلم يتكلم على قدره" وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم والكتاب المقدس نجد بهما عبارات ووصايا تحث على العمل.. فما المشكلة إذن ؟
المشكلة هي التمسك الحرفى وليس العملى، وعدم الإيمان الفعلى وعدم التطبيق، وإذا نظرنا إلى المذهب الكونفوشيوسي على بعض العبارات منها "أن الفلاح والمعلم هما أعظم الناس، الفلاح يطعمنا، والمعلم ينورنا" التعليم هو الأساس في كل شيء، التعليم يضع الإنسان على الطريق فالعلم ينير طريق الظلام ويعطى الطريق السليم.
فنهضة اليايان وسنغافورة والدول الصناعية قامت لأنهم ذهبوا وتعلموا واستوردوا معلمين في جميع الاتجاهات من كل الدول الأوروبية؛ فهم تعلموا الدرس ثم قاموا بتعليم مئات وألوف صنعت حضارة وتولدت عنهم شرارة.
فنبدأ بالتعليم البسيط وتعلم المهارات والصناعات الصغيرة فليس من الضرورى أن نبدأ بصناعة الهرم الضخم، مواردنا الآن ضعيفة فلا مجال أن نبدأ بمشاريع كبيرة تنتهى بالفشل أو بالنجاح المؤجل.. نبدأ بالإنسان وبالصناعات الصغيرة الناجحة فإذا نجح الصغير نجح الكبير، مزارع صغيرة، مصانع صغيرة، مشروعات صغيرة، عقول منفتحة وشابة وقادرة على التحرك، الإشكالية ليست في تغيير وزير أو منصب، الإشكالية في تغيير الذهنية والعقلية والتفكير العلمى والمنطقى والعمل المؤسسى بصورة عامة والقدرة على امتلاك الرؤية للبناء وليست القدرة على امتلاك الولاء فقط والخضوع لأيديولوجيات شخصية فهناك من يمتلك الولاء لهذا الوطن ويمتلك الرؤية والبناء والعمل بصورة مؤسسية أيضًا.. العلم والتعليم.. هذه هي البداية.