سعيد السني
من سوء طالع مصر المحروسة، أن يتربع الدكتور طارق شوقي، المُعادي ل«مجانية التعليم»، على أريكة وزير التربية والتعليم، التي اعتلاها قبل 67 عاماً، الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي (1889- 1973م)، المُنادي منذ عام 1937م، بأن يكون «التعليم كالماء والهواء»، وانتزع المجانية للمرحلة الأولي (الإبتدائية)، عام 1943م، وقت أن كان مستشاراً فنياً لوزارة المعارف العمومية (التربية والتعليم)، ووزيرها أحمد نجيب باشا الهلالي، ثم جعل «طه حسين» المرحلة الثانوية مجانية، حين تولى وزارة المعارف (1950- 1952)، بحكومة مصطفى باشا النحاس الوفدية، فقد كان الرجل أهم رواد عصره في التنوير، مؤمناً، عن حق، أن التعليم هو عماد النهضة والبناء للدولة الحديثة، والسبيل إلى الديقراطية.، ومُخلصاً لدعوته، بإتاحة التعليم للجميع دون تمييز، أو اشتراط القدرة المالية لولي أمر المتعلم، أو أن يكون ابن زوات وأكابر، حتى ينال تعليما جيداً.

لا تسأل عن علاقة تخصص الدكتور طارق شوقي في «الهندسة الميكانيكية»، بالتربية والتعليم(!!)، ولا عن أهمية «البلاي استيشن»، التي يلعبها تقرُباً فكرياً من الشباب الصغير، حسبما صرح، ولا عن كيفية الإفادة من هذه اللعبة في حل مشكلاتنا التعليمية، مثل تسّرُب الامتحانات والغش الإليكتروني والجماعي، و«الدروس الخصوصية» التي صارت تعليماً موازياً، يقتطع غالبية أولياء الأمور نفقاتها، من ضرورات معيشية أخرى.. فالوزير يتجاهل انخفاض رواتب المعلمين، وتكدس الطلاب، وسوء حالة الكتاب المدرسي، الفوضى الضاربة بالمدارس، وغياب الفلسفة التربوية الحاكمة، وشخصنة السياسات التعليمة وتغييرها، مع كل وزير، وغيرها من أسباب الانهيار التعليمي، الذي انتهى بالمدرسة، بلا تربية ولا تعليم، وبدلاً من اهتمام «شوقي» الذي يرأس المجلس الاستشاري الرئاسي للتعليم منذ ثلاثة اعوام، بما يفترض معه، أن يكون ومجلسه دارسين لمشكلات التعليم وعلى دراية جيدة بها، وصولاً إلى خطط وحلول محددة.. فإنه يقفز فوق كل هذا معتبراً «المجانية» هي أم المشكلات، ملوحاً بإلغائها.

أخشى أن الدكتور شوقي، يعيش في برج عاجي.. فقد عمل لسنوات طوال بالخارج، موظفاً كبيراً باليونسكو وأستاذاً للهندسة الميكانيكية بهيئات علمية أمريكية، لينتهي به المطاف عميدأَ لكلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة(2012م)، كما أن «البلاي استيشن»، تقود «اللاعب» تدريجياً إلى العزلة عمن حوله، وفقاً لخبراء علم الاجتماع.. «تصريحات شوقي» منذ توليه رئاسة المجلس الاستشاري الرئاسي للتعليم (سبتمبر 2014)، كاشفة ومؤكدة انعزاله، وعدم درايته بأحوال الناس المادية والمعيشية المتدنية.. فمنذ بدايات ظهوره، وهو ساخر من «مجانية التعليم» المنصوص عليها دستورياً، وناقماً عليها.. بل ويذهب في تشدُده إلى أن يتمتع الطالب بالتعليم الجامعي، إذا كان حاصلاً على 75% من الدرجات، فأكثر، أو أن يدفع «التكلفة» للسنة التالية، والتي قد تصل إلى عشرة آلاف دولار، أو يزيد للطالب الجامعي، عملاً بالقواعد السارية الآن، بأن على المواطن أن يدفع ثمن الخدمة، بغض النظر عن الخلل بالأجور.

الوزير شوقى، وباعترافه شخصياً، من خريجي التعليم الحكومي المجاني، لكنه، وفور توليه منصبه، قال «إن أولياء الأمور ينفقون 30 مليار جنيه على الدروس الخصوصية.. ومفيش حاجة ببلاش، ومش هنقدر نرفع ميزانية التعليم».. مؤكداً عدائه ل«مجانية التعليم»، وكأنه قادم لذبحها والإجهاز عليها، أو مخاطباً صندوق النقد الدولى، وليس شعباً مطحوناً مقهوراً، يعاني 28% منه، الفقر المدقع (أي الحرمان الشديد من الاحتياجات الحياتية الأساسية)، وربما أن أكثر من نصفه، قد هبطَّ من حالات «الستر»، و«اليُسر» إلى «الفقر»، فيما ملايين آخرين يقفون على عتباته، بفعل سياسات الإفقار الجماعي السارية.. قد لايعلم الوزير أن مجانية التعليم، وإلزاميتة الحالية لم تمنع تّسرُب «ملايين الأطفال» سنوياً من المراحل الأولى، نتيجة ضيق ذات اليد، وحاجة أولياء أمورهم إلى تشغيلهم، انتهاكاً لطفولتهم، بخلاف نحو خمسة ملايين مُشرد (أولاد الشوارع) بلا عائل أصلاً، إضافة إلى نسبة الأمية (القراءة والكتابة، وليس التكنولوجيا)، البالغة 29.7%، ممن هم في سن العاشرة وأكبر، طبقا لبيانات جهاز الإحصاء (الحكومي).. فماذا تريدون أكثر من ذلك.. ألا يكفيكم كل هذا الجهل والفقر والتشرد والتسرب التعليمي؟!..أم تريدون اقتصار التعليم على أبناء الطبقات الاجتماعية العليا، دون أبناء عموم الشعب؟.

نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com