ديمقراطية علي الكيف
فاروق عطية
الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٧
فاروق عطية
بمناسبة الانتخابات الأمريكية الأخيرة وتنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وما أثاره إبان حملته الانتخابية من لغط، اختلف الكثير من التاس حول الديمقراطية، خاصة بعد نجاحه بما يسمي أغلبية المجمّع الانتخابي رغم فوز غريمته بالأصوات الشعبية الأكثر، لذلك رأيت أن أسقط بقعة من الضوء علي مفهوم الديمقراطية وأنواعها، وإجراء مقارنة حول ديمقراطية العالم المتقدم وما ندّعيه من ديموقراطية في شرقنا الأوسخ.
مصطلح الديمقراطية مشتق من المصطلح الإغريقي (ديموكراتوس) ويعنى "حكم الشعب" لنفسه. وهذا المصطلح قد تمت صياغته في القرن الخامس قبل الميلاد من شقين (ديموس) تعني "الشعب" و(كراتوس) تعني "السلطة" أو "الحكم"، للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية وخاصة أثينا، والمصطلح مناقض للأرستقراطية التي تعني (حكم النُخبة). يتناقض هذين التعريفين نظرياً، لكن الاختلاف بينهما قد طمس تدريجيا، فالنظام السياسي في أثينا القديمة، على سبيل المثال، منح حق ممارسة الديمقراطية لفئة النُخبة من الرجال الأحرار واستُبعد العبيد والنساء من المشاركة السياسية، ففي جميع الحكومات الديمقراطية على مر التاريخ القديم والحديث، تشكلت الممارسة الديمقراطية من فئة النخبة حتى مُنح حق العتق الكامل من العبودية لجميع المواطنين البالغين في معظم الديمقراطيات الحديثة من خلال حركات الاقتراع في القرنين التاسع عشر والعشرين. وفي السياق نفسه يحضرني تعريف العقيد معمر القذافي رحمة الله عليه للديموقراطية حيث أفتي أن الديموقراطية تتكون من شقين عربيين ( ديمو) و (كراسي) وتعني الدوام علي الكراسي ..!!
وبعد إلغاء العبودية، وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، أصبحت الديمقراطية شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديموقراطية، أو بمعني أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديموقراطية بهذا المعني الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسية وأخلاقية معينة تتجلي فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.
توجد عدة أشكال من الديمقراطية، ولكن هناك شكلان أساسيان، وكلاهما يهتم بكيفية تحقيق ارادة مجموع المواطنين المؤهلين لتلك الممارسة. أحدي نماذج الديمقراطية هي الديمقراطية المباشرة، التى يتمتع فيها كل المواطنين المؤهلين بالمشاركة المباشرة والفعالة في صنع القرار في تشكيل الحكومة. في معظم الديمقراطيات الحديثة، يظل مجموع المواطنين المؤهلين هم السلطة السيادية في صنع القرار ولكن تمارس السلطة السياسية بشكل غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين، وهذا ما يسمى الديمقراطية التمثيلية. نشأ مفهوم الديمقراطية التمثيلية إلى حد كبير من الأفكار والمؤسسات التي وضعت خلال العصور الأوروبية الوسطى، وعصر الاصلاح، وعصر التنوير، والثورات الأمريكية والفرنسية..
في الأصل تعني الديمقراطية حكم الشعب لنفسه، لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديموقراطية في دول الغرب، وكذلك في كثير من دول العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ "الديمقراطية" لوصف الديموقراطية اللبرالية خلطا شائعا في استخدام المصطلح، سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية، بينما اللبرالية تؤكد علي حماية حقوق الأفراد والأقليات، وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات اللاليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظام الديمقراطية الليبرالية، أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة (كالصين وكوريا الشمالية التي يدعي كليهما الديموقراطية الشعبية) فالديمقراطية تتناقض مع أشكال الحكم التي يمسك شخص واحد فيها بزمام السلطة كما هو الحال في نظام الحكم الملكي، أو النظام الجملوكي السائد في شرقنا الأوسخ حيث يستحوذ على السلطة فرد يحيط نفسه بعدد قليل من الأفراد هم أهل الثقة، ولا يحدث أي تبادل للسلطة إلا بوفاة أو قتل المهيمن عليها، ويكون البديل أقرب المقربين للفقيد. ومع ذلك، فإن تلك المتناقضات الموروثة من الفلسفة الإغريقية، هي الآن أفكار غامضة لأن الحكومات المعاصرة قد تحتوي على عناصر من الديموقراطية والملكية مختلطة معا. عموما الديموقراطية هي نقيض للدكتاتورية والاستبداد، وبالتالي فهى تركز على الفرص المتاحة للناس للسيطرة على قادتهم والاطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة.
الديمقراطية الأمريكية هي ديمقراطية لبرالية علمانية تتداول فيها السلطة سلميا للأغلبية مع الحفاظ علي حقوق الأقليات، ولا تفضيل فيها لدين علي دين، بمعني أن هناك حرية مطلقة لانتقال أي فرد من دين لآخر وتتساوي جميع الأديان في الحقوق والواجبات. وقد أثار دونالد ترامب الكثير من القضايا الشائكة في فترة الدعاية الانتخابية مما وصفه البعض بالعنصرية الدينية والعنصرية العرقية، رغم أنه لم يتعرض مباشرة لأي من الأديان بالإساءة، فقط دعي لحماية الولايات المتحدة من إرهاب الإسلام الراديكالي (السياسي) ولم يتهم الدين الإسلامي بالإرهاب. كما دعي لحماية الحدود المتاخمة للمكسيك لحماية الولايات المتحدة من الهجرة الغير شرعية وانتشار العقاقير المخدرة التي يجلبها المتسللون، مما أصاب الأقليات الأسبانية (الجنوب أمريكية) بالتخوف أن يعمل عند فوزه علي ترحيل الموجودين دون حصولهم علي إقامة شرعية رغم إنجابهم أبناء يعتبرون مواطنين للولايات المتحدة. وكما أوضحت في العديد من المقالات أن الرئيس الأمريكي ليس ديكتاتورا مطلقا يأمر فيطاع، فهناك مؤسسات ودستور يحدد الحقوق والواجبات ولابد أن يحترم ويطاع، وما حدث بعد تسلمه السلطة يوضح ذلك بجلاء. أصدر ترامب مرسوما رياسيا في 27 يناير الماضي بمنع مؤقت لهجرة اللاجئين ومنع مواطني سبع دول ذات أغلبية إسلامية من دخول الولايات المتحدة لحين إصدار القوانين التي تحقق الحماية الوطنية. وفي صباح الجمعة 3 فبراير الجاري، أصدر جيمس روبرت القاضي الفيدرالي بواشنطن، قراراً سارياً على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، أوقف بموجبه المرسوم الرئاسي التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب حول الحظر المؤقت. وقال روبرت في قراره إن المحكمة توصلت إلى أن الظروف المطروحة أمامها اليوم، تتطلب تدخل المحكمة لإحقاق دورها الدستوري.
هذا الحكم أغضبت ترامب، وقال المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض تعليقا على قرار القاضي: “إن قرار المحكمة مخز”. وأضاف أن وزارة العدل ستطلب وقفا طارئا لقرار المحكمة في أقرب وقت ممكن، معتبرا أن مرسوم ترامب يهدف لحماية الوطن ولديه السلطة الدستورية ومسؤولية حماية الشعب الأمريكي. اعتمد ترامب في قراره علي قانون فيدرالي يعطي الرئيس الحق في تحديد ماهية الجنسيات التي تهدد الولايات المتحدة، كما اعتمدعلي الكونجرس وتقارير الأمن (سي آي إيه) وما تسرب إلي الصحف الأمريكية أن داعش قادرة علي إصدار جوازات سفر مزيفة وأن العديد من الجرين كالادز قد سرقت وأعطيت لإرهابيين ليتسربوا بها إلي الولايات المتحدة، وأن المنع المؤقت لرعايا هذه الدول السبع سببه أن هذه الدول ليس بها حكومات مركزية مسيطرة، وأن المنع لا يشمل دول اسلامية بها حكومات مركزية مسيطرة قادرة علي محاربة الإرهاب كمصر والسعودية، كما أن المنع المؤقت لـ7 دول فقط من الدول الإسلامبية الـ 57. والكثير من الدول العربية تمنع دخول رعايا الدول السبع، منها الكويت والسعودية علي سبيل المثال.
سارعت وزارة العدل الأمريكية بالطعن علي قرار القاضي أمام محكمة الاستئناف الفيدرالية وطالبت بتفعيل الحظر المؤقت، غير أن المحكمة رفضت الطعن وطالبت بمستندات إضافية من محكمة ولاية وشنطون ومن الوزارة. لم يخفي ترامب غضبه وأكد في سلسلة تغريدات تفعيل الحظر الذي يهدف لحماية البلاد من المتطرفين القادمين من الدول المشمولة في قراره. ومازال الصراع مستمرا.
أما في شرقنا الأوسخ، ينقسم الحكم فيها إلي نظامين، نظام ملكي رجعي مستبد لا يعرف من الديمقراطية غير إسمها، يمتلك ملوكه وأُمراؤه كل شيئ ويعيش شعوبه في فقر وجهالة وترزح تحت نير الديكتاتورية والعبودية وتنتشر فيه الخرافات والبدع. ونظام جمهوري هو في الحقيقة نظام جملوكي تكمم فيه الأفواه ولا يعرف من الديمقراطية غير استخدام الصناديق في انتخابات إن لم تكن مزوررة تماما فهي في حكم المزورة حيث أن 70% من الشعوب أميين وتحت خط الفقر تشتري أصواتهم بزجاجة زيت أو قليل من السكر أو حفان من الأرز. الرئيس هو الزعيم الأوحد الذي يمتلك الحكمة وحسن التصرف، يستند في حكمه علي الفاشية الدينية التي تغرق البلاد بفتاوي تمنع الخروج علي ولي الأمر الذي يتمتع برعاية الله وتعضيضه. وفهمه للديمقراطية لا يختلف عما قاله القذافي.!
رأيت في الأسلوع الماضي علي التلفاز زعيم مصر في كلمته خلال مؤتمر الشباب بأسوان يوم السبت 29 يناير، قال فيها: "ياريت حد يقول لكم إحنا فقرا، فقرا أوي" وحين حاول أحد الحضور الاعتراض صاح فيه مؤنبا: إسمع الكلام اسمع الكلام احنا بنقول لكم المرض، أنت متعرفش حاجة. فسكت المعترض وهو كظيم، وسلم لي علي الديمقراطية المصرية..!!