سعيد السني
لم تعلن «هيئة كبار العلماء» بالأزهر الشريف الحرب على الدولة، ولا في مقدورها أن تفعل، ومع هذا باتت ومعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مرمى النيران الكثيفة.. فمع احتدام الجدل حول «الطلاق الشفوي»، اجتمعت «الهيئة» برئاسة الطيب، ورأت وقوع الطلاق الشفهي «شرعاً»، ولم تُمانع في سن تشريع يُلزِم «المُطلِق» بالتوثيق، حفظاً لحقوق المطلقة وأبنائها (www.almasryalyoum.com/news/details/1084514) .

«بيان الهيئة» بهذا الصدد، حوى ربما «تلسينًا» على «نظام الحكم»، ناصحاً إياه، والرافضين لشفوية الطلاق، أن «يصرِفوا جُهودَهم إلى حل مشكلات الناس، وتيسير سُبُل العيش الكريم»، بما جلب الاتهام، لـ«كبار العلماء» بتخطي حدود الرأي الشرعي، قفزاً إلى «السياسة» وإدانتها، خروجاً عن اختصاص الأزهر، وهو ما قد يكون غير صحيح.. فهذه «الانتقادات» لها وجاهتها، ولم تتجاوز الطلاق، كقضية اجتماعية لها أسباب اقتصادية، واجبة العلاج، بعيداً عما «يعتبره» العلماء مساساً بالشرع، وإغلاقاً لباب فتنة لا لزوم لها.

لهيئة كبار العلماء قصة تستحق أن تُروى.. فقد شهد عام 1911م، «الميلاد الأول» لها، بالقانون رقم 10، وتضم 30 عالماً أزهرياً، متنوعي التخصصات والمذاهب، وظلت الهيئة حاضرة وفاعلة «دينياً وسياسياً»، إلى أن أصدر الرئيس جمال عبدالناصر «القانون رقم 103 لسنة 1961م، بشأن تنظيم الأزهر»، ليكتب شهادة وفاتها وحلول «مجمع البحوث الإسلامية» محلها.

في دراسة نادرة عن هذه الحياة الأولى للهيئة، موثقة في كتاب بعنوان «هيئة كبار العلماء.. النشأة والتطور»، صادر عن الهيئة العامة الكتاب (سلسلة تاريخ المصريين)، للباحثة زوات عرفان المغربي، فإن «الهيئة وجدَت لإحياء القديم واستمراره بنفس أسلوب السلف مع اختلاف الإمكانيات والظروف، ويؤخذ عليها ملاحقة المفكرين والمبدعين والمجتهدين»، فقد انتفضت ضد القاضى الشرعى الشيخ على عبدالرازق عام 1925م، وحاكمته تأديبياً وأدانته وجردته من شهادته (العالمية) ووظيفته، عقاباً للاجتهاد في كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، مُبرهناً بأن «نظام الخلافة»، ليس من أصول الإسلام.. انتفاضة العلماء ضد عبدالرازق، كانت بايعاز من القصر الملكي، لكون الكتاب نسف فكرة الخلافة، ومعها حلم الملك فؤاد الأول بتولي خلافة المسلمين، عقب سقوط الخلافة العثمانية نهائياً (1924م).. كبار العلماء ثاروا في العام التالي على الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، وكتابه «الشعر الجاهلى»، ودفعوا به إلى النائب العام، متهماً «الطعن على دين الدولة الرسمى».. بحسب الباحثة ذاتها، فإن «الهيئة كان لها حضور فعال إزاء بعض القضايا السياسية، وتتخذ خطاً عاماً مؤيداً للسلطة وسياساتها»، وهو ما يبين من تعسف الهيئة مع «على عبدالرازق» إرضاء لجلالة الملك.

«المرسوم» بالقانون رقم 13 بتاريخ 19 يناير 2012م، من المجلس العسكري الحاكم بتعديل قانون الأزهر، كتب شهادة الميلاد الثاني للهيئة، وكلفها بانتخاب «شيخ الأزهر» وتحصينه من العزل و«استقلال الأزهر، ومرجعيته النهائية في كل ما يتعلق بشؤون الإسلام واجتهاداته الفقهية»، وقد ردد دستورا 2012 و2014 نفس المعاني والنصوص تقريبًا، نتاجاً لمناورات ومقايضات سياسية.. ولاحقاً صدر القرار الجمهوري رقم 24 (يوليو 2012م)، بتشكيل هيئة كبار العلماء، في صورتها الحالية، برئاسة شيخ الأزهر، وعضوية 26 عالماً، بينهم «وزراء الأوقاف ورؤساء جامعة الأزهر السابقون والمعاصرون» للقرار، فهل الهيئة بأعضائها أصحاب هذه المناصب (حائزون على رضا أجهزتها الأمنية والرقابية) يمكن أن يُعلنوا الحرب على الدولة.. أم هو العبث والهرتلة، والنفاق الإعلامي؟.

إنصافاً، فإن «الإمام الطيب» حين سعى لاستعادة «هيئة كبار العلماء»، بمرسوم المجلس العسكري، كان تحسباً للصعود الإخواني والسلفي، بعد ثورة 25 يناير، للاستعانة بها فيما هو متوقع من معارك معهما، فكلاهما مُعادِ وكاره للأزهر و«شيخه الطيب» ومتربص بهما.. فالإخوان يتهمونه بأنه وراء قضية ميليشيات خيرت الشاطر، أثناء رئاسته لجامعة الأزهر (2003- 2010)، إذ أدى «طُلاب الشاطر» استعراضاً شبه عسكري، في ساحة الجامعة الأزهرية عام 2006م، وهو ما انتهى بسجن الشاطر وآخرين.. أما السلفيون فكانوا هدفاً لانتقاداته التليفزيونية اليومية بقناة النيل للأخبار (2008 -2010).. المآخذ على «الهيئة» ودورها، كونها تؤسس لدولة دينية، تناقض الدولة المدنية، صحيحة.. لكن هذا ليس ذنب الطيب، بل المجلس العسكري صاحب مرسوم بعثها للحياة، وإذا كان الأزهر يواصل ملاحقة المفكرين والمجتهدين، فإنه يستند إلى قوانين بالية ترعاها الحكومات المتعاقبة (ازدراء الأديان نموذجاً).

الدولة دائمًا هي التي تستدعي «الدين» ورجاله لتوظيفهم سياسيًا.. يكفي تأمل صورة مشهد 3 يوليو، وهو سياسي بامتياز، عندما أعلن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، باسم ثورة 30 يونيو عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي.. كان بجواره الإمام الأكبر أحمد الطيب، وبطريرك الأقباط قداسة البابا تواضروس الثاني.. فهل حضرا بغير صفتيهما الدينية؟! مثلما أن حضور الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، كان بصفته «السلفية» أكثر من الحزبية.

إنها لعبة الفقيه والسلطان في بلادنا على مدار الزمان، وإن اختلفت التفاصيل.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.com