هل يستقيل الإمام الأكبر؟
سعيد السنى
السبت ١١ فبراير ٢٠١٧
سعيد السني
قامت الدنيا ولم تقعد، وانهال القصف الصاروخي الإعلامي على الأزهر الشريف، وشيخه الدكتور أحمد الطيب؟، مع توصيفات تليفزيونية وصحفية صاخبة وعناوين مثيرة على شاكلة «الأزهر في مواجهة الدولة»، و«صِدام بين الرئاسة والمشيخة»، و«الأزهر ضد السيسي»، وتساؤلات عن حدود الصدام بين الرئيس والإمام الأكبر.. هذه الحرب على الأزهر (مؤسسةً، وشيخاً)، اشتعلت على خلفية البيان الصادر عن اجتماع «هيئة كبار العلماء»، برئاسة الشيخ الطيب، وفتواها بوقوع الطلاق الشفوي، بالمخالفة لرأي الرئيس عبدالفتاح السيسي، الممانع والرافض لهذا الطلاق الذي يراه غير صحيحاً، مادام شفوياً بلا توثيق.. هذه الموجة الهجومية كانت قد اندلعت مع انتهاء خطاب «الرئيس» احتفالاً بعيد الشرطة (24 يناير الماضي)، والذي أبدى فيه انزعاجه من ارتفاع نسب الطلاق، وطالباً منع الطلاق الشفوي، ثم، متوجها إلى «الطيب» لائما ممازحاً، بقوله: «تعبتني يا فضيلة الإمام.. تعبتني يا مولانا».. مثل هذه الهجمات الإعلامية مستمرة، في موجات متلاحقة، نتيجة عدم استجابة الأزهر لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بـ«تجديد الخطاب الديني»، التي أطلقها عقب توليه الرئاسة بأشهُر قليلة، ومرَّ عليها أكثر من سنتين، دون أي جديد يُذكر، إذ «الأزهر» حصن عتيق وحارس أمين لتراث الأقدمين، وتفاسيرهم المتشددة دون مقتضى.
من الإنصاف أن «دعوة السيسي»، لمنع الطلاق الشفوي، ربما يكون لها وجاهتها ومقتضياتها العصرية، وإن كنت لست مؤهلاً للفتي، بمدى توافقها مع الشرع.. لكن دعوته السابقة للتجديد الديني، لم تكن موفقة في مضمونها ومُسماها، إذ الأصح، بدلا من تجديد «الخطاب» الديني، أن تكون تجديداً لـ«الفكر» الديني، المتحجر ترديداً ونقلاً لأفكار وتفاسير القدامى والأولين في القرون الهجرية الأولى، بغير مراجعة لهذه الأفكار، وتحديثها، مسايرة للمستجدات الحياتية، دون المساس بالعقيدة ذاتها.
توجه الرئيس إلى «الأزهر»، وتكليفه بـ«التجديد»، كان هو الآخر، في غير محله، فهذه المهمة التجديدية، ذات زوايا وجوانب فكرية تربوية وتعليمية واجتماعية وثقافية ودينية، وبهذه المثابة فهي شأن يخُص «المجتمع» كله، المكتوي بنيران «التطرف والإرهاب»، الناجم عن الأفكار البالية المتوارثة أزهرياً، والمتعيش بدوره على كُتب ونتاج «فكر بعض الأولين»، المؤسسين لإشاعة الكراهية والبغضاء والطائفية وتفضيل القتل، بما يناقض حياتنا المتغيرة والمتطورة سريعاً، في ظل العولمة التي تُعلي قيم التعايش والتعاون وعدم التمييز العرقي والديني والطائفي والمذهبي، مع تلاشي قدرات الأمم على الانفصال عن السياق العالمي.. بما مفاده أن تجديد الفكر الديني، ليس شأناً أزهرياً منفرداً، بل شأنا عمومياً لكافة مؤسساتنا التعليمية والثقافية، وجامعاتنا ومنظمات المجتمع المدني.
عودة إلى رفض «هيئة كبار العلماء»، تحريم ومنع «الطلاق الشفوي»، على غير ما أراد الرئيس، بما أدى لاشتداد سعير الحرب الضارية الحالية، التي تشنها ضد الأزهر وشيخه، ميليشيات إعلامية محسوبة على الرئاسة والأجهزة الأمنية، عقاباً لـ«الإمام الطيب»، على تقاعسه والهيئة، عن تأييد الرئيس فيما أراد، ناهيك عن خلافات مكتومة بين الرئاسة ومشيخة الأزهر، فيما يبدو من رضا ودعم رئاسي للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، المناوئ للشيخ الطيب، فيما «يزعمه» الوزير من تجديد ديني وهمي (خطبة الجمعة الموحدة)، وفي صراعه مع الأزهر، وتناثر أقاويل وتخمينات عن رغبة رئاسية لإقصاء «الطيب» عن موقعه، وتعيين الوزير شيخاً للأزهر، بديلاً عنه، بما يؤشر إلى أن هذه الغارات الإعلامية، ربما تستهدف دفع «الشيخ الطيب» إلى الاستقالة.. إذ لا يملك رئيس الجمهورية، عزل «شيخ الأزهر»، كون الأخير متمتع بحصانة دستورية، تحميه من العزل (مادة 7 بدستور 2014).. فهل يستقيل الإمام الأكبر تحت القصف؟.. لا أظن.
لست بصدد الدفاع عن الأزهر والشيخ الطيب.. لكن.. هل كانت هذه الحملة الشرسة عليه ستحدث لو أفتى «الطيب» وكبار العلماء، بتحريم الطلاق الشفوي؟.. وإذا كان المأخذ على «بيان هيئة كبار العلماء» هو تطرقه إلى السياسة، نقداً لاذعاً لسياسات الحكومة، وفشلها في تيسير سُبل العيش الكريم.. فهل كانت السلطة وإعلامها سيغضبون لو كان البيان مادحاً؟.. أم أن التناول السياسي يكون مُرَّحباً به من الأزهر ورجال الدين، إذا كان تأييداً وثناءً فقط؟.. تأكيداً، الإجابة معروفة.
ليت أهل الحكم يتوقفون كليةً عن استخدام الدين ومؤسساته وتوظيفهما سياسياً.
نسأل الله السلامة لمصر.
Saidalsonny2@gmail.com