كتب: عماد توماس
يسجِّل التاريخ أن "محمد على باشا" هو مؤسِّس "مصر الحديثة" وحاكمها في الفترة بين 1805 – 1848م، وفي هذه الفترة التي نعيشها منذ 25 يناير 2011 تحتاج "مصر" لمواطنين شرفاء لبناء مصر "المحروقة" و"المنهوبة"، والتي حرقها ونهبها ما أسموهم بـ "البلطجية" والخارجون عن القانون.
تبدو الظروف متشابهة إلى حد كبير، فعندما توَّلى "محمد على" حكم "مصر"، كانت بداية فترة حكمة حرجة وتعاني من ظروف سياسية واقتصادية مريرة، واستطاع "محمد علي" أن يضع "مصر" وينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة. وبحسب "حسنين هيكل" فإن "محمد علي" أسّس الدولة الحديثة بالجيش.
"محمد علي" .. والقاهرة المحروسة
عانت "القاهرة" الكثير، وزادت حالتها سوءًا سنوات عديدة، حتى قبل وصول قوات "بونابرت" إلى "القاهرة"؛ بسبب الصراع الرهيب بين "إبراهيم بك" و"مراد بك" اللذين كانا يتنافسان على السلطة في "مصر"، بسبب ضعف الوالي. وبالتالي لم يكن يهتم أحد بتطوير "القاهرة" أو يواجه مشاكلها الصحية والتعميرية. وجاءت حملة "بونابرت" عام 1798، ورغم مرافقتها لعلماء ومهندسين وأطباء، إلا أنه بسبب الحروب والثورات؛ لم تنعم "القاهرة" بشئ يُذكر من التعمير والتطوير، واستمر هذا الوضع ما يقرب من عشرين عامًا بسبب الصراع ومحاولة الاستيلاء على السلطة، إلى أن تمكَّن "محمد على باشا" من السيطرة على الأمور عام 1805م. وعانى الكثير بسبب ثورات الجند، ومعاركه مع المماليك. ولأنه كان له مشروع طموح لتطوير البلاد في كل المجالات، أمر بعمل حصر للمباني الآيلة للسقوط تمهيدًا لهدمها محافظة على الأرواح، وابتدأ في عام 1820 في أعمال نظافة للمدينة انعكست على الصحة العامة، وأمر بإنشاء مجلس للإشراف على تزيين وتجميل "القاهرة" وتعديل طرقها، وفي عهده تم ترقيم وتسمية شوارع القاهرة عام 1847م.
"محمد على" هو بانى حي "شبرا" عندما اختار قصرًا مازال موجودًا حتى الآن باسمه في "شبرا البلد" ليستريح فيه، وأمر بإنشاء شارع "شبرا" ليكون أعرض شوارع "مصر" في ذلك العهد وأكثرها استقامة، وكان هدفه أن يتحوَّل الشارع إلى مكان للنزهة والترويج.
تصدَّي "محمد على" للحملة الإنجليزية التي جاءت بقيادة الجنرال "فريزر" لمناصرة أعدائه المماليك سنة 1807، وتخلَّص من أمراء المماليك في "مذبحة القلعة" سنة 1811.
أرسل حملة عسكرية لقتال الوهابيين في الجزيرة العربية، واستطاع ابنه الأكبر "إبراهيم باشا" القضاء عليهم في معركة "الدرعية" عام 1818.
نجح "محمد علي" في إعادة بناء الأسطول، وأسَّس أول جيش نظامي في "مصر" الحديثة، وكانت بداية العسكرية المصرية بإنشاء أول مدرسة حربية في "أسوان" في جنوب "مصر". وحقق الجيش المصري في عهد "محمد على" انتصارات باهرة على الأتراك، ولكن تدخل الدول الأوربية إلى جانب السلطان، أجبر "محمد علي" على القبول بشروط معاهدة لندن 1840 وتسوية 1841 التي جعلته واليًا على "مصر" مدى حياته، على أن تكون وراثية في أبنائه من بعده.
إهتمامه بالتعليم
كانت أهم دعائم دولته العصرية، سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة، حيث كان يؤمن بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدِّم ويزودها بكل التقنيات العصرية، وأن يقيم إدارة فعَّالة واقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها، إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي. ووجد أن هذا التعليم العصري يجب أن يقتبس من أوروبا؛ فقام منذ عام 1809 بإرسال بعثات تعليمية إلى عدة مدن إيطالية لدراسة العلوم العسكرية وطرق بناء السفن والطباعة. وأتبعها ببعثات لـ"فرنسا"، كان أشهرها بعثة عام 1826 التي تميَّز فيها إمامها المفكر والأديب "رفاعة الطهطاوي" الذي كان له دوره الكبير في مسيرة الحياة الفكرية والتعليمية في "مصر". وقد قام بفتح "مصر" لكل وافد، وانفتح على العالم ليجلب خبراته لتطوير "مصر". ولأول مرة أصبح التعليم منهجيًا، فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش، وأوجد زراعات جديدة كالقطن، وقام ببناء المصانع، واعتنى بالري، وشيَّد القناطر الخيرية على نهر النيل عند فرعي دمياط ورشيد.
إهتمامه بالصناعة
إهتم "محمد على" بالصناعة- أصبحت ثاني عماد للدولة بعد التعليم- سواء الصناعة الحربية (كصناعة البنادق والمدافع والسفن) أو المدنية كحلج القطن وغزله، وصناعة الحبال والملابس. كما إهتم بحصر قوة العمل؛ لأنه أزمع الاستفادة من كل يد قادرة على العمل في البلاد، فقام بأول تعداد كامل للسكان في "مصر" حوالي سنة 1845.
تنازله ووفاته
تنازل "محمد على باشا" عن العرش في 2 مارس 1848 بعد أن أُصيب بالخرف، وعاش بعد ذلك في "الإسكندرية"، وتوفي فيها في 2 أغسطس 1849، ودفن بجامعه بالقلعة بـ"القاهرة".
المراجع:
• دار الوثائق القومية.
• "أحياء القاهرة المحروسة" عباس الطرابيلي.
• موسوعة ويكيبيديا.